نقص بعض الأدوية في الصيدليات بات يمثل مشكلة حقيقية تتطلب تدخلا حاسمًا من الدولة، لضبط سوق الأدوية في مصر، قبل تفاقم الوضع أكثر وأكثر، خصوصا إذا كان نقص بعض الأدوية يشكل خطرا على صحة المرضى, ولا شك أن الحكومة قامت بجهد مكثف خلال الفترة الماضية من أجل توفير الأدوية اللازمة، وسد احتياجات سوق الدواء، إلا أن أزمة نقص بعض الأدوية تطل برأسها من حين لآخر نتيجة خلل ما في آليات عمل سوق الأدوية، وتشابك وتداخل بعض الأدوات الحاكمة لتداول الأدوية .
موضوعات مقترحة
علاجات الغدة الدرقية، بعد أن كان سهل الحصول عليها قبل شهور قليلة، أصبحت الآن نادرة الوجود في الصيدليات، بل غير موجودة بالفعل، مما ضاعف معاناة المرضى وأسرهم وجعلهم في حاجة إلى يد الرحمة، لتخفيف معاناتهم، وتوفير كميات مناسبة في الحصول على هذا العلاج، إذ إن غير دائرة المرض التي تحيطهم بسبب قصور الغدة الدرقية، أضحى مرضى الغدة في دائرة أخرى تحفها مخاطر الموت، حيث مضاعفات المرض التي تحيطهم، وتهدد حياتهم، بسبب اختفاء العلاج من سوق الدواء، وعجزهم عن إيجاده، فجأة، وبدون مقدمات.. التقرير التالي يرصد المعاناة ويترقب الحل من الدولة:
الغدة الدرقية
معاناة مرضى الغدة الدرقية
يقول محمد يحي، 41 عامًا، فوجئت باختفاء دواء الغدة الذي اعتدت على تناوله منذ 4 سنوات، ولم أجد سبيلًا للدواء سوى البحث عن طريق الأصدقاء، والمعارف بالمناطق المختلفة.
يتابع محمد يحي، حديثه لـ"بوابة الأهرام"، وصف لي الطبيب دواء Euthyrox ، يوثيروكس، وهو دواء مستورد، كعلاج للغدة، بعد استئصالها بالكامل، نتيجة تضخم كبير استلزم هذا الاستئصال.
Euthyrox علاج
ويستعمل دواء يوثيروكس (Euthyrox) لعلاج كسل أو قصور الغدة الدرقية، وأحياناً في أنواع معينة من تضخم الغدة الدرقية، أو سرطان الغدة الدرقية، وهو هرمون محاكي لهرمونات الغدة الدرقية التي تفرز بصورة طبيعية في الجسم.
ويتوافر يوثيروكس دواء الغدة الدرقية، بتركيزات عديدة، ويحدد الطبيب للمريض الجرعة تبعاً للوزن، ودرجة قصور الغدة الدرقية، حيث يبدأ أولا بتركيز بسيط ليزداد بعد ذلك كل 4 أسابيع بمعدل 25 ميكروغرام، حتى يصل إلى الجرعة المناسبة للمريض.
وقد يضطر المريض لاستخدام يوثيروكس فترات طويلة تمتد إلى 6 أشهر أو سنة وأحياناً طوال الحياة، وذلك تبعاً لدرجة القصور الحادث بالغدة الدرقية.
دواء الغدة الدرقية، الناقص بالصيدليات
دور علاج يوثيروكس
ويعتبر الأطباء، يوثيروكس، بديلًا تعويضيًا للهرمونات التي تفرزها الغدة الدرقية في الجسم لتحسين وظائفه، خاصة بعد استئصال الغدة لظروف طبية.
ويؤدي عدم توافر الدواء إلى تأخر حالة مريض الغدة وتعرضه لمضاعفات تتمثل في عدم القدرة على القيام بالأنشطة اليومية، وجفاف في الجلد، ونقص في الوزن، والشعور بالخمول الشديد، بل إن المضاعفات الأخطر تصل إلى حدوث جلطات في القلب، والمخ، وتكوّن مياه حول الرئة.
نقص دواء الغدة الدرقية من السوق
يقول محمد يحي، لم تفلح محاولات الأصدقاء، والمعارف، في إيجاد الدواء، وقد مر أكثر من شهر على رحلة البحث التي تحول فيها المحيطون ومن بينهم العائلة أيضًا، إلى كشّافين عن دواء الغدة الغائب من الأسواق.
يشير محمد إلى حالته الصحية، فيقول، أشعر بالاكتئاب وعدم الرغبة في ممارسة الأنشطة اليومية المعتادة أو مجالسة الغير، أفقد الشغف في الأشياء التي أحبها، ويجذبني السرير إلى النوم لساعات تكاد تفصلني من عملي الذي تأثر بكثرة النوم وحدة الاكتئاب.
مضاعفات غياب دواء الغدة الدرقية
بحسب حديث الدكتور عبد الستار الجاروني، استشاري أمراض الباطنة، لـ"بوابة الأهرام"، فإن من أعراض المرض، الشعور بالإرهاق، وعدم التركيز، والاكتئاب، وهو ما يتعرض له محمد بسبب غياب الدواء.
وبحسب محمد يحي، يوجد نوع آخر لعلاج الغدة، وهو التروكسين، وكنت أتناوله، بحسب الطبيب، في البداية، وبعد ذلك وصف لي الطبيب النوع الثاني، يوثيروكس، بجرعة 175مج، وبدأ الطبيب في تقليل الجرعات تدريجيًا، إلى 150 مج، ثم إلى 100 مج، وهي الجرعة الحالية، ولا يمكنني تناول العلاج البديل إلا بعد الرجوع للطبيب وتعديل الجرعة الجديدة الذي يستلزم عمل تحاليل متواصلة قائلًا :"علشان أضبط الجرعة الجديدة لازم أفضل أعمل تحاليل لحد لما الجرعة الجديدة تضبط، علشان كده الموضوع مش سهل".
الاكتئاب
هرمونات الغدة الدرقية
المئات من مرضى الغدة، غير محمد، يعانون نفس عنائه في سبيل البحث عن الدواء الغائب، الذي يهدد غيابه صحتهم بمضاعفات أكد استشاري الباطنة لـ"بوابة الأهرام"، أنها قد تصل إلى مشاكل في القلب، والإصابة بـ"الوذمة المخاطية"، وهي حالة نادرة، وقد تكون مهددة للحياة، موضحًا أنها تحدث عندما تنخفض هرمونات الغدة الدرقية بشكل كبير.
الاكتئاب والإرهاق والخمول
تقول سارة مصطفى، 31 عامًا، لا أجد الدواء في أي صيدلية بمحافظتي، موضحة أنها من محافظة الشرقية، وقد وصف لها الطبيب دواء يوثيروكس، وليس البديل وهو التروكسين.
ويقول سامح عيد، 43 عامًا، تنقلت بين صيدليات محافظة الإسماعيلية التي أقطن بها، ولم أجد الدواء، وقد أصابني اكتئاب لا أريد له التمكن منّي لأنني أدرك مخاطره التي تجعل الإنسان المصاب به، في عزلة عن العالم، وفاقد الشغف في أنشطة الحياة، بل وفي الحياة ذاتها!
البحث عن الدواء عبر الإنترنت
البحث عن دواء الغدة انتقل من الصيدليات، إلى الإنترنت، ليجد مرضى الغدة في وسائل التواصل الاجتماعي جسرًا يصل بينهم وبين العلاج وتنظيم وظائف جسدهم التي تعاني من غياب الدواء.
على إحدى الصفحات الشهيرة، كتبت هبة علي، تقول: محتاجة علبتين يوثيروكس، واحدة تركيز 50، والتانية تركيز 100، لو سمحت ضروري، وكتبت نجلاء أبو زيد، تقول، عاوزة علبة يوثيروكس 100، وكتب سامح الكاشف يقول، محتاج علبة يوثيروكس تركيز 100 .
مرضى الغدة الدرقية يبحثون عن العلاج على الإنترنت
بوابة الأهرام تبحث مع المرضى
لم يقف دور تحقيقات "بوابة الأهرام"، عند تلقّي شكاوى مرضى الغدة بشأن الغياب المفاجئ للدواء، ومعاناة البحث عنه، إذ قامت بدورها بالتواصل مع مسئولي شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، ناقلة إليهم أزمة نقص الدواء، فكان الرد من رئيس الشعبة، الدكتور علي عوف، بأن الدواء متوفر بصيدليات الإسعاف، ولا توجد أزمة نقص.
الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية
صيدلية الإسعاف
تواصلت تحقيقات "بوابة الأهرام"، مع صيدلية الإسعاف، برمسيس، متسائلة عن دواء يوثيروكس، الغائب، ليأتي الجواب من موظف الشباك قائلًا :"كل أدوية الغدة ناقصة ومش موجودة حاليًا".
وتساءلت تحقيقات "بوابة الأهرام"، عن سبب نقص الدواء، وكان الرد أن الدواء به مادة خام، مستوردة من الخارج، وتحديدًا من ألمانيا، وسيتم توفيره بعد فترة مع زيادة في السعر بسبب تغير سعر الدولار.
صيدلية الإسعاف
شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية
وبالعودة إلى الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، ونقل إليه رد صيدلية الإسعاف، الذي أفاد بعدم وجود الدواء، قال الدكتور علي عوف: تواصلي مع هيئة الدواء.
هيئة الدواء المصرية
تواصلت تحقيقات "بوابة الأهرام"، مع هيئة الدواء المصرية، على الخط الساخن 15301، وأبلغت عن نقص الدواء، بعد أن طلب الموظف بيانات الهوية الشخصية، ناصحًا بالتوجه إلى أي صيدلية، وطلب الدواء منها عن طريق أي من هذه الشركات "المصرية – المتحدة – ابن سينا – فارما".
هيئة الدواء المصرية
وقال الموظف في المكالمة :"هذه شركات توزيع، يتواجد لديها الدواء، ولكن يجب أن تطلبه الصيدلية، لأن هذه الشركات تتعامل مع الصيدليات وليس مع الأفراد".
سلاسل الصيدليات
بدورها تحقيقات "بوابة الأهرام" تواصلت مع أحد سلاسل الصيدليات الكبرى، والذي أكد الطبيب المتواجد بها عدم وجود دواء الغدة، وعندما طلبنا طلب الصيدلية للدواء من إحدى الشركات السابق ذكرها، والتي أرشدتنا إليها هيئة الدواء المصرية، كان رد الطبيب: "للآسف منقدرش نطلبه لأننا عندنا المخازن الخاصة بينا ومش بنتعامل مع غيرها".
نقص دواء الغدة يطرح عبوات منتهية الصلاحية
وكانت تحقيقات "بوابة الأهرام" قبل التواصل مع مسئولي الدواء في مصر، قد تواصلت مع مجموعة صيدليات بمختلف المحافظات، أكدوا عدم وجود دواء الغدة، لافتين لارتفاع سعر المادة الخام الموجودة بالدواء نتيجة ارتفاع سعر الدولار، وآخر مستنكرًا هذا النقص في الدواء، بينما عرض أحدهم علينا علبة دواء يوثيروكس تركيز 100، منتهية الصلاحية في شهر 6 الماضي، قائلًا :"مفيش مشكلة هي بس كفاءتها هتقل 20%"!.
مجلس النواب
نقص دواء الغدة من الأسواق، وصل إلى البرلمان، بعد أن تقدم النائب هشام حسين، أمين سر لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب، بطلب إحاطة إلى المستشار حنفي جبالي، رئيس المجلس، مُوجه إلى الدكتور وزير الصحة بشأن نقص دواء الغدة من الصيدليات، وما يترتب عليه من تداعيات سلبية خاصة بمرضى الغدة الدرقية.
الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان
مرضى الغدة الدرقية يستغيثون بوزارة الصحة من نقص الدواء
وبين محاولات البحث الميدانية بين صيدليات الجمهورية، ومحاولات البحث الإلكترونية عبر صفحات "السوشيال ميديا"، عن الدواء الغائب، يبقى مرضى الغدة الدرقية داخل دائرة المرض يصارعون شبح الخوف من المضاعفات الخطيرة التي تهدد صحتهم بسبب غياب الدواء، مستغيثون بوزارة الصحة، فهل تتحرك الوزارة لنجدتهم ؟.