البحث العلمي.. مؤشرات بلا حصاد

15-7-2023 | 12:29

ما أكثر علمائنا وباحثينا،، الذين أنعم الله، سبحانه، علينا بهم في الخارج  أو في الداخل، في الخارج فإن الكوكب يشهد ويشاهد أن "المصري ُخلِق ليُبدِعْ"، وفي الداخل لا يتوقف توالي اخبار الأبحاث الفريدة علي أيدي شباب وشابات الوطن، كما توضح المؤشرات العلمية الرسمية، وتقر به الدوريات العلمية العالمية، إلا أن المحصلة والنتائج لا تتوافق مع هذا النبوغ العلمي المصري المشهود، فالمدخلات لا تتوافق مع المخرجات.

الدولة لم تقصر ولم تتردد عن دعم البحث العلمي، فقد كفل الدستور تحفيز العلماء، وفتح آفاق التطور العلمي بتمويل أبحاثهم، كما تنص المادة "23" على: "تكفل الدولة حرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن 1% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية".

كما وصل عدد الأبحاث التي تم نشرها أكثر من 44 ألف بحث علمي حتى عام 2022، واستطاعت مصر أن تتقدم في مجال البحث العلمي إلى المركز الـ 24 عالميًا، كما تظهر المؤشرات الصادرة عن كيانات دولية مثل "اليونسكو"، والبنك الدولي".

وبالرغم من توافر التمويل الذي تبناه الدستور، بعد أن خصصت الحكومة 64 مليار جنيه للبحث العلمي، نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وبزيادة 4 مليارات جنيه عما جاء في موازنة العام الماضي، إلا أن ما تم حصاده لا يليق ولا يتناسب مع هذا الإنجاز والمساندة، حيث لا نرى مخرجات لبراءات الاختراع، ودائمًا ما يقفز هذا الحصاد المتواضع إلى الذاكرة في صورة  ذهنية سلبية عند كل بحث أو كشف علمي جديد، كما حدث الأسبوع الماضي، بعد أن أطل علينا الباحث بجامعة المنصورة  "ماهر منير عقل"، عبر برنامج "مصر تستطيع" التلفزيوني، ليبشر بنجاحه في الوصول إلى عقار يشكل طفرة في علم الأورام، حيث يقضي على الخلايا السرطانية خلال 10 أيام، وترقب من شاهده، أن نهاية بحثه ستضاف إلى الأدراج بجوار من سبقوه من الباحثين وهم كثر.

الباحث عمره "23 عامًا"، تمكن من علاج غير مسبوق عالميًا، ونشر بحثه في الإصدار العالمي "CANCER ADVANCED"، حيث يستهدف علاج الخلايا السرطانية الصلبة، ليقضي على نسبة 95% من الخلايا السرطانية، وتحدث للإعلامي مقدم البرنامج أحمد فائق، واهتم الباحث بالمرض، بعد تأثره بإصابة والدته بالمرض، عندما كان في سن "18 عامًا".

التفاصيل بعد ذلك كثيرة، ونتركها للعلماء، ولكن الأهم هو الإجابة عن التساؤل المهم والمعلق مع ظهور كل مخترع أو بحث جديد، فبالرغم من كل هذا الاهتمام الرسمي، والدستوري، وتوافر التمويل، والحشد العلمي، لماذا لا نرى حصادًا أو نتائج إيجابية تليق وتعكس هذا الاهتمام والحشد؟

حدد باحثون عددًا من المعوقات تحول دون جني ثمار البحوث العلمية، أهمها أن عملية توزيع مراحل التمويل وتخصيص تفاصيل البنود للبحث غير منصفة، فضلا عن إهمال بند التمويل الخاص بصيانة المعدات الخاصة بأجهزة المختبرات ومعامل البحث، إضافة إلى سبب جوهري وهو غياب مشاركات القطاع الخاص في مجال تشجيع البحوث وتبني الباحثين، يضاف إليها عقبات الجمارك، حيث غالبية المعدات والأجهزة وعينات البحوث الخاصة بالعلوم والبحوث التطبيقية، يتم استيرادها من الخارج.

مؤكد أن هناك جهودًا طموحة لدفع مخرجات البحوث المصرية إلى الأمام، مثل ما أطلقت أكاديمية البحث العلمي مبادرة "Science Up"، لرفع كفاءة معامل البحوث والتطوير بالجامعات الحكومية، إلا أن هذه الجهود هي برامج مرحلية وجزئية، تعطي أثرًا متواضعًا، فالبحث العلمي لكي يتقدم ويثمر، لابد من أن يعمل في إطار حشد قومي وبيئة حاضنة متكاملة ترتبط بثقافة ومناخ عام، ولاتتوقف عند كيان واحد أو وقت أو مكان محدد.

ومن بين الأنباء العلمية والإنسانية المتفائلة، ما قام به د. كريم أبوالمجد رئيس قسم جراحات الجهاز الهضمي وزراعة الأمعاء بمستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة، ومعروف هناك باسم "الساحر المصري"، شاهد الإشاعات والتقارير الخاصة بمريض، وهي طبيبة من بنجلادش اسمها "شارمن"، وبعد فشل كل الأطباء في بلدها فى علاجها من آلام مبرحة في بطنها، تمكنت أن تتواصل إلكترونيا مع أشهر طبيب متخصص فى علاج الحالات النادرة والميئوس منها، وهو د. كريم، الذي أخبرها بضرورة إجراء عملية جراحة نادرة لإعادة ترتيب الأمعاء الدقيقة لها، ولن يتقاضى منها مقابلًا ماديًا، ولكن  تكلفة المستشفى الشهير تتجاوز 500 ألف دولار.. الطبيبة الصغيرة أرسلت إليه قائلة: إنني لا أملك حتى ثمن تذكرة السفر للولايات المتحدة، ليقرر د. كريم إجراء الجراحة الدقيقة لها بمستشفى القصر العيني بالقاهرة وبالمجان بشرط حضور عدد من الأطباء المصريين للجراحة ليتعلم هؤلاء هذا النوع من الجراحات النادرة.

هؤلاء هم أبناء مصر المخلصون في كل وقت وفي كل مكان عبر القارات، هم قوة مصر الناعمة، فهل نضع لهم "ميثاقًا لأخلاقيات البحث العلمي"، لتأمين جهدهم، ولضمان ترجمة بحوثهم الجادة إلى ما يفيد الوطن، والأجيال المقبلة، والإنسانية.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة