في أثناء احتفال رمزي أقامته سفارة جمهورية كوبا بمقرها في ضاحية المعادي، صباح يوم الأربعاء الماضي، بمناسبة اليوم الوطني، الموافق 26 يوليو، داهمتني ذكريات وخواطر كثيرة، عشتها بالعاصمة، هافانا، في اليوم نفسه، منذ 17 عامًا.
في كوبا، ما أشبه الليلة بـ البارحة، فالشكوى المُرة من النتائج "الكارثية" للحصار الأمريكي، الممتد لأكثر من ستة عقود، ما تزال قائمة، على النحو نفسه الذي كان سائدًا منذ 17 عامًا، بل، ازدادت معاناة سكان الجزيرة في السنوات الأخيرة.
آخر ما تفتقت عنه قريحة متخذ القرار في البيت الأبيض، لتشديد الحصار على هافانا، يتمثل في السعي لحرمان مئات الآلاف من سكان المعمورة، من الخدمات الطبية عالية الجودة، التي يوفرها الأطباء والمختصون الكوبيون في مجال الصحة.
كوبا تقدم خدماتها الصحية العالمية، منذ نحو 59 عامًا، من خلال 23792 طبيبًا ومختصًا وعاملًا، منتشرين في 56 دولة، وعلى مدى عقود، ساهمت الخبرات الكوبية المتميزة في علاج أكثر من ملياري مريض بهذه الدول، بدون مقابل مادي.
لأن ما تقدمه كوبا من خدمات صحية عالمية يعتبر عنصرًا أساسيًا، ورمزيًا، لسياستها الخارجية، وبفضلها اكتسبت تعاطف واحترام العديد من الدول، فقد أطلقت الولايات المتحدة حملة دولية شرسة مناهضة لكوبا، منذ عام 2018 وحتى تاريخه.
هذه الحملة الهستيرية لتشويه سمعة التعاون الطبي والصحي الدولي الكوبي، جرى تمويلها بملايين الدولارات، بدعم مباشر من مسئولين بوزارة الخارجية الأمريكية وأعضاء بالكونجرس، مرتبطين بمجموعات ضغط، مناهضة لكوبا بولاية فلوريدا.
بصيغة التحدي والإصرار، أكد الرئيس الكوبي، ميجيل دياز كانيل، أن تعاون كوبا الطبي مع الدول الشقيقة -ومن بينها مصر بطبيعة الحال- سوف يستمر بالرغم من حملة الافتراءات، التي أطلقتها الولايات المتحدة لتشويه سمعة الدولة الكاريبية.
وزير خارجيته، برونو رودريجيس، ندد بالحملة الأمريكية، ووصفها بأنها محاولة "انتقامية" إضافية، وجريمة ترتكبها واشنطن بحق من حقوق الإنسان، لأسباب سياسية، تستهدف حرمان كوبا من أحد مصادرها للدخل، وسرقة كوادرها الطبية.
كلما اقترب شهر سبتمبر، حيث تستضيف هافانا في يومي 15 و16 منه، قمة رؤساء دول وحكومات مجموعة الـ 77 زائد الصين، تتصاعد وتيرة الحملة الأمريكية لتشويه كوبا، ليس -فقط- على صعيد تعاونها الدولي في المجال الصحي.
ففي ضوء القدرة المهيمنة الأمريكية على المستوى الدولي، باعتبارها قوة عظمى، دفع الشعب الكوبي المكافح ثمنا غاليا- ولا يزال- نتيجة للحصار الاقتصادي والتجاري، المفروض على كوبا، بما يتعارض مع إرادة المجتمع الدولي، وتتجلى بالتصويت -كل عام تقريبا- في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لصالح إنهائه فورًا.
أيضا، وعلى الرغم من سيطرة الإدارة الأمريكية على وسائل الإعلام والرأي العام، خاصة داخل حدودها، إلا أنها لا تحقق دائمًا الهدف المنشود، حيث تتزايد الأصوات المطالبة بإنهاء حصار كوبا، في مجالس الولايات ومنظمات المجتمع المدني، وتطالب -كذلك- باستبعاد هافانا من القائمة التعسفية للدول الراعية للإرهاب.
في الوقت نفسه، تسعى واشنطن لاختراق الجدار الداخلي في كوبا، بما تمتلكه الإدارة الأمريكية من أدوات دعائية واسعة، وقدرات تمويلية هائلة لحملات التشويه الشرسة ضد هافانا، عملا بالمثل العامي المصري: "العيار إللي ميصبش يدوش"!
في مداخلته خلال الجلسة الختامية للبرلمان الكوبي الأسبوع الماضي، حذر الرئيس دياز كانيل "من دعوة بعض أصحاب المواقف المتطرفة -ممن يفترض بأنهم في مواقع اليسار- لخصخصة كل شيء، وشيطنة أي عمل حكومي، وتغيير النظام".
قال دياز كانيل: "أعداء الثورة الكوبية يراهنون على تمزيق الوحدة الوطنية، والتعب من الثبات، والاعتقاد بأن طريق الاستسلام أسهل، الذين استسلموا للقوى العظمى فقدوا مصيرهم ورموزهم، لذلك، اخترنا الطريق الأصعب والأكثر كرامة".
الطريق الأصعب والأكثر كرامة، الذي ينتهجه الرفيق دياز كانيل، هو المسار، نفسه، الذي ارتضاه، وفجر ذكريات وخواطر، عايشتها على مدار 17 عامًا، مع قائدي الثورة الكوبية، فيدل وراؤول، ويتجرع الشعب –طوعًا وبمرارة- العلقم!
[email protected]