تزايدت معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة بشكل كبير ما جعل مصر تحتل المرتبة العشرين ضمن أعلى الدول التي بها معدلات طلاق حول العالم وفقًا للتقرير العالمي للسكان 2022، فبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2021 ارتفعت معدلات الطلاق بنسبة 14.7% مقارنة بعام 2020، وتصدرت حينها عناوين الأخبار أن هناك حالة طلاق تقع كل دقيقتين، والسؤال هنا لماذا زادت نسب الطلاق؟
موضوعات مقترحة
في البداية يقول حسين السيد صاحب الـ38 عامًا إن الأسباب التي أدت إلى طلاقه والانفصال عن زوجته كان أساسها الماديات وبيت العائلة، ويحكي أنه في بداية الزواج "كان هناك تقبل ووفاق بين زوجتي وأمي خصوصًا أنني الابن الأكبر ومع مرور الوقت بدأت تظهر بعض المشاكل وأبرزها مشادات كلامية بين أمي وزوجتي واستمرت في التطور وكنت في محاولات دائمة للصلح بينهما ولكن باء جميعها بالفشل، وأصبح شيئًا لا يحتمل ودائما هناك نكد وغم في المنزل حتى أصبحت الحياة مملة، كل ذلك بجانب مسئوليات الأولاد والمصاريف وطلباتها الشخصية التي لا تنتهي ومع العلم أن ظروفي المادية ليست بجيدة، كما أصبحت مهملة بالمنزل ونفسها، وقمت كثيرًا بالتحدث معها ولكن دون فائدة وكانت مُصرة على أن تأخذ منزلًا بعيدًا عن منزل العائلة ولكن ذلك كان خارج استطاعتي المادية لذلك طلبت الطلاق".
تقول عبير ربة منزل وأم للطفلين صاحبة الـ36 عامًا إنها انفصلت منذ ثلاث سنوات ولكن هذا الانفصال لم يكن قرارًا سهلا فقد أخذت 3 سنوات لكي تقنع أهلها بفكرة الطلاق، موضحة أن جيلها ليس مثل أجيال اليوم التي تقوم بالطلاق بعد شهر واثنين ويرجع ذلك لعدم تحملهم المسئولية سواء نساء أو رجال وهذه من أكثر أسباب زيادة معدلات الطلاق إلى جانب الفضائح وأسرار البيوت، فالأزواج اليوم لا يسترون بعضهم البعض على عكس أجيالنا التي كانت تتمتع بالحياء، ولذلك أرى أن نسب الطلاق ستستمر في التزايد بسبب أن الأجيال متفاوتة جدًا وأيضًا الحقوق التي يعطونها للمرأة اليوم ستكون أحد الأسباب الأساسية، مع العلم أنني لا أختلف مع تلك الحقوق ولكني أرى أنها ليست في صالح المجتمع، كما أن الماديات لها عامل كبير فالأزواج لم تعد تخطط للمستقبل وتشارك المسئوليات مع بعضهم البعض.
"النساء أكثر طلبًا للطلاق"
يقول ماهر وطني المحامي في قضايا الأحوال الشخصية، إن أسباب الطلاق في السابق كانت أسبابًا جسيمة، ولكن الآن تختلف تمامًا مع التقدم والتغيير المذهل في المجتمع ومن خلال عملي أرى أكثر نسب الطلاق بسبب الماديات، وذلك يرجع للظروف الاقتصادية التي تساعد على انتشار الفقر في المجتمع وعدم قدرة الزوج على الإنفاق التي تولد المشاكل إلى أن تصل إلى الطلاق، السبب الثاني المشاكل الجنسية فالشباب يعيشون مخيلات قبل الزواج وبعده تبدأ الكثير من المشاكل ويشتكي كثير من الرجال من نسائهم، ولكن النسبة الأكبر هي النساء، أيضًا ضعف شخصية الرجل وتحكم أهله به أو ضعف شخصية المرأة وسيطرة أهلها عليها أو الزواج في بيت عائلة، ومن أبرز الأسباب وسائل التواصل الاجتماعي فيكتشف الزوج أن زوجته على علاقة بشخص آخر كانت تحبه وتقوم بمراسلته والعكس، ولكن أغلب الحالات يكون الرجل اكتشف الخيانة؛ وذلك لأن في حالة اكتشاف المرأة للرجل تتم معالجة الأمور نوعًا ما.
ويضيف وطني أن نسب قضايا الطلاق في الماضي التي تأتي للمكتب 10% تقريبًا ولكن الآن زادت إلى أكثر من 40%، والنساء أكثر طلبًا للطلاق 99% من القضايا تأتي من النساء وذلك سببه أن العصمة مع الرجل فهو يملك القرار ويستطيع أن يطلقها غيابيًا ويتحمل جميع حقوقها الشرعية، أكثر قضايا الطلاق التي تأتي من الرجال يكون سببها الخيانة.
آراء أخصائيي النفس والاجتماع
بينما يرى الدكتور علاء الغندور استشاري العلاج النفسي السلوكي، أن هناك عدة أسباب لزيادة معدلات الطلاق من أهمها أن الشباب الذي يعتبر هو أكبر نسبة يقوم بالطلاق اليوم بمعدل حالة طلاق كل أربع دقائق يقبلون على الزواج وهم يتساءلون عن المكاسب في المقام الأول أي يعتبرون الزواج "business" تجارة ولكن دون تفكير كل طرف ماذا سيعطي للآخر، عدم اتخاذ برنامج التأهيل النفسي والفكري والسلوكي للمقبلين على الزواج لمعرفة ما هي مسئولية كل فرد في الزواج وواجباتهم وحقوقهم.
ويضيف: من أكثر الأسباب أيضًا التي تؤدي إلى الطلاق خصوصًا في السنوات الأولى من الزواج أن كل شخص في بداية الزواج أو الارتباط يظهر أجمل ما فيه ويخفي عيوبه وبعد شهر العسل تظهر العيوب فتبدأ الخلافات.
ويقترح الدكتور علاء بعض الحلول التي من وجهة نظره إذا طبقت ستحد من نسب الطلاق أولها أن يصدر مجلس النواب قانونًا لمنع عقد القران إلا بعد الحصول على برنامج للتأهيل النفسي والفكري والسلوكي، ثانيًا تأهيل الآباء والأمهات لتربية أولادهم وإعدادهم بطريقة سليمة، ثالثا إيقاف الدارما التي تحرض على الطلاق والفسق والزنى والمخدارت وكل الأخلاقيات المنحطة، رابعًا يجب على المتزوجين أن يحصلوا على كورس يساعدهم على إعادة حساباتهم وتقييم الحياة بينهم وإصلاح المشاكل والأخطاء وتعليمهم فن إدارة الأزمات خصوصًا المقبلين على الطلاق.
يقول الدكتور طه أبو الحسن أستاذ علم الاجتماع، إن ارتفاع نسب الطلاق في الآونة الأخيرة أساسها هو الارتكاز على أهداف غير الأهداف التي تبنى من أجلها الأسرة، ولأن المجتمع المصري أغفل أهمية التربية فيقوم الشخص بالتقدم للزواج بسبب إعجابه السطحي أي الشكلي بالطرف الآخر دون النظر إلى التربية أو الأخلاق أو الدين وأصبحت الحياة الزوجية ترتكز على أمور مادية وليست في صلب الحياة الاجتماعية فسرعان ما تنهار تلك العلاقة، وينصح الدكتور طه باختيار الشريك ذي الأخلاق الحميدة والقوي الذي يستطيع مواجهة الحياة بصلابة وشدة واحترام والابتعاد عن الأشياء المادية.
سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، تأخذنا إلى نقطة مهمة أخرى وترى أنها من أهم أسباب الطلاق في مجتمعنا اليوم، وهي عدم وجود مثل أعلى وقدوة يحتذى بها الشباب بل نعظم السارق والكاذب والبلطجي وهذه من أكبر الكوارث في مصر.
"وعاشرهن بالمعروف"
ويرى المأذون الشرعي محمود علي أن الحالة الاقتصادية هي أول أسباب الطلاق فأغلب الحالات يتزوجون بالقسط ودخل الزوج يتعثر بين الديون وفتح المنزل وبعد سنة أو اثنتين ينهدم المنزل بسبب عدم قدرة الزوج على الإنفاق.
ويقول الدكتور محمد هيكل أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية التربية جامعة 6 أكتوبر، إنه في الغالب هناك نزع ومحك للبركة في هذا الزمان فلم يعد هناك بركة مثل قديم الزمان وهناك أسباب كثيرة يمكن حصرها في النقط التالية..
أولا: عدم التوفيق في الاختيار فقديمًا كانوا يختارون بناء على ما جاء به الدين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) ولكن الآن أصبح الاختيار مبنيا على الماديات.
ثانيا: اختلاف البيئات بين الزوج والزوجة يؤدي أحيانًا إلى عدم صبر أحدهم على طباع وصفات الآخر، ثالثًا عدم الاحترام المتبادل بين الزوجين أيضًا سوء الظن يؤدي إلى المبالغة في الشك ويكون سببًا في اشتعال نار الغيرة فتحدث المشكلات. خامسا العقم أصبح أحد الأسباب التي كثرت في هذا الزمان، أيضا قد يصل الزوج والزوجة إلى خيبة أمل كبيرة بسبب سوء المعاملة أو كثرة الوعود دون تنفيذ فتشتد الخلافات.
وفي المقابل يقول الدكتور محمود إن هناك وصايا دينية وقواعد إذا اتبعها الزوج والزوجة ستستقيم الحياة والتخلي عنها سيخلق الكره والنفور الذي ينتهي بالطلاق، ومنها حسن المعاملة والمعاشرة بين الزوجين، والتفاهم.