التعليم بين التمييز والتنمية (4)

20-7-2023 | 15:22
الأهرام المسائي نقلاً عن

تناولنا فى سلسلة المقالات الثلاثة السابقة أهمية التعليم فى الرقى بالوضع الإنسانى ومن ثم تحقيق التنمية، وضرورة مشاركة كل من الرجال والنساء بهدف تحقيق الأهداف المجتمعية التنموية، مع أهمية تقديم الدعم المؤسسى اللازم لمساندة مشاركة المرأة إذا ما كانت هى الطرف الذى يحتاج إلى آليات داعمة ومساندة لزيادة مشاركتها، وألقينا الضوء على دور هيئة الأمم المتحدة للمرأة باعتبارها واحدة من أهم المؤسسات الدولية الداعمة لمشاركة المرأة، وما يرتبط به عملها من تمكين للمرأة فى مجـالات التعلـيم والتـدريب والعلـم والتكنولوجيا، ويأتى هذا المقال ليوضح أهمية المشاركات الدولية المساندة لتحقيق تكافؤ الفرص فى المشروعات التعليمية والتدريبية.

وفى ضوء ذلك ناقشت فى كتابى الأخير "العبور الآمن للتغيير المؤسسي" أن المؤسسات الدولية تهتم بقضايا المرأة وتدرجها فى مشروعاتها المختلفة بهدف تحقيق التنمية بكل أوجهها، سواء التنمية الاجتماعية أو الاقتصادية، لتحتل قضية تكافؤ الفرص فى التعليم أحد أهم تلك القضايا، إذ تهتم المؤسسات الدوليةبأن تكون مشاريعها التعليمية والتدريبية مراعية لاعتبارات النوع الاجتماعي، لتستهدف التكافؤ فى الحصول على الفرص المختلفة، وفى ذلك الإطار تعمل من خلال مشروعاتها المختلفة على التغلب على الحواجز التى تمنع الفتيات والفتيان من الاستفادة على قدم المساواة من استثمارات البلدان فى التعليم والتدريب.

وإذا ما نظرنا إلى مراحل التغيير المؤسسى المطلوب تحقيقها لتوفير فرص تعليمية وتدريبية متكافئة، فإن الأمر سيتجاوز مجرد إلتحاق الفتيات بالمدرسة. وسيمتد إلى أهمية ضمان أن الفتيات يتعلمن ويشعرن بالأمان أثناء وجودهن فى المدرسة؛ وكذلك إتاحة الفرصة لإكمال جميع مستويات التعليم، واكتساب المعرفة والمهارات للمنافسة فى سوق العمل؛ واكتساب المهارات الاجتماعية والعاطفية والحياتية اللازمة للتنقل والتكيف مع عالم متغير.

وبالنظر إلى العائد الإيجابى من إيجاد فرص تعليمية وتدريبيةمتكافئة وتهيئة المؤسسات للقيام بالأدوار المنوطة لتوفير تلك الفرص التعليمية المتساوية، فإن هذا العائد لن يقتصر على الدولة ذاتها، بل سيمتد الأمر إلى ما هو أبعد من نطاق وحدود الدولة لينعكس على العالم؛ حيث تميل النساء الأفضل تعليماً إلى أن يكونوا أكثر دراية بالتغذية والرعاية الصحية لأنفسهن وأطفالهن. كما أنهن سيصبحن أكثر استجابة للمشاركة فى سوق العمل الرسمى ومن ثم سترتفع دخولهن. وقد أظهرت دراسة للبنك الدولى أن "الفرص التعليمية المحدودة للفتيات، والعوائق التى تحول دون إكمال 12 عامًا من التعليم، تكلف العالم ما بين 15 تريليون دولار أمريكى و 30 تريليون دولار أمريكى فى صورة خسارة إنتاجية" كانت يمكن أن تساعد فى انتشال الأسر والمجتمعات والبلدان من الفقر.

وبالنظر إلى تقديرات عدد من الجهات الدولية فإن التكلفة المحتملة التى يمكن أن تتحملها الدول المتقدمة والبالغة حوالى 850 مليار دولار سنوياً لخدمة المشروعات التنموية وقضايا المساواة بصورة عامة، وقضية التعليم بصفة خاصة، فسنجد أنها تمثل فقط ما يتراوح ما بين 1.5% إلى 3% من إجمالى الخسائر العالمية والمتمثلة فى فقدان للإنتاجية العالمية؛ لذا يستدعى الأمر وبهدف تحقيق التنمية العالمية المنشودة، أن تتحقق المشاركات الدولية الإيجابية والموسعة بهدف الحد من شيوع الأطر المؤسسية المتسببة فى وجود تلك الفجوات، على أن يتم استهداف ترسيخ فكر التغيير المؤسسى المدعم لتكافؤ الفرص وتعليم الفتيات، وذلك باتباع برامج دولية تبدأ من تغيير الثقافة المجتمعية فى الدول منخفضة الدخل، وتمتد لتغيير بيئات التعلم فى مختلف المراحل الدراسية بها، وذلك بهدف ضمان شمول التأثير على الأداء التعليمى ككل، وبما ينعكس على كل أوجه التنمية فى البلاد.

لأنهى تلك السلسلة من المقالات بتوجيه التقدير إلى كل القائمين على صناعة فيلم "من أجل زيكو"، هذا الفيلم الذى ناقش قضية عدم التكافؤ التعليمى بين طلاب المرحلة الابتدائيةبصورة فكاهيةخفيفة لمن ينظر ظاهرياً إلى أحداث الفيلم،لتتحول تلك الأحداث إلى أحداث مبكية لمن يعى جيداً لأبعاد القضية وتأثيراتها المجتمعية والتنموية، لتظل جملة الجد خميس وهو يتحدث إلى لجنة تحكيم اختيار أذكى طفل، والتى جسدها الفنان محمد محمود ترن فى أذني، "إحنا أسرة بائسة ... سيبو الواد يغنى"، لتأتى تلك الجملة لتبكينى وتكشف حجم عدم التكافؤ التعليمى والاجتماعى بين الأطفال المتسابقين الفتيات منهم أو الفتيان، لأتساءل عن دور المشاركات الدولية فى الحد من ظاهرة عدم التكافؤ التعليمى والمجتمعي بين الأطفال ومد يد العون إلى الدول النامية، وهو الأمر الذى سينعكس حتماً على تنمية تلك المجتمعات وتحقيق المصالح التنموية العالمية.

كلمات البحث
الأكثر قراءة