12-7-2023 | 13:11

ليس سرًا أن هناك امتعاضًا شديدًا يسود أوساطًا كثيرة من بلدان وقارات العالم من الشروط المجحفة وغير المنصفة التي تفرضها بعض المؤسسات المالية العالمية المهيمنة، ومنها صندوق النقد الدولي، لتقديم قروض للذين يمرون بأزمات ومصاعب اقتصادية، ومن سيطرة الدولار الأمريكى على المعاملات، وهناك محاولات لا تنتهى لكسر هذا القيد والتحرر من أسره.

ويدب الحماس في آسيا، منذ تفجر الأزمة الاقتصادية العالمية عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لإيجاد بدائل تتسم بالمرونة وتكون أكثر عدلا ومراعاة لأحوال وظروف الدول التي تجبرها أوضاعها المالية والاقتصادية الطارئة على الاقتراض من الخارج، وتنهكها باشتراطاتها الخانقة، وبدأت تعيد الاعتبار لأفكار ومقترحات سبق طرحها قبل سنوات، لكنها لم تلق حظها الواجب والمعتبر من الاعتناء والدراسة، وتهيئة المناخ المساعد على إنجاحها، وأن ترى النور. من بين هذه الاقتراحات تأسيس صندوق نقد آسيوى، الذي كانت اليابان ـ ثانى أكبر قوة اقتصادية آنذاك ـ أول الداعين إليه، بعد نشوب الأزمة المالية الآسيوية عام ١٩٩٧، التي عصفت بمنطقة شرق آسيا وجنوب شرقها، وانهارت بسببها العملات الوطنية، جراء المضاربات عليها بالبورصات الآسيوية والعالمية، وتتداول الدوائر المعنية بآسيا في الآونة الأخيرة الفكرة القديمة الجديدة لبلورتها داخل قالب يتناسب مع ما طرأ من تغيرات اقتصادية شهدتها القوى الإقليمية الكبرى، وفي مقدمتها الصين.

وما يجعلها متحمسة بشغف للفكرة وراغبة في تطبيقها بآليات تمكنها من البقاء والاستمرار والمنافسة، أن الآسيويين يؤمنون بأنه من الظلم والغبن تمحور النظام الاقتصادى والنقدى العالمى حول الولايات المتحدة وارتكازه عليها، وأن تتحكم فيه بهذه الصورة، على الرغم من أنه يتم دفع ٤٠٪ فقط من قيمة التعاملات التجارية بالدولار، وأن اللاعبين والمؤثرين الجدد على الساحة الاقتصادية، مثل الصين يحق لهم نيل فرصتهم، وأن تصبح عملاتهم الوطنية متصدرة المشهد وغير مقصورة على العلاقات التجارية الثنائية، كما هو الحال مثلا بين البرازيل والصين البالغ حجم تجارتهما ١٦٠ مليار دولار.

كما أن لديهم قناعة ثابتة بأن وصفات وروشتات صندوق النقد الدولى ليست بالضرورة الحل الأمثل والأنجع والأوفق للمشكلات الاقتصادية والمالية الناشبة هنا وهناك، ويستدلون على صحة رؤيتهم تلك بما فعلته ماليزيا في خضم الأزمة المالية الآسيوية، حيث رفض رئيس وزرائها حينئذ محاضر محمد، السير في ركاب الدول المتضررة منها ككوريا الجنوبية واليابان وتايلاند والفلبين وغيرها التي أجبرت على اللجوء لصندوق النقد الدولي للتغلب عليها، وتحصين عملاتها الوطنية وهياكلها الاقتصادية من التعرض لمزيد من التداعي والاختلال.

حينها لم يأبه محاضر بانخفاض قيمة "الرينجيت" الماليزي بنسبة ٣٥٪، وتراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي، وشكل هيئة وطنية برئاسته لإخراج البلاد من أزمتها، واقتفى أثر النموذج الصيني المعتمد على سيطرة الدولة على العملة المحلية، والسماح للاستثمار الأجنبي بالدخول إلى قطاعات محددة، وطبقه مع إدخال تعديلات طفيفة عليه، وقرر أيضًا إعادة هيكلة نظامها المالى، وتطوير سوق السندات المحلية، وخفض أسعار الفائدة، وحصد في الختام جائزته الكبرى بتخطي الأزمة بأقل أضرار ممكنة على الأصعدة كافة.

إذن الفكرة واعدة ومبشرة، وقابلة لهندستها وصياغتها على مبدأ التوافق بين الفاعلين بالقارة الآسيوية التي تضم كيانات اقتصادية عملاقة ولها أوزانها كالهند، والشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، واليابان، وإندونيسيا، والصين، وبما يخدم مصالح الجميع، ويحقق قدرًا من التوازن والعدالة بالمنظومة المالية العالمية، ولا يكون الإجحاف شرطًا لتنفيذها وعملها.

لكن حتى تعرف سبيلها لأرض الواقع وتلج فى مرحلة التطبيق العملى يتحتم توافر شروط مسبقة، أهمها الاتفاق على العملة الرئيسة المعتمدة بصندوق النقد الآسيوى، وتنحية النزاعات المحتمل نشوبها، حول مَن سيكون له القول الفصل به، ولا تتحكم الخلافات السياسية بين الشركاء الآسيويين وتؤثر على عمله واتجاهاته، وكذلك آلية تمويله ومنح القروض وشروطها، وهل سيقتصر عمله على آسيا أم سيتوسع إلى  القارات الأخرى.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيترك المسيطرون على صندوق النقد الدولي البلدان الآسيوية تنشئ كيانًا قد يزاحمه وينافسه بضراوة ويقلل من حضوره ومكانته العالية؟

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة