الحرب هى الحرب. تترك وراءها المآسى والفوضى والدمار، والمسألة الأوكرانية لا تشذ عن هذه المسيرة المميتة، ولكل حرب أبطال تختارهم الأقدار ليكونوا شهودا، ومن بين هؤلاء ديميترى ميدفيديف. نائب مجلس الأمن القومى الروسى، وكان رئيسًا سابقًا ورئيسًا للوزراء، وسخر أخيرًا من الرئيس الأمريكي جو بايدن، بسبب إرساله القنابل العنقودية إلى أوكرانيا، مذكرًا إياه بالهروب المشين من أفغانستان.
يوصف ميدفيديف بالسياسى الروسى الشجاع والحازم والذكي، يتحدث بلسان حال بلاده فى ظل التحديات والضغوطات التى تواجهها من قبل الغرب، وهو المسئول عن تنسيق السياسة الخارجية والأمنية لروسيا، وهو حليف وثيق للرئيس الحالى فلاديمير بوتين، الذى يثق به ويعتمد عليه.
فى الآونة الأخيرة، أطلق ميدفيديف تصريحات نارية تتعلق بالأزمة الأوكرانية، والعلاقات مع الغرب، والنظام الدولي، والأسلحة النووية. قال: إن هزيمة قوة نووية فى حرب تقليدية قد تشعل حربا نووية، مؤكدًا أن «القوى النووية لا تخسر أبدًا فى صراعات كبرى يتوقف عليها مصيرها». وبهذا، حذر من خطورة التصعيد والتوتر فى المنطقة والعالم، وأكد قدرة روسيا على الدفاع عن نفسها بكل الوسائل.
وعن تصاعد الأخبار حول إمكانية اعتقال الرئيس فلاديمير بوتين، بموجب مذكرة المحكمة الجنائية الدولية قال إن ذلك سيكون بمثابة «إعلان حرب» على روسيا. كما لوح باستهداف مبنى المحكمة فى لاهاى بضربة صاروخية، قائلا: “يمكننا أن نتخيل صاروخ أونكس فرط صوتى، ضرب مبنى المحكمة فى لاهاي. لا يمكن إسقاطه مع الأسف”. وبهذا، رفض أى تدخل أو تهديد أو انتقاد من جانب الغرب، وأعرب عن تضامنه مع الرئيس بوتين.
وهو يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة معادية، وتحاول إحداث أكبر ضرر ممكن لروسيا. ويشير إلى أن أمريكا، على عكس دول الاتحاد الأوروبي، لديها «موقف ثابت، وتحاول إلحاق أكبر قدر من الضرر بنا، وتقسيم البلاد قدر الإمكان». وبهذا، انتقد سياسة واشنطن التى تفرض عقوبات وضغوطات على موسكو، وتدعم خصومها فى المنطقة.
أخيرًا قال: إن روسيا تتمتع بتفوق فى مجال الأسلحة النووية، ولولا ذلك «لكانوا مزقوها»، كما أعلن أن موسكو ستنشئ قريبًا خط إنتاج مكتملا للطائرات المسيرة. وبهذا، أظهر قوة وثقة روسيا فى قدراتها العسكرية والتكنولوجية، وإصرارها على تطويرها.
من خلال هذه التصريحات، يظهر ميدفيديف كصوت روسيا فى برية العالم، يعبر عن تصميمها على الدفاع عن سيادتها وأمنها ومصالحها، ويرفض أى تدخل أو تهديد أو انتقاد من جانب الغرب. كما يظهر كصوت يحذر من خطورة التصعيد والتوتر فى المنطقة والعالم، ويدعو إلى احترام القانون الدولى والحوار والتعاون، لكن ضمن نظام متعدد الأقطاب.. وكأنه الصوت الصارخ فى البرية.
يوصف فى الصحافة الغربية ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى فى الغرب، بأنه صقر روسى لا يزال يطير فى سماوات الإمبراطورية الروسية القديمة، يحلم بعودتها من جديد، لتشكل جدارًا ناريًا ضد القطب الأوحد. يبدو أن الرجل، المحامى، وأستاذ القانون، قدر من أقدار الحرب.