ظلت أحلامي تلاحقني عن كثب منذ الطفولة، وكان أحد هذه الأحلام المتأججة "الصالون الثقافي" على غرار صالون مي زيادة الذي كان يحرص على حضوره باقة منتقاة من مبدعي المحروسة، عباس العقاد وتوفيق الحكيم وطه حسين ومصطفى الرافعي وغيرهم، وكل مبدع على مشارف الطريق يسعى جاهدًا للحضور وسط هذه النخبة الرائعة.
وظلت ظاهرة الصالون الثقافي في حالة من الصعود والهبوط منذ بدايتها أواخر القرن الـ 19 وحتى الآن.
وكأنها تمضي بالتوازى مع الوضع السياسي والاجتماعي للبلد، شأنها شأن جميع المناحي المجتمعية، وبعد أن ترعرع الأديب الرائع إحسان عبدالقدوس في صالون والدته روزاليوسف وتتلمذ الفيلسوف العبقري أنيس منصور في صالون العقاد، نضح على الساحة الآن مجاميع غفيرة من الصالونات المبهمة وربما المفرغة من محتواها، ولم يعد لها أي تأثيرات على الحياة الثقافية في مصر وكأنها ضجيج بلا طحين!
ولأنني على يقين أن مصر ولادة وأن الإبداع يفوح من طمي نهرها الخالد مدى الحياة دون أن ينضب، فضلا عن أن خير طرق العلاج للمشكلات هو إيجاد الحل الأصوب وتقديم النموذج الأصح وقمع شهوة النقد والانتقاد والامتعاض المفرط والعض على الشفاة من الغيظ، فالأجدى بنا أن نحاول طرح بدائل بمواصفات مطابقة لأحلامنا المشروعة ومتسقة مع احتياجاتنا العصرية.
من هنا أجهزت على فكرة الصالون مصرة على تنفيذها بما يليق بنا وبمجتمعنا، وبما أنني ابنة صاحبة الجلالة الصحافة فقد اتخذت قراري بأن يكون الصالون الأول خاص بقضية الصحافة وما آلت إليه الأوضاع، في حلبة السباق التكنولوجي والاتصالي التى طالت جميع المجالات، بالإضافة للفجوة الغائرة بين المعطيات الأكاديمية والنقابية وما يتطلبه سوق العمل تحت القصف التكنولوجي والغزو الرقمي.
وكان ضيوف صالون "بنت العزيز الثقافي" مجموعة منتقاة من خيرة جنود الصحافة وفي مقدمتهم السيد النقيب خالد البلشي الذي قدم لنا بشكل ودي مفعم بالصبر إجابات شافية على التساؤلات المثارة بشدة يصحبها قلق على مستقبل الصحافة، وأكد أنه على يقين بأن المستقبل غير مقلق طالما نحن على وعي بأهمية ما نقدمه من سلعة ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها ألا وهي "المعرفة" فضلا عن حق المواطن في الحصول على المعلومة من مصادرها الموثوقة والموثقة.
وأضاف أن مركز التدريب في نقابة الصحفيين سوف يكون له دور، لافتا في إعادة تأهيل الصحفيين على مستحدثات الاتصال الجماهيري الراهنة وإعداد مجموعات كبيرة لمواكبة الغزو الرقمي المتسارع، وفتح قنوات متعددة مع الحكومة للعمل على تحسين أحوال الجماعة الصحفية بوجه عام وتطوير النقابة بشكل خاص؛ من خلال خلق مصادر حديثة للدخل المالي وزيادة الموارد، وعلى رأسها الاستفادة من محركات البحث من خلال اتفاقيات على غرار ما حدث في النرويج وتركيا.
وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
لكل زمان مضى آية
وآية هذا الزمان الصحف
لسان البلاد ونبض العباد.
وفي واقع الأمر أنا أتفق جدًا مع مقولة الصحفية الأمريكية هيلين توماس: نحن لا ندخل الصحافة لنكون شعبيين. إن مهمتنا هي البحث عن الحقيقة والضغط المستمر حتى نحصل على إجابات.
فالسعي وتقصي الحقائق والغوص في النزق الإخباري والبحث عن المصدر... أهم آليات العمل الصحفي، سواء كان ورقيًا أم إلكترونيًا، وستظل الكلمة هي الأساس مهما تكالبت الظروف
ــ أتعرف ما معنى الكلمة؟
قد أخبرنا بالمعنى الأديب عبدالرحمن الشرقاوي حين وصف الحوار بين الوليد والحسين قائلا:
مفتاح الجنة في كلمة
دخول النار على كلمة
وقضاء الله هو الكلمة
الكلمة لو تعرف حرمة
زاد مذخور
الكلمة نور
وبعض الكلمات قبور
بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري
الكلمة فرقان بين نبي وبغي
بالكلمة تنكشف الغمة
الكلمة نور
ودليل تتبعه الأمة.