كل التقارير والأبحاث التي قامت بها المنظمات الدولية المعنية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ووكالة ناسا والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تؤكد وتحذر أن الأسوأ في تغيرات المناخ لم يأت بعد، وأن العالم مقبل على أيام وشهور وسنوات أشد قسوة في الحر وأشرس ضراوة في التقلبات المناخية التي ستحرك الفيضانات الجارفة والحرائق المدمرة، بل ذهب عدد كبير من العلماء أن هذا التطور المخيف في المناخ والذي وصفته وكالة ناسا بأنه الأشد حرارة منذ آلاف السنوات إلى أنه سوف يتسبب في أزمة غذائية عالمية حيث سيحدث موت صامت للحياة داخل البحار والمحيطات بسبب الحر الشديد وفساد المحاصيل الزراعية نتيجة احترار الأرض بمعدلات غير طبيعية، وجفاف الأنهار، وأن وصول الأمر إلى هذا الحد سيتعذر معه إدارة هذا الخطر إذ ربما ينتج عنه انتشار للأوبئة والقلاقل مع نقص الموارد الغذائية والمائية وهي حالة ربما تكون أكبر من قدرة الكثير من الدول على إدارتها والحد من تداعياتها.
كل هذه المخاطر تهدد البشرية بينما العالم يمضي في طريق تدمير البيئة وخصوصا الدول المتقدمة غير عابئة بما سيحدث وكأنها ستكون في مأمن من خطر المناخ الذي صنعته وكانت سببا فيما وصل إليه المناخ من تدهور، ورفضها الاستجابة لنداءات خفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري والتكيف مع التغيرات المناخية بعد أن تسببت في ارتفاع درجات حرارة الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، بعد أكثر من قرن من حرق الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز، واستخدام الطاقة والأراضي بشكل غير متكافئ أو مستدام.
وللخروج من هذه الأزمة ونزع فتيل قنبلة المناخ فإن الأمر - كما قال العلماء - لا يحتاج سوى تحرك دولي مسئول للحد من الانبعاثات الكربونية والإبقاء على درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. والحل أيضا اقترحته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ونشر في تقرير دولي صادر قبل أسابيع عن الأمم المتحدة بعنوان "التنمية المقاومة للمناخ" ويتضمن دمج تدابير التكيف مع تغير المناخ مع إجراءات تقليل أو تجنب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بطرق توفر فوائد أوسع.
وتشمل الأمثلة على ذلك توفير الطاقة النظيفة، والكهرباء منخفضة الكربون، وتعزيز النقل المنعدم والمنخفض الكربون، وتحسين جودة الهواء.وكشف التقرير أن قيمة الفوائد الاقتصادية التي ستعود على صحة الناس بسبب تحسين جودة الهواء ستعادل أو تفوق التكلفة التي ستُدفع في سبيل تقليل أو تجنب الانبعاثات.
والمؤكد أن هذه الأهداف لن تتحقق إلا بوجود تمويل كاف وهو ما طالبت به قمة المناخ التي عقدت العام الماضي بشرم الشيخ واقترحت إنشاء صندوق الأضرار والخسائر لتمويل مشرعات العمل المناخي في الدول المتضررة كآلية للحد من انبعاثات الكربون إلا أن هذا الصندوق لم ير النور حتى اليوم ولا أعتقد في ظل عدم تحمس الدول الكبرى التي أبدت تحفظا على مسألة دفع هذه التعويضات خشية أن يتم مقاضاتها في المستقبل عن الأضرار المناخية باعتبارها مسئولا عن هذه الانبعاثات، واعتبرت أن دفعها لهذه التعويضات يمثل اعترافا رسميا بالمسئولية عن الأضرار التي يمكن أن تضعها محل اتهام .علاوة على ذلك فإن الأمم المتحدة قدرت تكلفة الخروج من مأزق المناخ بما يزيد على 3 تريليونات دولار بينما لم تف الدول المتقدمة بتعهداتها بجمع 100 مليار دولار أقرتها قمة باريس للمناخ منذ عام 2015 حتى اليوم ..فكيف يتسنى للعالم تحقيق هدف نزع فتيل القنبلة المناخية بينما أصحاب الأموال والمتسببون في الأزمة متخاذلون ؟!!
المؤكد أن هناك خطرا داهما يتربص بالعالم أجمع نتيجة التغير المناخي ، وأن الوقت لم يعد في صالح البشرية والرهان أصبح في تحرك عاجل وجماعي ومن جميع الدول وفي توقيت متزامن لوقف جنوح المناخ وهنا اقتبس عنوان الفيلم الأمريكي الشهير الحائز على جائزة الأوسكار هذا العام "كل شيء، كل مكان، في الوقت ذاته" "Everything، everywhere، all at once" .. هكذا يكون الخروج من أزمة المناخ وتفادي حريق الأرض الذي حملت نذره تقارير الأرصاد الجوية في درجات قياسية ولم يعد أحد في الكون في مأمن من خطر الاحتراق والموت.
[email protected]