لا يقتصر الخطر الذي قد يداهم الإنسان خلال ارتفاع درجات الحرارة على الجانب الصحي وضربات الشمس فقط، بل يمتد إلى تهديد مستقبل العديد من الكائنات الحية على سطح الأرض، فارتفاع درجة حرارة الأرض قد يتسبب في إبادة ربع أنواع الكائنات الحية من نبات وحيوان على سطح الأرض ويضر مليارات البشر بحلول عام 2050.
ويشهد العالم خلال هذه الآونة موجات متلاحقة من ارتفاع الحرارة غير مسبوقة، حيث سجلت درجات الحرارة أرقاما قياسية في الأيام الماضية في جميع أنحاء العالم، وتجاوزت درجات الحرارة العالمية متوسط 17 درجة مئوية على سطح الكوكب لأول مرة، مما تسبب في هروب الكائنات البحرية في البحيرات والمحيطات بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وكان العلماء حذروا من أن عام 2023، قد يشهد رقما قياسيا لدرجات الحرارة بسبب التغير المناخي، وأشاروا أيضا إلى أن ظاهرة النينا التي يقصد بها التبريد الطبيعي للمحيط والتي كانت بمثابة مضاد للاحتباس، قد حل محلها الظاهرة المضادة بتدفئة مياه المحيطات والمعروفة باسم النينو، وقد شهد شمال الأطلنطي تدفئة قياسية هذا العام.
خطر الحرارة
وتعد الحرارة هي أحد أخطر الأحداث المرتبطة بالطقس، ففي الصيف الماضي تسببت الحرارة المرتفعة في أوروبا في وفاة أكثر من 60 ألف شخص، وكشفت دراسة دولية أن ارتفاع حرارة الأرض قد يتسبب في إبادة ربع أنواع الكائنات الحية من نبات وحيوان على سطح الأرض، ويضر مليارات البشر بحلول عام 2050، فيما سيمثل واحدا من أكبر نوبات الاندثار الجماعي منذ انقراض الديناصورات.
اختفاء دول بسبب ارتفاع درجات الحرارة
وسجلت أعلى درجة حرارة على الكوكب منذ عصور يوم 4 يوليو الماضي، بحسب الدكتور وفيق نصير عضو البرلمان العالمي للبيئة، الذي يؤكد أننا ننتظر في قمة المناخ المقبلة في الإمارات العربية المتحدة، التغير وتحرك العالم الحقيقي تجاه ظاهرة التغيرات المناخية.
ويؤكد عضو البرلمان العالمي للبيئة، أنه من الممكن أن يحدث هجرة جماعية من مناطق لأخرى بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وقد تختفي دول في شكل جزر، ويحدث تغيرات كبيرة في شكل الكوكب، لافتا إلى أن فيروس كورونا كان رد فعل طبيعي من البيئة لإنقاذ نفسها، وحصد أرواح مواطنين حول العالم.
وتضخ الدول في التسليح في الحرب الروسية الأوكرانية مليارات الدولارات، ويجب الصرف على حياتنا بدلا من الصرف على الأسلحة، والبرلمان العالمي للبيئة يحاول خلال الفترة الأخيرة إيقاف الحرب، ومنع الدخول في حرب نووية، لذا يؤكد "نصير" على ضرورة إيقاف الحرب، وبعد ذلك وضع نظم، لأن استخدام الأسلحة النووية في الحرب الروسية الأوكرانية خطر كبير على البيئة وخاصة بعد الأسلحة العنقودية.
وتوقع عضو البرلمان العالمي للبيئة، توقف الحرب الروسية الأوكرانية قبل قمة المناخ في الإمارات العربية المتحدة المقبلة، وفي حالة استمرار الوضع كما هو عليه ننتظر كوارث حقيقة وليست كما نجد حاليا.
ظاهرة القبة الحرارية
وتتعرض 7 دول عربية منذ أيام لارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، تصل في بعض الأحيان إلى 50 درجة مئوية، تزامنا مع تحذيرات الأمم المتحدة من أن العالم ككل بدأ في تسجيل أعلى درجات حرارة مرصودة في تاريخه، والخرائط الجوية تظهر أن الكتلة الحارة تؤثر على 7 بلدان عربية، هي مصر والعراق والسعودية وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين.
وتصبح الأجواء حارة في تلك الدول، بل وشديدة الحرارة في العراق، حيث تقارب درجات الحرارة 50 درجة مئوية في العاصمة بغداد، ويعود الارتفاع المتوقع إلى ما يعرف باسم "القبة الحرارية"، التي يتسبب فيها تمركز المرتفع العربي الموسمي على شمال شبه الجزيرة العربية، وهي ظاهرة تتكرر في هذا الصيف، وحدثت في الولايات المتحدة قبل نحو شهر.
والقبة الحرارية منطقة جوية معزولة نوعا ما، تتولد نتيجة نشوء منطقة ضغط عال في طبقات الجو العليا (ستراتوسفير) بسبب الانخفاض النسبي في درجة الحرارة، مقارنة مع طبقات الغلاف الجوي الأدنى منها (التروبوسفير) ذات الحرارة الأعلى، ومع تراكم كتلة من الهواء الساخن أسفل منطقة ضغط مرتفع في الطبقات العليا للغلاف الجوي في ذات المنطقة، فإن المرتفع الجوي (منطقة الضغط العالي) يعمل على دفع الهواء الساخن للأسفل ليصبح مضغوطا ويصغر حجمه، ويصبح أكثر سخونة.
مدة استمرار القبة الحرارية
وعندما يحاول الهواء الساخن الارتفاع لأعلى فإن الضغط العالي فوقه يجبره على النزول، إثر هذا ترتفع حرارة الهواء في الطبقة الدنيا للغلاف الجوي أكثر، وبحدود 5 إلى 10 درجات تقريبا، تستمر القبة الحرارية من يومين إلى 7 أيام، وقد تبقى لفترات أطول، ويختفي تأثير القبة الحرارية في المنطقة التي تظهر فيها بمجرد فقدان أي عامل من عوامل نشوئها، مثلا إذا انخفض الضغط في طبقة "الستراتوسفير" من الغلاف الجوي.
لذلك هي ظاهرة لا تنتقل من منطقة لأخرى، وفي ذات الوقت لا ينحسر تكونها على مناطق دون أخرى، فيمكن أن تظهر في أي منطقة على سطح الأرض بمجرد توافر الأسباب، وتشير بيانات الطقس إلى وجود ضغط مرتفع ودرجات حرارة عالية هذه الأيام، يعني ذلك أن هناك قبة حرارية متولدة.
إبادة ربع أنواع الكائنات الحية
وقدرت الدراسة الدولية، ما يتراوح بين 15 و37% من جميع المخلوقات يمكن أن يبلغ حد الفناء نتيجة للتغيرات المناخية بحلول عام 2050 مع تقدير متوسط يبلغ 24 % منها أي ما يقرب عن مليون نوع، وأكد كريس توماس أستاذ علوم حماية الأحياء بجامعة ليدز في إنجلترا وكبير الباحثين في الدراسة، أن الانبعاثات الناجمة عن عوادم السيارات والمصانع يمكن أن ترفع الحرارة مع نهاية القرن إلى مستويات لم تشهدها الأرض في فترة تتراوح بين مليون و30 مليون سنة، مما يشكل تهديدا للعديد من المحميات، داعيا إلى الاستعانة بتكنولوجيا جديدة ونظيفة لتوليد الطاقة.
وشمل المسح الذي يعد الأكبر من نوعه ستة أقاليم تشكل 20 % من اليابسة، وتناول بالدراسة العلاقة بين ظاهرة الاحتباس الحراري و1103 أنواع من النباتات والثدييات والطيور والزواحف والضفادع والحشرات في جنوب أفريقيا والبرازيل وأوروبا وأستراليا والمكسيك وكوستاريكا واستقرأ النتائج المتوقعة حتى عام 2050، والاندثارات التي يخشى منها كبير الباحثين، يمكن أن تكون الأسوأ منذ اختفاء الديناصورات قبل 65 مليون سنة.
والتقرير الذي يبرز المخاطر التي تحيق بالمخلوقات من فراشات أستراليا إلى صقور أسبانيا يظهر حاجة العالم إلى تأييد اتفاقية كيوتو الرامية إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن التلوث الذي يسببه البشر، ومن الأنواع المعرضة للخطر أصناع من الأشجار في الأمازون وصقر إسبانيا الإمبراطوري وعظاءة الغابة في أستراليا، والطيور من أمثال طائر القرزبيل الأسكتلندي يمكن أن تنجو فقط إذا استطاعت الطيران إلى آيسلندا.
دور الانبعاثات الحرارية في رفع درجة الحرارة
وتتوقع دراسات أجرتها الأمم المتحدة، أن ترتفع درجات حرارة الأرض بمقدار يتراوح بين 1.4 إلى 5.8 درجات مئوية بحلول عام 2100 بسبب الانبعاثات الكربونية الناجمة عن استخدامات البشر في الأساس، ويمكن أن تؤدي الحرارة المرتفعة إلى ظواهر مناخية عنيفة مثل الفيضانات وموجات الحر الشديد والأعاصير.
ويشير التقرير إلى أن الاندثارات ستضر المليارات من البشر، خاصة في دول العالم الثالث حيث يعتمد الإنسان على الطبيعة في الحصول على الغذاء والمأوى والدواء، واتفاقية كيوتو التي تهدف إلى تقييد انبعاث غازات ثاني أكسيد الكربون تحتاج لتوقيع الدول المسئولة عن 55 % من هذه الانبعاثات لكي تصبح نافذة.
وقد وقعت حتى الآن دول يبلغ مجموع نصيبها من الانبعاثات 44 %، ولا يمكن بلوغ نسبة 55 % دون توقيع روسيا المسئولة وحدها عن 17 % من هذه الغازات بعد أن انسحبت الولايات المتحدة المسئولة عن 36% منها عام 2001 بحجة أنها مكلفة للغاية، وأنها استثنت عن غير حق الدول الفقيرة، بينما تقول موسكو إنها مترددة.
ضحايا أزمة المناخ وارتفاع درجات الحرارة
والبشر ليسوا النوع الوحيد الذي تأثر بأزمة المناخ على كوكب الأرض، حيث يؤكد الدكتور مجدي علام أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، أن الحياة البرية والموائل في العالم أيضا تواجه تغيرات عميقة قد تكون كارثية، فارتفاع درجات الحرارة يمكن أن تؤدي إلى انهيار النظم البيئة الهشة وموجات هائلة من الانقراض.
ومن أكبر التهديدات التي تسببها أزمة المناخ على الحياة البرية، ما يلي:
-
فقدان الموائل:
يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الغطاء النباتي ومصادر الغذاء والوصول إلى المياه، وقد تصبح النظم البيئية غير صالحة للسكن لحيوانات معينة، مما يجبر الحياة البرية على الهجرة خارج أنماطها المعتادة بحثا عن الغذاء والظروف الصالحة للعيش، ويتسبب في موت حيوانات، وإذا استمرت معدلات فقدان الموائل وتجزئتها بسبب التنمية البشرية والإحترار العالمي، قد نفقد أفيال أفريقيا في الأربعين عاما القادمة.
-
الكوارث الطبيعية:
تزداد خطورة حدوث الكوارث الطبيعية بمقدار خمسة أضعاف، مقارنة بما كان عليه الحال قبل 50 عاما، والكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ مثل الجفاف وحرائق الغابات الأعاصير، تتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والموائل والحيوانات الأليفة والحياة البرية، فقد أسفرت حرائق الغابات في أستراليا 2020، قتل وتشريد ثلاثة مليارات من الكوالا والكنغر والحيوانات الأخرى.
-
صراع الإنسان والحياة البرية
يتسبب تغير المناخ في تكثيف الصراع بين الإنسان والحياة البرية من خلال فقدان الموائل والظواهر المناخية الشديدة، مما يجبر البشر على مشاركة المساحات المزدحمة بشكل متزايد، ويتجولوا باحثين عن الغذاء والماء، ليحدث الصراع الذي يؤدي إلى تأثير مدمر على الحيوانات المتضررة.
-
الانقراض
يمكن أن تتسبب مجموعة التحديات في انقراض العديد من الحيوانات، ومن المرجح أن تواجه الحيوانات الأكثر عرضة للخطر في العالم، والتي كانت على وشك الانقراض بالفعل، مثل حوت شمال الأطلسي الصائب، ويمكن أن يؤدي ارتفاع درجة حرارة المحيط إلى جانب الفشل في تقليل الصراعات مع البشر، إلى الانقراض.
-
ارتفاع مستويات سطح البحر
ارتفاع درجات الحرارة تزيد المحيطات دفئا، وتهدد فترات الجفاف الأطول والأكثر حدة المحاصيل والحياة البرية وإمدادات المياه العذبة، ويتعرض تنوع الحياة على كوكبنا لخطر تغير المناخ فمن الدببة القطبية في القطب الشمالي إلى السلاحف البحرية قبالة سواحل إفريقيا.
حروب بسبب ارتفاع درجات الحرارة
وارتفاع درجات الحرارة في المحيطات يمثل خطرا كبيرا على كوكب الأرض، ويوضح "علام"، أن التغيرات المناخية تهدد بحروب بين دول العالم، ويتحرك العالم بجدية وبشكل سريع في هذا الملف وخاصة بعد ارتفاع درجات الحرارة في الفترات الأخيرة.
وتهدد ارتفاع درجات الحرارة جميع الكائنات الحية، لاسيما البحرية، محذرا من القبة الحرارية، والكائنات الحية في البحار والمحيطات هربت بسبب ارتفاع درجات الحرارة، فقد لا نرى أمطار نهائيا بسبب القبة الحرارية، حال عدم مواجهة التغيرات المناخية.