نسج حالة متفردة من المقاومة تنمو وتكبر فى رحم كل مخيم وقرية ومدينة فلسطينية
موضوعات مقترحة
الانحياز إلى المقاومة خيار كل القوى والفصائل بما فى ذلك السلطة الوطنية التى لوحت بالخيار العسكرى
حسابات نيتانياهو أخفقت فى تحقيق الأهداف المحددة للعدوان
استمرار اللجان الشعبية فى الدفاع عن المدن والقرى والمخيمات
قرارات نوعية للقيادة الفلسطينية أبرزها وقف الاتصالات واستمرار وقف التنسيق الأمنى مع الاحتلال
تنسيق مصرى ـ فلسطينى.. وتوجيه رسائل مشتركة وثنائية إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية
على الرغم من ادعاء جيش الاحتلال الإسرائيلى، بأنه حقق أهدافه من العدوان على مخيم جنين الأسبوع قبل الماضى، والذى استغرق 48 ساعة بالتمام والكمال، والمتمثلة فى القضاء على بؤرة المقاومة فيه، وتوجيه ضربة قوية لبنيتها التحتية، فإن الواضح أن المقاومة هى الرابح الأكبر فى هذه المواجهة غير المتكافئة مع 2000 من جنود الاحتلال، الذين لجأوا إلى القوة المفرطة، من خلال 20 غارة جوية، استخدمت فيها المقاتلات والمروحيات والمسيرات، والآليات والمدرعات، فضلا عن الجرافات الثقيلة فى محاولة لتسوية شوارع المخيم وبيوته، لكن المقاومة حققت عبر صمودها، وتمكنها من امتصاص صدمة اليوم الأول للعدوان، والمتمثلة فى الهجوم الجوى والبرى الكثيف، ما يمكن وصفه - حسب رؤية خبراء - بأنه تحويل لميزان المعركة لمصلحتها، مع ساعات الشروق الأولى لليوم الثانى الأمر الذى دفع عناصر جيش الاحتلال، إلى الانسحاب تحت النار وتكبد أكبر خسائره، وهو فى طريقه للعودة إلى قواعده.
فعوضا عن تعزيز جيش الاحتلال لصورته، فى أنه القوة غير القابلة لاختراقها واستعادة هيبته، تمكنت المقاومة فى جنين من إضافة المزيد من مساحات الخصم من هذه الهيبة، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو للقول، وهو فى زيارة تفقدية لتخوم المخيم: "لنا موعد قادم مع جنين".
فى هذا السياق، اعتبر الخبراء نجاح مجموعة من كتيبة جنين - المكونة من مقاتلين من مختلف فصائل المقاومة، بما فيها كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح - فى تجاوز الأسر أو القتل، بعد إعلان جيش الاحتلال محاصرتهم فى مسجد الأنصار، ثم دعوتهم إلى الاستسلام، تطورا نوعيا خلق حالة من اليأس فى صفوف هذا الجيش، وهنا كان للأنفاق دورها الفاعل كتكتيك ميدانى أخذ بعداً إستراتيجياً، باعتباره الأول فى تاريخ معارك جنين، فحتى فى ملحمة 2002، لم يسبق للأنفاق أن دخلت فى أساليب المعركة وتكتيكاتها، وهو ما يؤشر إلى أن الكتيبة استبقت العدوان - الذى كانت تتوقعه فى أى لحظة - بحفر سلسلة من الأنفاق، ويبدو أن ذلك تجاوز دورها فى إخفاء العبوات والأكواع والمؤن والذخيرة، إلى استخدامها كممرات تنقل فى باطن الأزقة، وهو ما شكّل علامة فارقة فى الميدان، وضعت قوات نخبة الاحتلال فى حرج جعلها تتوقف عن الغوص فى أزقة الحارات باتجاه عمق المخيم حتى الانسحاب أو إعادة التموضع.
ومع تعثر جيش الاحتلال فى الولوج إلى عمق المخيم - برغم أنه أجبر عددا يتراوح بين 3 و5 آلاف مواطن فلسطينى - على الخروج من منازلهم بالقوة، نجحت عناصر كتيبة جنين فى توجيه ضربات خلف خطوط الهجوم الإسرائيلى، مع تنفيذ محكم لسلسلة من الهجمات تطورت من تفجير عبوات التامر والطارق ببعض الجرافات، ثم إعطاب عدد من الآليات، مع طلقات محسوبة، حتى إيقاع قوات نخبة الاحتلال فى كمائن ظلت تتطور تباعاً، متجاوزة مداخل المخيم وحارة الدمج التى شهدت أقوى المواجهات، لتصل إلى عمق المدينة قرب دوار السينما، وفى شارع أبو بكر ودوار الزايد وشارع الناصرة، وخارج المدينة قرب كفر ذان والسيلة الحارثية، وقبل ذلك قرب جبع ويعبد وقباطية وبرقين، بما أعاق تقدم الآليات وتحركها بالسرعة المطلوبة، نحو بؤرة الاشتباك فى المخيم، على نحو أتاح للكتيبة القدرة لتنتقل من حالة الصمود عبر الدفاع نحو الهجوم، راسمة بذلك ملامح انتصار حتى ولو كان جزئيا، لكنه ينطوى على دلالات ورسائل فى صدارتها، أن مقاتلى المقاومة اكتسبوا خبرات وتمرس جيلهم الشاب، الذى ولد بعد اتفاق أوسلو بخوض المعارك والمواجهات، والأهم أن مخيم جنين زرع حالة متفردة من المقاومة ستنمو وتكبر فى رحم كل مخيم وقرية ومدينة فلسطينية، ولعل الرسالة الأهم التى خرج بها بعض ممن يوصفون فى إسرائيل، الذين رأوا أن عدوان حكومة نيتانياهو جاء بنقيض أهدافه ومراميه، فحذروا من أن جنين قد تتحول إلى نموذج ملهم وقابل للتكرار، وإعادة الإنتاج فى مختلف المخيمات والبلدات الفلسطينية، ومن ثم فإنه على الكيان الإسرائيلى أن يعتاد العيش مع مقاومة شعب عنيد، لا يعرف الهزيمة ولا الرايات البيضاء، وإن دفع الثمن شهداء وجرحى وتدميرا لمفردات حياته.
إخفاق نيتانياهو
هذا فيما يتعلق بالشق العسكرى، أما على الصعيد السياسى، فإن معركة جنين كانت تستهدف، ضمن ما هدفت إليه- وفق رؤية نيتانياهو وأركان حكومته اليمينية - تفريغ الأرض وإرهاب السكان بهدف تهجيرهم، وتدمير روح المقاومة، وتمهيد الطريق للضم الاستيطانى الزاحف بشراسة على مختلف أجزاء الضفة الغربية المحتلة، وجعل عملية ابتلاع الأرض والحقوق والمقدسات الفلسطينية، تتم بوتيرة أسرع وكلفة أقل، لكن حسابات نيتانياهو أخفقت، فقد ألهم مخيم جنين كل الفلسطينيين فى مختلف أماكن وجودهم، الصبر والثبات والتحمل والمقاومة، وهذا النمط من السلوك الفلسطينى يتناقض مع مشروع الاستفزاز، الذى تمارسه كل حكومات الكيان منذ أكثر من سبعة من عقود ونصف العقد، فما زال الفلسطينيون على الرغم من نكبة 1948 ونكسة 1967، والاعتداءات المتوالية عليهم بعد اتفاق أوسلو فى 1993، والذى أعطى لهم حق إقامة سلطة وطنية لم يتخلوا عن الأرض والحقوق والهوية، مع تعدد كل أشكال الضغوط والقسوة والانتهاكات والاغتيالات التى تكاد تأخذ شكلا يوميا.
الخيارات المتاحة
لكن ما خيارات الفلسطينيين فى أعقاب هذا الانتصار الذى تحقق فى جنين؟
ثمة إجماع على أن الاستمرار فى خيار المقاومة، هو الأولى بالرعاية لدى الفلسطينيين بكل توجهاتهم، بما فى ذلك السلطة الوطنية، وإن كان شكل وجوهر المقاومة يتباينان من فصيل إلى آخر، فبينما السلطة الوطنية تركز على المقاومة الشعبية والمقاطعة الاقتصادية، تركز الفصائل الأخرى، مثل حماس والجهاد، على تبنى منهجية الرد على أى عدوان على غزة، على نمط المواجهات التى جرت فى الأعوام الأخيرة مع جيش الاحتلال، لكن الكتائب المسلحة فى الضفة الغربية المحتلة، مثل كتيبة جنين ومجموعات عرين الأسود بنابلس، والمجموعات الأخرى فى طولكرم وغيرها من المدن والمخيمات الفلسطينية، ستظل رافعة سيف المقاومة على طول الخط بالذات عند مواجهة أى عدوان، بالذات بعد أن أضحت ورقة صعبة فى معادلة المواجهات مع جيش الاحتلال.
وإن توقفنا فى بعض تفاصيل خيارات السلطة الفلسطينية، فهى، بادرت فى اليوم الأول للعدوان على جنين، بتبنى جملة من الإجراءات والخطوات ردا على هذا العدوان، خلال اجتماع طارئ دعا إليه الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، بحضور القيادات الفلسطينية أبرزها على النحو التالى:
أولاً: دعوة الأمناء العامين لاجتماع طارئ، للاتفاق على رؤية وطنية شاملة، وتوحيد الصف لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلى والتصدى له، ووقف جميع الاتصالات واللقاءات مع الجانب الإسرائيلى، والاستمرار فى وقف التنسيق الأمنى.
ثانياً: استمرار اللجان الشعبية فى الدفاع عن المدن والقرى والمخيمات، ومطالبة جميع الأجهزة والهيئات الفلسطينية، بأخذ دورها فى مهمة الدفاع عن الشعب الفلسطينى، وهو ما فسر من كثير من المراقبين بأنه تلويح من السلطة الوطنية، باللجوء إلى خيار المقاومة المسلحة كأحد خياراتها فى المواجهة مع إسرائيل، التى لم تتجاوب طوال العقود الثلاثة المنصرمة، مع ما قدمته السلطة من تنازلات تكتيكية تتعلق بالأساليب، وليست إستراتيجية تتصل بثوابت الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف.
ثالثا: تضمن القرارات، بندا يعزز نظرية التلويح باللجوء إلى خيار المقاومة المسلحة، ينص على حق الشعب الفلسطينى فى الدفاع عن نفسه، وأن مهمة السلطة بمؤسساتها المختلفة، هى حماية الشعب الفلسطينى، ووضع جميع إمكاناتها لهذا الغرض، وعلى الجميع تحمل مسئولياته فى هذا المجال، وإن تم التأكيد فى البند نفسه، على الالتزام بالشرعية الدولية والقانون الدولى.
رابعاً: التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية، وبمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطينى، والالتزام بالشرعية الدولية، ومواصلة العمل من أجل نيل دولة فلسطين عضويتها الكاملة فى الأمم المتحدة، وحصولها على مزيدٍ من الاعترافات الدولية بها، مع السعى لاستكمال انضمامها إلى بقية المنظمات الأممية والدولية.
خامساً: التوجه الفورى لمجلس الأمن الدولى، لتنفيذ القرار 2334 وقرار الحماية الدولية للشعب الفلسطينى، ووقف الإجراءات أحادية الجانب، وفرض العقوبات على دولة الاحتلال، وفى الوقت نفسه دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتعجيل فى البت فى القضايا المحالة إليها، ودعم العائلات الفلسطينية لرفع قضايا أمام محكمة الجنايات الدولية، ضد قوات الاحتلال الإسرائيلى، لما قامت به من مجازر وقتل بحق أبنائها المدنيين الأبرياء، رفع قضايا على دولة الاحتلال لما ارتكبته من جرائم تتحمل مسئوليتها خلال فترة احتلالها، إلى جانب رفع قضايا ضد إسرائيل، لما ارتكبته من مذابح وتدمير قرى وتهجير الشعب الفلسطينى فى فترة النكبة فى العام 1948، والدعوة الفورية لقدوم لجنة التحقيق الدولية المستمرة فى مجلس حقوق الإنسان، للتحقيق وإحالة مخرجاتها بشأن مسئولية الاحتلال عن هذه المجازر، وأعمال الإرهاب للمحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن.
سادساً: المطالبة بوقف عضوية إسرائيل فى الأمم المتحدة، بسبب عدم التزامها بتنفيذ القرارين 181، 194، والأول يتعلق بتقسيم فلسطين، والثانى يتصل بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.
سابعاً: رفع قضايا ضد أمريكا وبريطانيا، بسبب وعد بلفور وطلب الاعتراف والاعتذار والتعويض، وتقنين العلاقة مع الإدارة الأمريكية، التحرك على المستويات العربية والإسلامية والدولية، من أجل دعم الموقف الفلسطينى.
وعلى الفور، وجه وزير الخارجية والمغتربين الفلسطينى رياض المالكى، سفراء دولة فلسطين فى الخارج ولدى المنظمات والمجالس الدولية بالتحرك الفورى لتحضير، ما هو مطلوب لترجمة قرارات القيادية الفلسطينية لمواجهة العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى، مؤكدا - وفق بيان للخارجية الفلسطينية - أن أطقم الوزارة وبعثاتها المختصة فى المنظمات الدولية بدأت مساعيها فى القيام بمشاورات لتطبيق تلك القرارات التى تخصها، تحضيرا وتجهيزا لما هو مطلوب للانطلاق لمرحلة التنفيذ العملى بعد تحصيل القرار السياسى من أعلى هيئة قيادية فلسطينية، مشيرا إلى أنه سيتابع مع السفراء سير التحضيرات، وطبيعة المشاورات المطلوبة حسب كل قرار، من أجل رفع تلك النتائج للقيادة للبت فيها.
العمق العربى
وتزامن ذلك مع تحرك باتجاه العمق العربى، تجلى فى دعوة وزارة الخارجية الفلسطينية، لعقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، فى اليوم الثانى للعدوان على غزة بالتنسيق مع كل مصر والأردن، وتبنى الاجتماع الذى ترأسه مندوب مصر لدى الجامعة السفير محمد مصطفى عرفى، بحكم ترؤس بلاده الدورة الحالية للمجلس، مشروع القرار الذى قدمته الخارجية الفلسطينية، وحظى بالموافقة الجماعية من كل ممثلى الدول العربية، واتسم القرار بطابع عملى، ركز على التحرك السياسى والقانونى والدبلوماسى، لمساندة الفلسطينيين فى التصدى لكل اعتداءات إسرائيل، التى تمتد من جنين إلى نابلس وغيرهما من مدن ومخيمات الضفة ثم إلى غزة، وتمحورت أهم مرتكزاته فيما يلى:
أولاً: تحميل إسرائيل، نتائج عدوانها على مدينة ومخيم جنين، والدعوة إلى تحرك عربى عاجل، بما فى ذلك من خلال اللجنة الوزارية العربية مفتوحة العضوية، والمكلفة من القمة العربية بمهمة التحرك على المستوى الدولى، لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطينى، وذلك بهدف إطلاق تحرك دبلوماسى عربى عاجل ومكثف، بما فى ذلك مجالس السفراء العرب وبعثات الجامعة العربية، ومن خلال التواصل عبر القنوات الرسمية فى مجلس الأمن، ومراكز صنع القرار الدولى، للتعبير عن التوجه العربى لاتخاذ ما يلزم نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وجميع سياساته وإجراءاته العدوانية، ضد الشعب الفلسطينى.
ثانياً: فى حال عجز مجلس الأمن عن القيام بدوره، وتولى مسئولياته فى حفظ الأمن والسلم الدوليين، سيتم التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لعقد دورة دورة مستأنفة، عن الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة تحت عنوان "الاتحاد من أجل السلام"، لإصدار القرارات اللازمة نحو وقف العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالحماية الدولية للشعب الفلسطينى، ومنح فلسطين العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة.
ثالثاً: مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بالوفاء بمسئولياتها، بموجب ميثاق روما المؤسس لعملها، فيما يخص العمل على إنجاز التحقيق الجنائى فى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التى ارتكبتها - ولا تزال ترتكبها - بحق الشعب الفلسطينى الأعزل، بما فى ذلك جرائم الاستيطان والضم والعدوان على المدن والقرى والمخيمات، وقتل المدنيين والصحفيين والمسعفين والتهجير القسرى.
ثالثاً: حث الأمين العام للأمم المتحدة، على تطبيق إجراءات عملية وفاعلة لحماية المدنيين الفلسطينيين، ودعوة الأطراف السامية المتعاقدة فى اتفاقية جنيف الرابعة، لتحمل مسئولياتها، وكفالة احترام وإنفاذ الاتفاقية فى أرض دولة فلسطين المحتلة، بما فى ذلك القدس الشرقية، من خلال وقف الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولى الإنسانى، والقانون الدولى لحقوق الانسان، ومطالبة المجتمع الدولى بالضغط على إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال.
رابعاً: دعم كل الخطوات والإجراءات والقرارات، التى تتخذها القيادة الفلسطينية، لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطينى، بما فى ذلك العدوان الإسرائيلى على مدينة ومخيم جنين.
الانحياز إلى المقاومة خيار كل القوى والفصائل بما فى ذلك السلطة الوطنية التى لوحت بالخيار العسكرى
حسابات نيتانياهو أخفقت فى تحقيق الأهداف المحددة للعدوان
استمرار اللجان الشعبية فى الدفاع عن المدن والقرى والمخيمات
قرارات نوعية للقيادة الفلسطينية أبرزها وقف الاتصالات واستمرار وقف التنسيق الأمنى مع الاحتلال
تنسيق مصرى ـ فلسطينى.. وتوجيه رسائل مشتركة وثنائية إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية
⢴ العزب الطيب الطاهر
على الرغم من ادعاء جيش الاحتلال الإسرائيلى، بأنه حقق أهدافه من العدوان على مخيم جنين الأسبوع قبل الماضى، والذى استغرق 48 ساعة بالتمام والكمال، والمتمثلة فى القضاء على بؤرة المقاومة فيه، وتوجيه ضربة قوية لبنيتها التحتية، فإن الواضح أن المقاومة هى الرابح الأكبر فى هذه المواجهة غير المتكافئة مع 2000 من جنود الاحتلال، الذين لجأوا إلى القوة المفرطة، من خلال 20 غارة جوية، استخدمت فيها المقاتلات والمروحيات والمسيرات، والآليات والمدرعات، فضلا عن الجرافات الثقيلة فى محاولة لتسوية شوارع المخيم وبيوته، لكن المقاومة حققت عبر صمودها، وتمكنها من امتصاص صدمة اليوم الأول للعدوان، والمتمثلة فى الهجوم الجوى والبرى الكثيف، ما يمكن وصفه - حسب رؤية خبراء - بأنه تحويل لميزان المعركة لمصلحتها، مع ساعات الشروق الأولى لليوم الثانى الأمر الذى دفع عناصر جيش الاحتلال، إلى الانسحاب تحت النار وتكبد أكبر خسائره، وهو فى طريقه للعودة إلى قواعده.
فعوضا عن تعزيز جيش الاحتلال لصورته، فى أنه القوة غير القابلة لاختراقها واستعادة هيبته، تمكنت المقاومة فى جنين من إضافة المزيد من مساحات الخصم من هذه الهيبة، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو للقول، وهو فى زيارة تفقدية لتخوم المخيم: "لنا موعد قادم مع جنين".
فى هذا السياق، اعتبر الخبراء نجاح مجموعة من كتيبة جنين - المكونة من مقاتلين من مختلف فصائل المقاومة، بما فيها كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح - فى تجاوز الأسر أو القتل، بعد إعلان جيش الاحتلال محاصرتهم فى مسجد الأنصار، ثم دعوتهم إلى الاستسلام، تطورا نوعيا خلق حالة من اليأس فى صفوف هذا الجيش، وهنا كان للأنفاق دورها الفاعل كتكتيك ميدانى أخذ بعداً إستراتيجياً، باعتباره الأول فى تاريخ معارك جنين، فحتى فى ملحمة 2002، لم يسبق للأنفاق أن دخلت فى أساليب المعركة وتكتيكاتها، وهو ما يؤشر إلى أن الكتيبة استبقت العدوان - الذى كانت تتوقعه فى أى لحظة - بحفر سلسلة من الأنفاق، ويبدو أن ذلك تجاوز دورها فى إخفاء العبوات والأكواع والمؤن والذخيرة، إلى استخدامها كممرات تنقل فى باطن الأزقة، وهو ما شكّل علامة فارقة فى الميدان، وضعت قوات نخبة الاحتلال فى حرج جعلها تتوقف عن الغوص فى أزقة الحارات باتجاه عمق المخيم حتى الانسحاب أو إعادة التموضع.
ومع تعثر جيش الاحتلال فى الولوج إلى عمق المخيم - برغم أنه أجبر عددا يتراوح بين 3 و5 آلاف مواطن فلسطينى - على الخروج من منازلهم بالقوة، نجحت عناصر كتيبة جنين فى توجيه ضربات خلف خطوط الهجوم الإسرائيلى، مع تنفيذ محكم لسلسلة من الهجمات تطورت من تفجير عبوات التامر والطارق ببعض الجرافات، ثم إعطاب عدد من الآليات، مع طلقات محسوبة، حتى إيقاع قوات نخبة الاحتلال فى كمائن ظلت تتطور تباعاً، متجاوزة مداخل المخيم وحارة الدمج التى شهدت أقوى المواجهات، لتصل إلى عمق المدينة قرب دوار السينما، وفى شارع أبو بكر ودوار الزايد وشارع الناصرة، وخارج المدينة قرب كفر ذان والسيلة الحارثية، وقبل ذلك قرب جبع ويعبد وقباطية وبرقين، بما أعاق تقدم الآليات وتحركها بالسرعة المطلوبة، نحو بؤرة الاشتباك فى المخيم، على نحو أتاح للكتيبة القدرة لتنتقل من حالة الصمود عبر الدفاع نحو الهجوم، راسمة بذلك ملامح انتصار حتى ولو كان جزئيا، لكنه ينطوى على دلالات ورسائل فى صدارتها، أن مقاتلى المقاومة اكتسبوا خبرات وتمرس جيلهم الشاب، الذى ولد بعد اتفاق أوسلو بخوض المعارك والمواجهات، والأهم أن مخيم جنين زرع حالة متفردة من المقاومة ستنمو وتكبر فى رحم كل مخيم وقرية ومدينة فلسطينية، ولعل الرسالة الأهم التى خرج بها بعض ممن يوصفون فى إسرائيل، الذين رأوا أن عدوان حكومة نيتانياهو جاء بنقيض أهدافه ومراميه، فحذروا من أن جنين قد تتحول إلى نموذج ملهم وقابل للتكرار، وإعادة الإنتاج فى مختلف المخيمات والبلدات الفلسطينية، ومن ثم فإنه على الكيان الإسرائيلى أن يعتاد العيش مع مقاومة شعب عنيد، لا يعرف الهزيمة ولا الرايات البيضاء، وإن دفع الثمن شهداء وجرحى وتدميرا لمفردات حياته.
إخفاق نيتانياهو
هذا فيما يتعلق بالشق العسكرى، أما على الصعيد السياسى، فإن معركة جنين كانت تستهدف، ضمن ما هدفت إليه- وفق رؤية نيتانياهو وأركان حكومته اليمينية - تفريغ الأرض وإرهاب السكان بهدف تهجيرهم، وتدمير روح المقاومة، وتمهيد الطريق للضم الاستيطانى الزاحف بشراسة على مختلف أجزاء الضفة الغربية المحتلة، وجعل عملية ابتلاع الأرض والحقوق والمقدسات الفلسطينية، تتم بوتيرة أسرع وكلفة أقل، لكن حسابات نيتانياهو أخفقت، فقد ألهم مخيم جنين كل الفلسطينيين فى مختلف أماكن وجودهم، الصبر والثبات والتحمل والمقاومة، وهذا النمط من السلوك الفلسطينى يتناقض مع مشروع الاستفزاز، الذى تمارسه كل حكومات الكيان منذ أكثر من سبعة من عقود ونصف العقد، فما زال الفلسطينيون على الرغم من نكبة 1948 ونكسة 1967، والاعتداءات المتوالية عليهم بعد اتفاق أوسلو فى 1993، والذى أعطى لهم حق إقامة سلطة وطنية لم يتخلوا عن الأرض والحقوق والهوية، مع تعدد كل أشكال الضغوط والقسوة والانتهاكات والاغتيالات التى تكاد تأخذ شكلا يوميا.
الخيارات المتاحة
لكن ما خيارات الفلسطينيين فى أعقاب هذا الانتصار الذى تحقق فى جنين؟
ثمة إجماع على أن الاستمرار فى خيار المقاومة، هو الأولى بالرعاية لدى الفلسطينيين بكل توجهاتهم، بما فى ذلك السلطة الوطنية، وإن كان شكل وجوهر المقاومة يتباينان من فصيل إلى آخر، فبينما السلطة الوطنية تركز على المقاومة الشعبية والمقاطعة الاقتصادية، تركز الفصائل الأخرى، مثل حماس والجهاد، على تبنى منهجية الرد على أى عدوان على غزة، على نمط المواجهات التى جرت فى الأعوام الأخيرة مع جيش الاحتلال، لكن الكتائب المسلحة فى الضفة الغربية المحتلة، مثل كتيبة جنين ومجموعات عرين الأسود بنابلس، والمجموعات الأخرى فى طولكرم وغيرها من المدن والمخيمات الفلسطينية، ستظل رافعة سيف المقاومة على طول الخط بالذات عند مواجهة أى عدوان، بالذات بعد أن أضحت ورقة صعبة فى معادلة المواجهات مع جيش الاحتلال.
وإن توقفنا فى بعض تفاصيل خيارات السلطة الفلسطينية، فهى، بادرت فى اليوم الأول للعدوان على جنين، بتبنى جملة من الإجراءات والخطوات ردا على هذا العدوان، خلال اجتماع طارئ دعا إليه الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، بحضور القيادات الفلسطينية أبرزها على النحو التالى:
أولاً: دعوة الأمناء العامين لاجتماع طارئ، للاتفاق على رؤية وطنية شاملة، وتوحيد الصف لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلى والتصدى له، ووقف جميع الاتصالات واللقاءات مع الجانب الإسرائيلى، والاستمرار فى وقف التنسيق الأمنى.
ثانياً: استمرار اللجان الشعبية فى الدفاع عن المدن والقرى والمخيمات، ومطالبة جميع الأجهزة والهيئات الفلسطينية، بأخذ دورها فى مهمة الدفاع عن الشعب الفلسطينى، وهو ما فسر من كثير من المراقبين بأنه تلويح من السلطة الوطنية، باللجوء إلى خيار المقاومة المسلحة كأحد خياراتها فى المواجهة مع إسرائيل، التى لم تتجاوب طوال العقود الثلاثة المنصرمة، مع ما قدمته السلطة من تنازلات تكتيكية تتعلق بالأساليب، وليست إستراتيجية تتصل بثوابت الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف.
ثالثا: تضمن القرارات، بندا يعزز نظرية التلويح باللجوء إلى خيار المقاومة المسلحة، ينص على حق الشعب الفلسطينى فى الدفاع عن نفسه، وأن مهمة السلطة بمؤسساتها المختلفة، هى حماية الشعب الفلسطينى، ووضع جميع إمكاناتها لهذا الغرض، وعلى الجميع تحمل مسئولياته فى هذا المجال، وإن تم التأكيد فى البند نفسه، على الالتزام بالشرعية الدولية والقانون الدولى.
رابعاً: التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية، وبمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطينى، والالتزام بالشرعية الدولية، ومواصلة العمل من أجل نيل دولة فلسطين عضويتها الكاملة فى الأمم المتحدة، وحصولها على مزيدٍ من الاعترافات الدولية بها، مع السعى لاستكمال انضمامها إلى بقية المنظمات الأممية والدولية.
خامساً: التوجه الفورى لمجلس الأمن الدولى، لتنفيذ القرار 2334 وقرار الحماية الدولية للشعب الفلسطينى، ووقف الإجراءات أحادية الجانب، وفرض العقوبات على دولة الاحتلال، وفى الوقت نفسه دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتعجيل فى البت فى القضايا المحالة إليها، ودعم العائلات الفلسطينية لرفع قضايا أمام محكمة الجنايات الدولية، ضد قوات الاحتلال الإسرائيلى، لما قامت به من مجازر وقتل بحق أبنائها المدنيين الأبرياء، رفع قضايا على دولة الاحتلال لما ارتكبته من جرائم تتحمل مسئوليتها خلال فترة احتلالها، إلى جانب رفع قضايا ضد إسرائيل، لما ارتكبته من مذابح وتدمير قرى وتهجير الشعب الفلسطينى فى فترة النكبة فى العام 1948، والدعوة الفورية لقدوم لجنة التحقيق الدولية المستمرة فى مجلس حقوق الإنسان، للتحقيق وإحالة مخرجاتها بشأن مسئولية الاحتلال عن هذه المجازر، وأعمال الإرهاب للمحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن.
سادساً: المطالبة بوقف عضوية إسرائيل فى الأمم المتحدة، بسبب عدم التزامها بتنفيذ القرارين 181، 194، والأول يتعلق بتقسيم فلسطين، والثانى يتصل بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.
سابعاً: رفع قضايا ضد أمريكا وبريطانيا، بسبب وعد بلفور وطلب الاعتراف والاعتذار والتعويض، وتقنين العلاقة مع الإدارة الأمريكية، التحرك على المستويات العربية والإسلامية والدولية، من أجل دعم الموقف الفلسطينى.
وعلى الفور، وجه وزير الخارجية والمغتربين الفلسطينى رياض المالكى، سفراء دولة فلسطين فى الخارج ولدى المنظمات والمجالس الدولية بالتحرك الفورى لتحضير، ما هو مطلوب لترجمة قرارات القيادية الفلسطينية لمواجهة العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى، مؤكدا - وفق بيان للخارجية الفلسطينية - أن أطقم الوزارة وبعثاتها المختصة فى المنظمات الدولية بدأت مساعيها فى القيام بمشاورات لتطبيق تلك القرارات التى تخصها، تحضيرا وتجهيزا لما هو مطلوب للانطلاق لمرحلة التنفيذ العملى بعد تحصيل القرار السياسى من أعلى هيئة قيادية فلسطينية، مشيرا إلى أنه سيتابع مع السفراء سير التحضيرات، وطبيعة المشاورات المطلوبة حسب كل قرار، من أجل رفع تلك النتائج للقيادة للبت فيها.
العمق العربى
وتزامن ذلك مع تحرك باتجاه العمق العربى، تجلى فى دعوة وزارة الخارجية الفلسطينية، لعقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، فى اليوم الثانى للعدوان على غزة بالتنسيق مع كل مصر والأردن، وتبنى الاجتماع الذى ترأسه مندوب مصر لدى الجامعة السفير محمد مصطفى عرفى، بحكم ترؤس بلاده الدورة الحالية للمجلس، مشروع القرار الذى قدمته الخارجية الفلسطينية، وحظى بالموافقة الجماعية من كل ممثلى الدول العربية، واتسم القرار بطابع عملى، ركز على التحرك السياسى والقانونى والدبلوماسى، لمساندة الفلسطينيين فى التصدى لكل اعتداءات إسرائيل، التى تمتد من جنين إلى نابلس وغيرهما من مدن ومخيمات الضفة ثم إلى غزة، وتمحورت أهم مرتكزاته فيما يلى:
أولاً: تحميل إسرائيل، نتائج عدوانها على مدينة ومخيم جنين، والدعوة إلى تحرك عربى عاجل، بما فى ذلك من خلال اللجنة الوزارية العربية مفتوحة العضوية، والمكلفة من القمة العربية بمهمة التحرك على المستوى الدولى، لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطينى، وذلك بهدف إطلاق تحرك دبلوماسى عربى عاجل ومكثف، بما فى ذلك مجالس السفراء العرب وبعثات الجامعة العربية، ومن خلال التواصل عبر القنوات الرسمية فى مجلس الأمن، ومراكز صنع القرار الدولى، للتعبير عن التوجه العربى لاتخاذ ما يلزم نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وجميع سياساته وإجراءاته العدوانية، ضد الشعب الفلسطينى.
ثانياً: فى حال عجز مجلس الأمن عن القيام بدوره، وتولى مسئولياته فى حفظ الأمن والسلم الدوليين، سيتم التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لعقد دورة دورة مستأنفة، عن الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة تحت عنوان "الاتحاد من أجل السلام"، لإصدار القرارات اللازمة نحو وقف العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالحماية الدولية للشعب الفلسطينى، ومنح فلسطين العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة.
ثالثاً: مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بالوفاء بمسئولياتها، بموجب ميثاق روما المؤسس لعملها، فيما يخص العمل على إنجاز التحقيق الجنائى فى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التى ارتكبتها - ولا تزال ترتكبها - بحق الشعب الفلسطينى الأعزل، بما فى ذلك جرائم الاستيطان والضم والعدوان على المدن والقرى والمخيمات، وقتل المدنيين والصحفيين والمسعفين والتهجير القسرى.
ثالثاً: حث الأمين العام للأمم المتحدة، على تطبيق إجراءات عملية وفاعلة لحماية المدنيين الفلسطينيين، ودعوة الأطراف السامية المتعاقدة فى اتفاقية جنيف الرابعة، لتحمل مسئولياتها، وكفالة احترام وإنفاذ الاتفاقية فى أرض دولة فلسطين المحتلة، بما فى ذلك القدس الشرقية، من خلال وقف الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولى الإنسانى، والقانون الدولى لحقوق الانسان، ومطالبة المجتمع الدولى بالضغط على إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال.
رابعاً: دعم كل الخطوات والإجراءات والقرارات، التى تتخذها القيادة الفلسطينية، لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطينى، بما فى ذلك العدوان الإسرائيلى على مدينة ومخيم جنين.