فرنسا تعاني.. وتفهم لماذا؟

15-7-2023 | 12:51
الأهرام العربي نقلاً عن

فرنسا المستقلة ممنوعة من الصرف، فرنسا سائقة القطار الأوروبى وظيفة محفوفة بالمخاطر، الابتعاد عن الحلفاء القدامى قليلا يعنى الحصار، وإشعال الفوضى، الاقتراب من القرار المستقل يعنى الحكم بالتمرد، والخروج من حظيرة المجتمع الدولي، المحاولة لتقوية اليورو، أو أى عملة أوروبية أخرى فى مواجهة الدولار، كفيلة بتحويل باريس إلى بطة عرجاء، وعدم وضوحها من المسألة الأوكرانية - الروسية جعلها فى موضع شك.

قبل أقل من عامين واجهت باريس فخا مركبا من حلفاء الحرب العالمية الثانية القدامى، فبعد أن تعاقدت مع أستراليا على بيع غواصات نووية، تخلت الأخيرة فجأة عن الصفقة، وعقدت أخرى مزدوجة مع بريطانيا وأمريكا، لحظتها شعرت باريس بالإهانة، وكتبت الصحافة الفرنسة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين دفاعا عن كرامة بلد الأنوار، وصفت ما جرى بطعنة فى الظهر، إلى حد أن مانشيتات الصحف حملت عناوين مثل: عصابة عالمية ناطقة بالإنجليزية!

- هل هذا الوصف  يستدعى إلى الذاكرة تصريحات وزير الخارجية الروسى بأن «الأنجلوساكسون» يرغبون فى السيطرة على النظام الدولى بمفردهم؟

مع اندلاع المسألة الأوكرانية وقفت باريس مع الحلفاء المناهضين ضد روسيا، لكنها لم تقطع الصلة الدبلوماسية، تواصل الرئيس الفرنسى ماكرون والرئيس الروسى فلاديمير بوتين بحثا عن حل وسط، حاول أن يستقل بالقرار الأوروبى قليلا، اتصالاته الدائمة مع ألمانيا الشريك الثانى فى قيادة أوروبا الموحدة، بعد خروج بريطانيا بالبريكست من الاتحاد الأوروبي، كانت رسالة، أو محاولة للاستقلال فى الاقتصاد والطاقة والأمن، أما تصريحاته عن ضرورة تكوين جيش أوروبى موحد، أو إيجاد عملة تنافس الدولار، فشاهدة على هذا التصور العميق، والملح على العقل الفرنسي.

حادثة مقتل  الشاب نائل، جزائرى الأصل، أدت إلى اندلاع أحداث عنف مفاجئة، وإشعال حرائق، واعتداءات متبادلة بين أجهزة الأمن والشباب، واستخدام مخطط لمواقع التواصل الاجتماعي: فيسبوك، تويتر، سناب شات.

الاستخدام غير البريء جعل الرئيس ماكرون يصرخ تقريبا بأن ما تقوم  به  مواقع التواصل هذه يقترب من التحريض على العنف والشغب،  أما الحكومة الفرنسية  فدعت إلى اجتماع عاجل مع أصحاب هذه المنصات، وحذرتهم من العواقب، وطالبتهم بملفات تعريف المستخدمين، واستجابوا على الفور، فمفهوم الجمهورية يعلو على أى مفهوم، وعلى عجل سنت قوانين وتشريعات عقابية صارمة.
مواقع التواصل هذه لعبت دورا فى تجميع الشباب والمراهقين فى الشوارع والميادين والضواحي، جعلت ماكرون بنفسه يطالب الأسر الفرنسية بمنع أولادهم من النزول للشوارع.

الرسالة واضحة، على فرنسا أن تكتفى بدورها ضمن منظومة اتحاد أوروبى اقتصادي، وألا تفكر فى أبعاد سياسية خارجية مستقلة، أو دور أوسع، وخلال التظاهرات والفوضى شعرت باريس بأنها مشغولة بذاتها بعيدا عما يجرى فى أوكرانيا، أو بين أمريكا والصين، وكان ماكرون زار الأخيرة فى محاولة مستقلة لفتح الجسور بين بكين وأوروبا.

«الجمهورية الفرنسية» فكرة مقدسة من كل أطياف الفرانكفونية، واهتزاز مكانتها عبر الفوضى الخلاقة، أو الربيع الباريسى، يعنى مزيدا من الاختلال فى سياسة النظام الدولى الهش من الأساس.

يتجلى إدراك باريس بخطر هذه اللعبة فى إرجاء زيارة الرئيس ماكرون إلى ألمانيا، وهى الزيارة الرسمية المهمة من أجل أوروبا القوية، ثم اعتذاره عن اجتماعات القمة الأوروبية فى بروكسل وعودته إلى فرنسا، واجتماعه مع أركان الدولة الفرنسية لشعوره بالخطر على مصير الجمهورية، ولهذا فرنسا تعاني، وتعرف لماذا تستنفر فى نوبة صحيان.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: