يقول الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين "يمكن للكذبة أن تسافر نصف العالم.. بينما الحقيقة مازالت تلبس حذاءها"، وعلى الرغم مما تبدو عليه الجملة من تهكم وسخرية، بيد أنها سخرية مريرة وواقع يمكن تلمسه بصورة أكبر عبر متابعة ممارسة مستخدمي التكنولوجيا في الاتصال والتواصل وغيرها، فبرغم كثير من الجوانب الإيجابية لمواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية في عصر الرقمنة واختصار المسافات والزمن معًا، والثورة التي أحدثتها التكنولوجيا في تسهيل وسرعة تبادل المعلومات وتيسير التواصل بين المجتمعات المتفرقة، فإن هذا الجانب الذي يبدو إيجابيا من تلك الوسائل ليس الجانب الوحيد فقط، لكنها ـ مما يؤسف له ـ تمثل سلاحًا ذا حدين أحدهما إيجابي فيما أشير إليه، والآخر يبلغ مدى بعيدًا من السلبية بل والخطورة على الأوطان والأبدان، ويهدد المجتمعات بالفرقة والشقاق، والدول بالاضطراب عبر بث الأكاذيب والشائعات المغرضة، والأخبار الزائفة التي قد تنال من الجميع دون استثناء أشخاصًا من عامة الناس أو حتى اعتباريين كالساسة والفنانين والأدباء والرياضيين ورجال المال والأعمال، وذلك عبر هجومٍ عشوائي غير منظم، ولكن ينقاد معه الكثيرون مما لا وعي لديهم بمسألة التحقق والتفريق وكشف كل ما هو زائف، وكذلك عبر هجوم منظم ومرتب في إطار حملات، لا تظهر على السطح بقدر ما يبدو منها آلية عملها، خصوصًا إذا اتضح هذا التكثيف تجاه شخص ما أو موقع ما عبر ما يسمى باللجان، والتي غالبا ما تكون مأجورة لهذا الهدف الدنيء، فبمجرد أن تتسرب الأخبار الزائفة إلى العالم الرقمي تنمو بسرعة البرق، وتتسبب في تأثيرات سلبية هائلة، حيث تصبح الشخصيات الوطنية ممن يقفون غالبًا في الضوء أهدافًا سهلة للإدعاءات غير المؤكدة والقصص المختلقة، والتي تصبح مادة ثرية للتداول على مواقع التواصل الاجتماعي دون النظر لتدقيق المعلومة أو ما ستسببه تلك المعلومة من أضرار نفسية واجتماعية لهؤلاء الأشخاص، إذ أدى هذا الانتشار غير المقيد للمعلومات إلى نشر الكثير من الادعاءات المغلوطة تجاه العديد من الشخصيات العامة والوطنية المعروفة.
وفي الآونة الأخيرة تشتعل مثل هذه السلوكيات والتوجهات عبر منصات التواصل الاجتماعي في هجوم بدا منظمًا ومرتبًا له نحو أشخاصٍ بعينهم، بنشر الأخبار والصور التي تؤثر وبشكل مباشر عليهم ومن ثم على الدولة، خاصة إذا كان هناك تعاون بنّاء سوف يجني الوطن والمجتمع كله من ورائه فوائد جمة، وهذا ما يحدث الآن مع بعض رجال الأعمال الذين قرروا أن يسهموا بإمكاناتهم في التعاون مع الدولة بدور أساسي ومحوري على المستوى الاقتصادى والاجتماعى والسياسى، في إثراء الحياة الاقتصادية بالعديد من المشروعات الناجحة، فضلا عن الوقوف كحائط صد أمام الأزمات ببسط أعمال الخير على مدى كبير للمساهمة في دعم أفراد المجتمع عبر توفير فرص العمل وإنشاء الكيانات الخيرية وتسخير رأسمالها في مساعدة الدولة وفي التنمية الاجتماعية عبر مشروعات التنمية المختلفة، ولكن لأن هناك من يسعى دائمًا لاستهداف الوطن بأي صورة نرى مثل تلك الممارسات التي تستغل عصر الرقمنة للإضرار بسمعة هؤلاء الوطنيين، ومن ثم سمعة البلد بشكل عام، سعيًا لإيجاد حالة من البلبلة بين المواطنين والعمل على إحساسهم بعدم الثقة في أي منجز.
ومن هنا يجب علينا أن نتحمل جميعا المسئولية ونواجه مثل هذه الظاهرة المقيتة بعدم الانسياق وراءها، بل نسعى في مكافحة انتشار الشائعات والأخبار الزائفة، فمثل هذه الأخبار إذا لم تجد تلك من يتداولها، لن يكون لها تأثير يُذكر لأنها ببساطة سوف تتوقف عند صاحبها، وقبل أن ننقر على أمر "المشاركة" للحالة أو الخبر الذي كثيرًا ما يكون منفذا بصيغة الفوتوشوب عبر صورة وكتابة فوقها مع أحد اللوجهات وجميعها وسائل لا تبرر منح هذه الأخبار مصداقية في حين أنها تجافي العقل والمنطق وهو ما يتضح بعد حين، ويجب علينا أن نتروى ونمنح أنفسنا فرصة للتفكير وتقييم المعلومات المقدمة، والتحقق من المصدر، حتى لا نتورط بدافع الوطنية في هدم أوطاننا.