على مدار أكثر من عشرين عاما مضت تغيرت نظرة العالم كثيرا تجاه القارة الإفريقية، بل إن سلسلة من الصراعات والتنافس الشديد انطلقت نحو القارة بأهداف متباينة بعضها "حق يراد به باطل" بمعنى سعي بعض القوى الكبرى للتواجد في عدد من دول القارة للبحث عن مصالحها فقط دون النظر لاحتياجات شعوب تلك الدول، سواء كان هذا التواجد عسكريًا - مثلما يحدث في منطقة خليج عدن، وسواء ما يشهده الساحل الصومالي أو الموانئ في جيبوتي أو في منطقة الساحل والصحراء، بالإضافة إلى الغزو الاقتصادي والثقافي الذي شهدته معظم الدول الإفريقية خلال السنوات الماضية، بل إن بعض الدول وقعت ضحية الصراع بين القوى الكبرى للتواجد بالقارة؛ سواء من قبل الولايات المتحدة أو الصين أو الهند أو روسيا.
وفي هذا السياق وهذا التنافس العالمي العنيف للتواجد في القارة السمراء والبحث عن موطئ قدم بها تستضيف مدينة سان بطرسبورج الروسية بعد غدٍ فعاليات القمة الثانية "روسيا – إفريقيا" والمنتدى الاقتصادي الإنساني روسيا – إفريقيا، وهي القمة التي تنطلق وسط ظروف دولية معقدة ومتشابكة للغاية بسبب أحداث وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وما أحدثته من تأثير سلبي كبير على الاقتصاد العالمي خاصة ما يتعلق بأزمة الغذاء العالمية والقرار الروسي الأخير بوقف ما يسمى "صفقة الحبوب" وتأثير ذلك على الدول الإفريقية بشكل مباشر إلى جانب الضغوط الدولية على روسيا وأيضا ممارسة واشنطن وبعض الدول الأوروبية ضغوطا متعددة على عدد من دول القارة السمراء بسبب علاقاتها مع روسيا.
وبالتالي فإن تلك القمة والتي قامت موسكو خلال الأشهر الأخيرة بالإعداد لها بصورة جيدة تمثلت في الجولات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الروسي المخضرم سيرجي لافروف لعدد من دول القارة، وأيضا زيارات وليغ أوزيروف، سفير المهام الخاصة في وزارة الخارجية الروسية ورئيس أمانة منتدى الشراكة الروسية – الإفريقية للكثير من الدول الإفريقية، ومن بينها مصر؛ ساهمت بشكل كبير في التمهيد الجيد للمشاورات والمناقشات التي سوف تتم داخل أروقة المنتدي وإعداد أجندة عمل متميزة للقمة خاصة فيما يتعلق بمراجعة نتائج القمة الروسية – الإفريقية الأولى والتي عقدت في مدينة سوتشي – أكتوبر ٢٠١٩ – في ظل تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغبته في دعم وتعزيز علاقات التعاون الإستراتيجية بين الجانبين في كافة المجالات والبناء على مخرجات القمة الأولي وتحقيق الاستفادة القصوى من منتدى الشراكة بين روسيا وإفريقيا بما يخدم شعوب الجانبين.
والمؤكد أن القمة سوف تبحث سبل دعم علاقات التعاون الاقتصادية خاصة في ظل المنافسة الكبيرة بين روسيا وأمريكا والصين والهند على التواجد في الأسواق الإفريقية وضخ المزيد من الاستثمارات الروسية في البلدان الإفريقية في مجالات مختلفة خاصة مجال الاستكشاف الجيولوجي والوقود والطاقة بما في ذلك الطاقة النووية والصناعات الكيميائية وهندسة التعدين والنقل والزراعة والثروة السمكية وذلك بهدف زيادة حجم التبادل التجاري بين الجانبين والذي بلغ ١٨ مليار دولار فقط العام الماضي وهو رقم لا يتناسب مع حجم العلاقات التاريخية والفرص الاستثمارية المتاحة في دول القارة السمراء والأسواق الروسية أيضا.
وعلي الرغم من الحصار الدولي الذي تقوده واشنطن على روسيا إلا أن هناك الكثير من الإشارات الإيجابية من قبل العديد من الدول الإفريقية والتي تعكس رغبة قوية في المشاركة الفعالة في القمة والتي سوف يمثل نجاحها انتصارا حقيقيا للدبلوماسية الروسية في مواجهة واشنطن والغرب معا.
[email protected]