خلق الله المياه.. فجعلها، سبحانه، السر الأوحد لنبض الروح، وللحياة كما أرادها لخلقه، لتظل نقطة المياه هي المقياس للوجود، والمؤشر للتحدي، والاختبار الأعظم للحياة الدنيا..
وتختزل نقطة المياه حركة الحياة في السلم، وصراعها في النزاعات، وتتفاقم حول مدارها حركة البشر، فقد كشفت منظمة الصحة العالمية عن أن ما يقرب من 785 مليون شخص على مستوى العالم، يفتقرون إلى مصدر نظيف لمياه الشرب، في خلال نصف ساعة سيراً على الأقدام من المكان الذي يعيشون فيه، وتزداد هذه المشكلة سوءاً لينضم إليهم ملايين آخرون، خاصة مع استمرار أزمة المناخ وتداعياتها.
ورغم زيادة عدد السكان، فإن حصة مصر من مياه النيل، منذ القرن الماضي، لم تتجاوز 55.5 مليار متر مكعب في السنة، حيث قدرت "الجمعية الجيولوجية الأمريكية" حدوث أزمة في مياه الشرب العام 2025، بسبب النشاط البشري والزيادة السكانية، إضافة إلى إنشاء سد النهضة الإثيوبي.
وسعيا لتفادي أزمة في المياه، حيث تنخفض حصة المياه السنوية للفرد في مصر وتبلغ 660 متر مكعب فقط، وهي واحدة من أدنى حصص المياه السنوية للفرد الواحد على مستوى العالم، وهو "1000 متر مكعب في السنة"، فقد وضعت وزارة الموارد المائية والري إستراتيجية من 4 محاور لحل المشكلات المائية بحلول 2050، بتكلفة تقترب من 60 مليار دولار.
وتظل الطاقة هي الجانب الآخر لتحدي توفير نقطة المياه، فإذا كانت عمليات الحصول على المياه، وتحليتها "التحلية الحرارية" عن طريق التبخر، فإن ذلك يتطلب استهلاكا عاليا للطاقة، وكذلك تقنيات أخرى مثل "التناضح العكسي" التي تعتمد أساسا على الطاقة، فإن ضوء الشمس هو مصدر الطاقة الأكثر وفرة وتجدداً على وجه الأرض، وهو من بين أهم الحلول غير التقليدية ذات الأولوية القصوى لوزارة الموارد المائية والري وهو استخدام الطاقة الشمسية كأحد أهم بدائل الطاقة المتجددة، كما يؤكد المهندس ممدوح رسلان رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، موضحا أن تطوير عملية التحلية الجديدة يعتمد على استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، أهمها الطاقة الشمسية، وهو حل موفر للطاقة ومستدام بيئياً لتحلية المياه للشرب والزراعة وكافة الأغراض الصناعية والتجارية والخدمات، وتشمل المحور الاول وهو تحسين نوعية المياه بإعادة استخدام المياه أكثر من مرة، وبالتالي ينعكس على صحة المواطنين وجودة المنتج، وعلى الأوبئة التي تتولد في المياه نتيجة المعالجة، والثاني هو ترشيد استخدامات المياه، والتوسع في نظم الري الحديث، والثالث تنمية الموارد المائية للتوافق مع آثار التغيرات المناخية، أما المحور الرابع فيعتمد علي التدريب ورفع القدرات، وكذلك التشريعات والقوانين التي تلزم الجميع بمسئوليتهم نحو الحوكمة الرشيدة في إدارة الموارد المائية، فقد أعدت الدولة مشروع قانون الموارد المائية والري الجديد، الجاري مناقشته حاليًا بمجلس النواب، ويهدف لتحسين عملية تنمية وإدارة الموارد المائية وتحقيق عدالة توزيعها على كافة الاستخدامات والمنتفعين..
ولعل هذه المحاور تعيد إلينا ما كان مع علاقة طيبة مع مياه الصنبور، حيث كانت مياهه هي المصدر الرئيسي للشرب، فهل تعلمون أن 80% من سكان ألمانيا يشربون مياه الصنبور، وهي ليست نقية فحسب بل صحية أيضا، حيث تتم مراقبتها بانتظام على فترات قصيرة وتتوافق مع متطلبات الجودة الصارمة لقانون مياه الشرب هناك.
من بين التطورات الإيجابية الساعية إلى حلول ذكية وأخرى واقعية، في مجال مياه الشرب والصرف الصحي وتحلية المياه والحمأة وتدوير المخلفات، بدأت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي بالإعداد لاستقبال خبرات وتجارب أكثر من 40 شركة ألمانية متخصصة في تقنيات المياه بداية أكتوبر المقبل 2023، بالقاهرة الجديدة، من خلال المؤتمر والمعرض الثاني للمياه بالشراكة مع "أكسبوتك الدولي 2023" لتكنولوجيا المياه والصرف الصحي وتحلية مياه البحر وإدارة اقتصاديات المياه ومعالجة وتدوير المخلفات، بمشاركة 100 عارض من الشركات والمصانع الأوروبية والألمانية والمحلية المتخصصة فى مجال تكنولوجيا البنية التحتية ومعالجة المياه والصرف الصحي والصناعي وتحلية المياه وتكنولوجيا تدوير المخلفات، برعاية د.عاصم الجزار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة.
ونظرًا لأننا نواجه تحديات الحصول على نقطة المياه، فمن المهم مشاركة القطاع الخاص المصري والعربي والأجنبي لتوفير تكنولوجيات حديثة ونظم مبتكرة لمعالجة مياه الشرب وتحليتها وتقليل الفاقد وترشيد الاستهلاك.
وللحد من الآثار السلبية للانبعاثات الكربونية والحفاظ على البيئة، فقد توصلت شركة الإسكندرية للمياه إلى تطبيق البصمة الكربونية لمحطة مياه وكيان إدارة، لتصبح أول شركة خدمية حكومية تستطيع حساب إجمالي الغازات والانبعاثات الناتجة من العمل بها، وهو تطور جيد يقترب من تطبيق الإستراتيجية الجديدة لتوفير وتخليق وإدارة نقطة المياه.
[email protected]