النظام الدولى الراهن يسبح فى مستنقع الحرب الهجينة، وهى نوع من الحروب الخطيرة، قديمة جدا، راجت أيام الحرب الباردة بين السوفيت والأمريكان، ونجحت فى إسقاط السوفيت بالضربة القاضية.
فى السنوات الأخيرة صارت هى الأساس فى بنيان النظام الدولى، تستخدم فيها أدوات خشنة وناعمة، ثورات وحروب صغيرة، تستخدم الذكاء الاصطناعى ومواقع التواصل الاجتماعى، والتكنولوجيا، ووسائل الإعلام، تنشط فيها الشائعات، وتشتد فيها العمليات الإرهابية، وتكثر فيها الذئاب المنفردة.
استخدمها دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكى الأسبق فى العراق بكرم مميت، وكان قد نصح بتصغير الجيوش، وتكبير الشركات الأمنية، تلك المسلحة تسليحا خفيفا، ونجح فى مسعاه بغزو العراق 2003، وكانت استفادته واضحة من الحرب الهجينة فى أفغانستان، حين تم استخدام جماعات إرهابية فى تقويض الوجود السوفيتى فى أفغانستان، قبل أن تنقلب عليهم فى 11 سبتمبر 2001، وبقية القصة معروفة.
الحرب الهجينة ظهرت بكثافة بعد غزو العراق بعامين، ففى عام 2005، حدد فرانك هوفمان عضو الكونجرس الأمريكى هذا المصطلح، ورأى أن بلاده ستواجه هذه الحرب وعليها أن تكون مستعدة، وطالبها بالانتصار، وهى تملك المبنى والمعنى، بالطبع كان يعرف أن بلاده وروسيا هما الوحيدتان اللتان تبرعان فى مثل هذا النوع من الحروب.
يقال إن حرب روسيا وأوكرانيا من النوع الهجين، وإن حرب تموز فى لبنان 2006 كانت من هذا النوع أيضا، فقد تم استخدام وسائل الإعلام والاختراقات الإلكترونية، والضربات السبرانية فى ذلك الوقت بضراوة، وكذلك الشائعات والتأثير على أدمغة الخصوم.
جاء الذكاء الاصطناعى ليكون خطرا جديدا، فهو يستطيع اختراق تحصينات الخصوم العسكرية والفكرية ومؤسسات المال، والبنوك، والتأثير فى الرأى العام من خلال التزييف والقصص الوهمية، ويستطيع أن يتحول إلى أداة قتالية من خلال الروبوتات المسلحة.
هذه هى الصورة، صورة نظام يقوم على أنقاض حرب هجينة، تلعب فيها وسائل الإعلام غير الرسمية، والفردية، دور العراب إلى الفوضى.
إن أى مجتمع لا يستطيع النجاة من هذه الحرب، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، مخترعة المصطلح، ولا أوروبا التى قادت العالم لقرون خمسة، ولا روسيا النووية، فما بالنا بالدول الأصغر، وهى لا تملك سدودا ولا صدودا، لهذه الآفة المسماة بالحرب الهجينة.
شكا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون من مواقع التواصل الاجتماعى، وشكت حكومته، واتخذت قرارات، وكذلك شكا الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، من تحيز هذه الوسائل الفتاكة ضده لصالح الديمقراطيين.
فى هذا السياق الهجين، جاء انسحاب روسيا من اتفاقية البحر الأسود للحبوب، وهو انسحاب يأتى ضمن هذا التصور الهجين، تماما مثل تدمير خط الغاز الروسى “السيل الشمالى” أو الهجوم على جسر القرم، ومحاولة اغتيال الصحفيين والإعلاميين والمفكرين الروس، كذلك تلك الحرب التى تجرى حولنا فى السودان وليبيا وسوريا، ومن قبل فى العراق واليمن، كلها حروب هجينة، تبدأ من الأسلحة الخشنة، وصولا إلى الناعمة.
أخطر ما ترتكبه هذه الحرب الهجينة، هو الاستباحة لمقدرات الناس، وتدمير بنية المجتمعات، وتقويض الدول، وتحويل الشعوب إلى أضاحى على مذبح العملات المالية، والعبث بالمناخ، ومحاولة استرجاع المستعمرات القديمة، وتنميط البشر بنمط واحد، وقياس موحد كشرائح الموبايل، وكأنها بضاعة هجينة معروضة فى الأسواق للبيع، فلا تشتروها، إنها حقا خطيرة.