أؤمن بأن كل شيء في الحياة يحتاج إلى ثقافة وفن، فهناك فن الكلام، فن توصيل المعلومة، فن الإقناع، وهي موهبة قد يتمتع بها البعض، فكم نحتاج اليوم إلى فهم أنفسنا ونعلم جيدًا كيف نتعامل مع أنفسنا قبل أن ندرس الناس ونتعلم كيفية التعامل معهم؟، فمن المهم أن نؤمن أيضًا أن شخصية الناس لا نستطيع الحكم عليها من خلال تعامل الآخرين معها، بل من المهم أن نبني آراءنا حول البعض من خلال تعاملنا نحن معهم وليس من خلال تعامل الآخرين معهم!
فمعظم الخلافات بين الناس نابعة من سوء الفهم وسوء الظن، وأدت التكنولوجيا إلى كثرة حدوث ذلك في ظل الرسائل الإلكترونية التي تخفي تعابير الوجه ونبرة الصوت، فالرد المتأخر وعدم الرد قاتل للبعض، فأصبحت العلاقات تنتهي قبل أن تبدأ!
فالجميع يمر بظروف أيا كان نوعها ولكن ليس على الطرف الآخر أن يُقدر تلك الظروف بدون أن يعلمها، فالبعض يتحجج بكلمة ظروف! وعلى الطرف الآخر أن يخُمن ماهية الظروف أو يقُدر بدون علم! فمن المهم أن يعيّ الجميع أن العلاقات تُبنى على الاحترام والتقدير وليس الحب، فقد ينتهي الحب ويظل التقدير والاحترام مُتبادل، فلا يهم أن كنت تُحب أحدهم أو تكرهه ولكن من المهم أن تعامله باحترام وتقدير.
هناك مقولة لتشارلز بوكوفسكي: "إن سألت عني مائة شخص ستجد أمامك مائة رأي، أنا لا أطرح شخصيتي مع الناس أنا أجاري عقولهم"، فالناس تحكم على بعضها البعض من خلال أهوائهم والمواقف والافعال التي يرونها منهم، لذا ستجد شخص واحد هناك أكثر من رأي عليه، فهناك من يراه مغرور لمجرد أنه في حاله ولا يتدخل في شئون أحد، وهناك من يراه طيب لنفس السبب، أي الصفة الواحدة في شخص قد يراها البعض ميزة وآخر يراها عيبا!.. فذكاء التعامل مع الآخرين؛ أن تعامل كل شخص بالطريقة التي تتناسب مع عقله وفكره وشخصيته، وهذا ما يُسمى فن التعامل مع الآخرين.
وسوف أعطي روشتة صغيرة لنفسي قبل الآخرين نظرًا لأن التعامل مع الآخرين أصبح يؤرق الكثير، وعندما أطلق مصطلح الآخرين أعيّ جميع العلاقات أيا كان نوعها، فبداية يجب أن تحدد نوع العلاقة التي تربطك بأي شخص هل هي علاقة عابرة أي علاقة يحكمها التعاملات مثل علاقة موظف بعميل فهذه العلاقة لا تحتاج فيها غير إتمام المعاملة فقط فليس بها إرهاق، أما إذا كانت علاقة صداقة أو عمل فهنا أولًا يجب أن يحكم العلاقة التقدير والاحترام بمفهوهما الواسع وليس الضيق ولا هناك استمرارية في العلاقة بدونهما، كما أن كل شخص لديه كتالوج مثل أي جهاز تقوم بشرائه، فأن كان الشخص يُعني لك الكثير لابد من قراءة كتالوجه قراءة جيدة حتى تستطيع فهمه وبالتالي تستطيع التعامل معه والاحتفاظ به.
فالعلاقات خُلقت للراحة، وإن لم تجلب الراحة فالبتر أفضل شيء، فتخلصوا من العلاقات المرهقة التي لا تجلب غير الضيق وتُنزع الراحة من صاحبها، فهناك نوع من العلاقات السامة التي تترك الشخص يُفكر كثيرُا طوال فترة العلاقة، كمن يَبعُد بدون سبب ويعود وقتما شاء، من لم تجده وقت الشدة ووقت الاحتياج، من يتركك وقت ضعفك ويعود وقت قوتك، الرد المتأخر وعدم الرد أيضًا بدون أن يكون هناك ظروف قاهرة منعته من الرد، فستجد نفسك أمام خيارين إما المعاملة بالمثل وسيجلب لك أيضًا ذلك المشقة، وإما إنهاء العلاقة وذلك لسلامك النفسي.