28-7-2023 | 18:37

لم يجد "أنطونيو جوتيريش" الأمين العام للأمم المتحدة، مناصًا من إلقاء كرة اللهب فى وجه الجميع، بعدما بات الوضع المناخي كارثيًا، حيث زف للعالم آخر الأنباء المزعجة والمقلقة بأن زمن الاحتباس الحرارى قد ولى وانتهى وبدأ عصر الغليان، الذى يعنى ببساطة متناهية الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، جراء التغير المناخي الناجم عن الأعمال البشرية.

صرخة جوتيريش المدوية لم تأت من فراغ، لكنها مدعومة بما نكابده ومعنا سكان كوكب الأرض من غليان حرارى، وحرائق تلتهم الغابات بأرجاء المعمورة، ودعوة مبكرة لكى لا يتقاعس العالم عن مواجهتها قبل فوات الأوان، مثلما تباطأ سابقًا في التعامل بالتوقيت المناسب مع ظاهرة الاحتباس الحرارى، التي ألحقت بالاقتصاد العالمي خسائر فادحة بلغت قيمتها نحو ١٦ تريليون دولار خلال الـ ٢١ عامًا الماضية، طبقا لتقديرات صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.  

عصر الغليان الذى دق جوتيريش ناقوس خطره سيجعل من الصعب على البشر تنفس الهواء الحار مع تدهور المناخ، وسيرافقه مزيد من الكوارث الطبيعية العصية على المعالجة، وهو ما سوف يسبب خسارة للاقتصاد العالمي قدرت بـ ١٧٨ تريليون دولار بحلول عام ٢٠٧٠.

هذه الخسائر ستكون لاحقة لتضرر قطاعات عديدة من التغيرات المناخية المريعة، منها على سبيل المثال السياحة التي تعد من المصادر الرئيسة للدخل القومى لدول كثيرة، وأقرب الأمثلة الدالة على ذلك في اليونان التي تعاني من الحرائق التالية لارتفاع درجات الحرارة، رغم أنها عينت قبل عامين مسئولا في حكومتها للتصدى للحرائق وتطويق آثارها الضارة.

كذلك سيتضرر قطاع البناء والتشييد الذى سيجبر على وقف أنشطته، لأن المنخرطين فيه يعملون في المناطق المفتوحة، ولن يتسنى لهم ذلك مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، وأيضا التصنيع، والنقل، والتأمين، والزراعة، ففي الولايات المتحدة تعد الذرة من أكبر محاصيلها الزراعية، ويخسر سنويًا ٧٢٠ مليون دولار، بسبب التغير المناخي، ويتوقع أن ترتفع خسارته إلى ١،٧ مليار دولار عام ٢٠٣٠.

هذا حال البلدان الغنية المتقدمة تكنولوجيا وعلميًا، فما بالنا بالمستضعفين في الأرض من الدول الفقيرة التي تجاهد لتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين المستويات المعيشية لمواطنيها، وليس في مقدورها تحمل التكاليف الباهظة للنجاة في عصر الغليان، وهل سندخل ثانية في متاهة الكبار الذين ظلوا لسنوات يتجادلون حول مسئوليتها عن نسب الانبعاثات للغازات الملوثة للبيئة، بسبب أنشطتها الاقتصادية والصناعية، وهو ما أدى لتفاقم المشكلة، وإهدار أعوام في هذا الجدل العقيم العبثي، ولا نزال داخل هذه الدائرة المفرغة حتى الآن.

ولم يكتف الكبار بذلك، بل إنهم ماطلوا، ولا يزالون، لدفع نصيبهم الواجب من الأموال اللازمة للحد من التداعيات الكارثية للتغيرات المناخية، ولم يكترثوا كما ينبغي بالمناشدات والنداءات الموجهة إليهم للإسراع بدفعها من قبل الجهات والمؤسسات المعنية بهذا الموضوع المصيري.

لكن عليهم الانتباه إلى أن الأمر يخرج عن نطاق السيطرة، والطبيعة وحش كاسر لا يسهل ترويضه وتطويعه، وأن التلكؤ سيرتب عليه سقوط ضحايا كثر من البشر، والمقدرات الاقتصادية، ورفاهية العيش، ومصادر الدخل الأساسية، ولن ينجو منها أحد بمفرده، مهما حاول وسعى، فرقعة المخاطر واسعة ومترامية، ولابد من مواجهتها جماعيًا.

إذن أين يقع المخرج من هذه الدوامة العنيفة؟

لا سبيل للإنفاذ سوى تسريع جهود مكافحة الاحترار، فغالبية الدراسات المتخصصة تشير نتائجها إلى أن درجات الحرارة سترتفع ما بين ٢،٤ و٢،٦ درجة مئوية بنهاية القرن الحالي، وهو ما سيترجم في صورة تغيرات جذرية ومفصلية في حياة البشرية، وفي الهياكل الاقتصادية، ناهيك عما سيحدث من كوارث لا قبل لنا بها، ولا ندري حجمها وتأثيراتها الآنية والمستقبلية، فنحن أمام سيناريو حياة أو موت، وليس هناك استثناءات، فالكل يقف جنبا إلى جنب في قارب واحد.

إن حدثت المعجزة وبادر قادة العالم للتحرك على مسار مكافحة الاحترار فماذا سيحصدون؟

أهم ما سيحصدونه إضافة ٤٣ تريليون دولار للاقتصاد العالمي على مدار العقود الخمسة المقبلة، وخفض درجات الحرارة بمتوسط ١،٥ درجة مئوية سيوفر ١٢٢ مليون وظيفة متعلقة بالطاقة بقدوم ٢٠٢٥، ومع هذين الميزتين سنهنأ براحة البال في ظل درجات حرارة عادية، وأجواء ملائمة وطبيعية للعمل وللنشاط الحياتي والاقتصادي، والتخفيف من الأحمال المتزايدة الملقاة على عاتق محطات توليد الكهرباء التي تئن من زيادة الاستهلاك.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة