في استفزاز جديد متعمد لمشاعر المسلمين في العالم، أقدم ملحد بدهس وحرق نسخة من القرآن الكريم، أمام السفارة العراقية بالعاصمة السويدية ستوكهولوم، وذلك للمرة الثانية، بعد أن قام بحرق المصحف الشريف في صباح أول أيام عيد الأضحى المبارك أمام المسجد الكبير بستوكهولم أثناء صلاة العيد، في تكرار مشين واستفزازي لمشاعر المسلمين، الأمر الذي تسبب في موجة واسعة من الغضب بين المسلمين والاحتجاج على مثل تلك الأفعال المشينة والمعادية للإسلام، وتنتهك حقوق الإنسان وأيضا الأديان السماوية.
موضوعات مقترحة
ولم تكن وقائع حرق المصحف الشريف بالسويد وبعض الدول الغربية هي الأولى من نوعها لحملات استفزاز المسلمين، فهناك الكثير من الوقائع الأخرى المتطرفة والتي تضمنت عنصرية وعنفا ضد المسلمين وتشجع على ازدراء الأديان، فعلى مدار السنوات الأخيرة شهدنا عمليات عديدة لحرق المصحف، قام بها متطرفون خاصة في السويد والدنمارك وسط سماح من السلطات السويدية تحت شعار "حرية التعبير" الزائفة.
إدانات عربية ودولية لجريمة حرق المصحف
وأدانت مصر بأشد العبارات، في بيان صادر عن وزارة الخارجية، سماح السلطات السويدية لأحد المتطرفين بتكرار التعدي على القرآن الكريم وتمزيقه بالسويد، في تحد سافر يتجاوز حدود حرية التعبير ويستفز مشاعر ملايين المسلمين حول العالم، وينتهك مقدساتهم، معربة عن بالغ قلقها إزاء تكرار حوادث ازدراء الأديان وتفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا وتعالى خطاب الكراهية في العديد من الدول، بما ينذر بتداعيات بالغة ومؤثرة على أمن واستقرار المجتمعات والتمتع بحقوق الإنسان.
وأكدت مصر ضرورة أن تضطلع الدول بمسئولياتها في التصدي لهذه الجرائم ومنع تكرارها ومحاسبة مرتكبيها، وأهمية احترام الدول لالتزاماتها الدولية لتعزيز التعايش السلمي والتناغم الاجتماعي ونشر ثقافة التسامح وتقبل الآخر.
حرية التعبير الزائفة
وأعرب الأزهر الشريف، عن استنكاره الشديد لما تمارسه السلطات السويدية من استفزازات متكررة في حق مقدساتنا الإسلامية تحت شعار "حرية التعبير" الزائف، مشددا على أن ما تقوم به السلطات السويدية من مواصلة منح موافقات لحرق كتاب الله عز وجل، ليعكس سياسات فوضوية، وتطرفا بغيضا، ودعما للإرهاب، ومعاداة للمسلمين في ربوع الأرض.
وشدد الأزهر الشريف، على أن السماح لهؤلاء الإرهابيين المجرمين بحرق المصحف يمثل جريمة بحق الإسلام وحق الأديان والإنسانية، ووصمة عار على جبين هذه المجتمعات، التي أثبتت بممارساتها أنها أقرب الشعوب إلى العنصرية والفوضى وازدواجية المعايير وأبعدها عن الحرية الحقيقية واحترام الأديان والشعوب.
كما أدانت رابطة العالم الإسلامي بأشد العبارات جريمة تدنيس نسخة من القرآن الكريم التي ارتكبها متطرف في العاصمة السويدية ستوكهولم، في تكرار مشين واستفزازي لمشاعر المسلمين، محذرة من أخطار الممارسات المحفزة للكراهية، وإثارة المشاعر الدينية التي لا تخدم سوى أجندات التطرف.
هل الإدانات كافية لوقف جرائم الاعتداء على القرآن الكريم؟
ولكن يبقى السؤال هنا، هل الإدانات والبيانات كافية لوقف جرائم الاعتداء على القرآن الكريم، لأنه على الرغم من إدانة الدول العربية والإسلامية تلك الجرائم المتكررة، واستنكار المجتمع الدولي وصدور قرار مجلس حقوق الإنسان الذي يدين أعمال الكراهية الدينية، إلا أن تلك الحوادث تتكرر بشكل استفزازي، وسط عدم اتخاذ السلطات هناك ما من شأنه أن يوقف هذه الممارسات التي تعبر عن الكراهية والتمييز الديني.
ولا يوجد قانون في السويد يحظر على وجه التحديد حرق أو تدنيس القرآن أو النصوص الدينية الأخرى، مثل العديد من الدول الغربية، السويد ليس لديها أي قوانين ازدراء أديان، ولم يكن الأمر كذلك دائماً.. في أواخر القرن التاسع عشر، كان ازدراء الأديان، أو التجديف، جريمةً خطيرة في السويد يُعاقَب عليها بالإعدام. لكن قوانين التجديف خُفِّفَت تدريجياً مع تنامي العلمانية في السويد. وأُلغِيَ آخر قانون من هذا القبيل في عام 1970.
وطالبت العديد من الدول الإسلامية الحكومة السويدية بمنع المتظاهرين من حرق المصحف، لكن السويد ترى أن “حرية التعبير” محمية بموجب الدستور وإن الشرطة تحتاج إلى ذكر أسباب محددة لرفض تصريح لمظاهرة أو تجمع عام، مثل المخاطر على السلامة العامة.
كيفية مواجهة وقائع حرق المصحف
وتكرار واقعة حرق المصحف الشريف بدول أوروبية وآخرها كانت في السويد، بحسب عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أسماء الجمال، التي أكدت أن تكرار مثل هذه الأحداث يؤجج مشاعر المسلمين ويصنع حالة من الاستفزاز ويصل لمرحلة التحريض على الكراهية والعنف، ويهدد قيم التعايش السلمي، لأنها حملات ممنهجة لتكرار استهداف المسلمين في العالم.
وطالبت عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، بضرورة تحرك أممي من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، لمواجهة مثل هذه الوقائع التي تضر ولا تفيد وتبث خطاب الكراهية ولا تدخل في إطار حرية الرأي والتعبير، وتحمل مسؤولياته لنبذ الكراهية والتمييز والتحريض والعنف، واقترحت أن يصدر المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة تقريرا عن وقائع حرق المصحف الشريف، ويدعو الدول التي وقعت على أرضها مثل هذه الأحداث، مراجعة قوانينها لمنعها وملاحقة مرتكبيها.
كما ناشدت جموع الدول الأوروبية التي وقعت فيها وقائع حرق المصحف الشريف، العمل على ترسيخ قيم التسامح والتعايش بين الأديان والحضارات بين مواطنيها، ورفض جميع أشكال خطابات الكراهية المبني على المعتقد أو العرق أو الدين، والزج بالمقدسات في الخلافات السياسية ، مؤكدة أن هذه الأعمال تحريضية ضد المسلمين والديانات الأخرى ومسيئة وغير مسئولية.
الأزهر يدعو لمقاطعة المنتجات السويدية
وجدد الأزهر دعوته لجميع الشعوب العربية والإسلامية إلى الاستمرار في مقاطعة كل المنتجات السويدية؛ نصرةً لله وكتابه الكريم، وأن ينضم لهذه الدعوة كلُّ أحرار العالم، واتخاذ مواقف موحَّدة وجادَّة تجاه سياسات السويد الهمجية والمعادية للإسلام والمسلمين، التي لا تحترم مقدسات الأديان، ولا تفهم إلا لغة المال والمصالح المادية.
وحذر الدكتور طارق فهمي الأكاديمي المصري المتخصص بالشأن الدولي، من تأثيرات مباشرة لتداعيات حرق المصحف، مؤكدة أن الحادث ربما يوفر بيئة خصبة لتزايد نشاط الإرهابيين ليس في الشرق الأوسط، لكن في أقاليم متعددة في العالم، وسيعطي ذريعة لزيادة نشاط الذئاب المنفردة في الداخل السويدي وأوروبا، خاصة مع تكرار وقائع إظهار العداء للدين الإسلامي، وسيكون هناك تأثيرات تتعلق بالمشهد السياسي والأمني والإستراتيجي الأوروبي، وتمدد لعناصر الإرهاب إلى أوروبا.
ومن بين التداعيات، ما ستشهده العلاقات بين السويد من جهة، والدول العربية والإسلامية من جهة أخرى من توتر واحتقان"، على خلفية سماح الحكومة السويدية بتكرار وقائع حرق المصحف، ودعا أستاذ العلوم السياسية الغرب وتحديدا دولة السويد إلى التحلي بالمسؤولية تجاه ما جرى، ومراجعة وإعادة نظر في بعض قوانينها، لأن ما جرى ستكون له تبعاته على كل المستويات.
وشدد المتخصص بالشأن الدولي، على ضرورة الدعوة لعقد اجتماع عاجل في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، لمناقشة هذا الملف بكل تداعياته وتأثيراته في الفترة الراهنة منعا لتكرار هذا العمل، ومطلوب التأكيد على رفض ما جرى، وأنه لا علاقة له بحرية الرأي والتعبير، وأن ما جرى هو تبجح وإهانة للمقدسات الإسلامية وللدين الإسلامي الذي يدعو للتقارب بين الأديان وعدم التمييز.
وترتبط جريمة حرق المصحف بضرورة تعامل الأزهر والعالم العربي والإسلامي ومنظمة المؤتمر في نقل الرسالة لهذا البلد بأن هذا التجاوز غير مسموح في حق الدين الإسلامي، ولا يمكن أن يقبله أحد، بحسب الدكتور طارق فهمي.
أفعال طفولية
"أفعال صبيانية وطفولية عبسية"، هكذا وصف الدكتور أحمد كريمة الوقائع المتطرفة التي تحدث ضد الدين الإسلامي، مؤكدا أنه يجب إهمال هذه الأفعال الطفولية ولا نلتفت إليها لأننا حكماء عقلاء وذهننا راسخ لا تهزه كلمة ولا تنال منه رسمة، مستشهدا بقول الله تعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا".
ويشدد أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، على أنه من قديم الزمن، الحق يجابه بالباطل، فقال الله تعالى "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا"، وقد حكا الله تعالى في القرءان الكريم عن الأباطيل أعداء الإسلام الذين تطالوا على القرآن نفسه وعلى الله ذاته وعلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآله بيته وأصحابه، ولكن تذهب أقوال المعادين وبقى وسيبقى الإسلام عزيزا.
ونصح "كريمة" المسلمين من خلال "بوابة الأهرام"، بعدم الانسياق وراء عواطف تدفع لأفعال غوئائية، لأن ديننا أعز وأثمن من ذلك الأمور الطفولية، والتي تعتبر فوقعات لا قيمة ولا وزن لها، وتذهب وتنسى مع مرور الوقت ولا يتأثر الإسلام بهذه السخافات، فهو عمل وضيع وغير مقبول على الإطلاق ولا يمكن تبريره.