من سان بطرسبرج.. هنا مصر وإفريقيا

31-7-2023 | 16:20

سلاح ذو حدين فاعلين، هذا هو العنوان الأمثل والأوضح للتمثيل المصري بقيادة الرئيس السيسي في أعمال النسخة الثانية من القمة الإفريقية الروسية المنعقدة بمدينة سان بطرسبرج. فمن جانب تأتي القمة لتضم زعماء القارة السمراء خارج حدودها في تأكيد للتفاعل والتكامل الذي يأخذ في التنامي الناتج عن تشابك أواصر العلاقات بين مصر ودول القارة الإفريقية، وهذا التقدم المتواصل في جميع المجالات والحرص المصري الكبير على هذا تقوية أواصر هذه العلاقات مع أبناء القارة الجيران والأشقاء، عبر توقيع العديد من اتفاقيات ومذكرات التفاهم الاقتصادية والعلمية والمائية المهمة من قبل، ثم هذا الحضور الإفريقي بريادةٍ مصرية في محفل مهم وله تأثيره الكبير وتتم متابعته من جميع أنحاء العالم، حيث يأتي في وقت بالغ الدقة والأهمية ووسط تحديات كبيرة يشهدها العالم، الذي يتجه نحو تعدد القطبية واتساع دوائر التنافس، وإدراك العقل الإفريقي لقدراته وتأثيره الدولي كلاعب رئيسي في المشهد العالمي ودائما بحضور مصري بارز وفاعل.

ومن هنا جاء ترحيب الرئيس الروسي فلادمير بوتين بزيارة الرئيس إلى روسيا أثناء لقائهما في اليوم الأول الزيارة بقصر قسطنطين بمدينة سان بطرسبرج، وإشادته بالدور الفارق في إطلاق النسخة الأولى من القمة الروسية الإفريقية أثناء رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي عام 2019، والتي رسخت إلى دعم وتعميق العلاقات المتميزة والتاريخية بين القارة الإفريقية وروسيا من الجهة، وعلاقات مصر بروسيا من جهة أخرى والتي تمتد إلى 80 عامًا شهدت عديدًا من المحطات الفارقة، حيث بلغت العلاقات الثنائية ذروتها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، منذ التعاون في بناء السد العالي وإقامة المراجل البخارية وتشييد أفران الحديد والصلب ومجمع الألومنيوم وشركات الكيماويات، بمساعدة الخبراء السوفييت، وإنجاز 97 مشروعًا صناعيًا بمساهمة الاتحاد السوفيتي، كما حصلت القوات المسلحة المصرية في الخمسينيات على أسلحة سوفيتية، ثم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت مصر في طليعة الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع روسيا الاتحادية عام 1991، واستمرت العلاقات بين البلدين في النمو وصولا إلى هذه اللحظة التاريخية الفارقة، التي أعرب فيها الرئيس عن حرصه على تعميق علاقات الشراكة مع روسيا الاتحادية والذي تكلل بالتوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة في ٢٠١٨، فضلا عن التعاون الثنائي القائم بالعديد من المجالات والمشروعات، مثل مشروع إنشاء المنطقة الصناعية الروسية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومشروع إنشاء محطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية.

فلم يكن غريبًا إذًا أن تشهد الزيارة نشاطا حافلا، يدل على ملامح مستقبل واعد كنتاج لهذا التفاعل الذي يشمل أيضا التنسيق بشأن القضايا الإقليمية والدولية المختلفة، والاعتداد بدور مصر كركيزة أساسية للأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط وإفريقيا، ليكون تعزيز التشاور حول كيفية التصدي للتحديات المشتركة، أمرًا بديهيا يؤكد من خلاله الرئيس ضرورة بلورة نتائج فعلية وعملية من القمة الروسية الإفريقية لصالح الشعوب الإفريقية في المقام الأول، فمصر منذ الأزل هي المدافع القوي عن إفريقيا ومصالحها، لتدل القمة الروسية الإفريقية الثانية على الكثير من المؤشرات، وأبرزها هذه الفعالية المصرية والإفريقية كعنصر فاعل في المعادلة الدولية، ولها ثقلها ومطالبها فى التنمية، توازيا مع العمل على مواجهة تداعيات وانعكاسات الأزمات العالمية، كالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والتي كانت لها تداعيات كبرى على اقتصاد الدول وفي الواجهة منها دول القارة الإفريقية، وكذلك طرح الأزمات المتعلقة عن قرب بالقارة والمنطقة والنزاعات القائمة فى منطقة الشرق الأوسط، كتطور الأوضاع في السودان وسوريا وليبيا، وحضور القضية الفلسطينية، وتأكيد الاستماع لصوت مصر الراسخ والقوي بضرورة ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام لدول المنطقة، وعلى نحو يحافظ على وحدة وسيادة أراضيها وحقوق شعوبها المشروعة.

وانطلاقا من دوافع القارة الإفريقية وحقوقها في التنمية والسلام وتحديد مصيرها كجزء مهم من الأرض تؤثر قي أحداثه وتتأثر به، وأيضا من واقع العلاقات الدولية المتشابكة وضرورة تحقيق المصالح المشتركة، كانت القمة شاملة لجميع القضايا الملحة كالأمن الغذائي والتغير المناخي وتأثيره مع الحروب على مسارات التنمية، ليطرح الجانب الإفريقي أوراقه، وكذا ليكشف الجانب الروسي في ظل مصالحه وتوجهاته عن مزيد من الرؤى لتوضيح وجهات النظر فيما يتعلق بالقضايا المشتركة، سواء السياسية أو الاقتصادية وإتاحة الفرصة الكبيرة للوقوف على إجابات للعديد من الأسئلة المعلقة اتكاء على تاريخ من العلاقات القائمة على الثقة والاحترام، في ظل ما تقدمه مصر من خطاب داعم للمسارات السياسية وتقليل الصراعات والتعويل على التفاهمات، والمساعي الدافعة لتسوية الصراعات والأزمات سلميًا للحد من المعاناة الإنسانية القائمة، وإنهاء التداعيات الاقتصادية السلبية على دول العالم خصوصًا الدول النامية والإفريقية، وليشهد  المنتدى الاقتصادي والإنساني الذي شمل تنظيم 38 جلسة بمحاور مهمة عن الاقتصاد العالمي الجديد، والتكامل الأمني وتعزيز السيادة، والتعاون في مجال العلوم وتكنولوجيا المعلومات، والتعاون الإنساني والاجتماعي، وهي محاور دالة تؤكد هذه المساعي لتحقيق المصالح بصورة عادلة تحافظ على التوازن العالمي في ظل الحضور المصري والإفريقي، الذي يشهد جهودًا جادة لتحقيق الاندماج القاري، ودعم المبادرات الهادفة إلى تطوير التنمية في إفريقيا، ومن خلال رؤية مصرية تؤمن بقدرات القارة وتدرك عمق الروابط بين التنمية من ناحية وبناء واستدامة السلام من ناحية أخرى.

لتعكس هذه المشاركة المصرية الفاعلة في القمة الروسية - الإفريقية الثانية في بطرسبرج، ما تلعبه مصر من دور محوري في دائرة البعد الإفريقي، وما تنتهجه في مسعى دائم عليه لترسيخ مكانة القارة وتعزيز قدراتها في مواجهة التحديات التنموية والمناخية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة