في ضوء الصمت المطبق والمريب، على مدار أيام، بالعاصمة الكورية الشمالية، ترى ما هي الأفكار التي –ربما- تراود الزعيم الكوري الشمالي، للرد على ما أعلنته سول، بأن جيشها انتشل حطام قمر اصطناعي للتجسس، يوفر فرصة هائلة لخصوم بيونج يانج، وتحديدًا، للخبراء العسكريين في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة؟
انتشال الأجزاء الأساسية من الحطام استغرق 36 يومًا، بدأت فور سقوطها بالبحر الأصفر، يوم 31 مايو، وانتهت الأربعاء الماضي، وقام خبراء من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بتحليلها، لمعرفة ما أحرزه برنامج تطوير الصاروخ بعيد المدى.
بيونج يانج كانت قد اكتفت بوصف محاولتها الفاشلة لإطلاق قمر اصطناعي للتجسس العسكري – وهو الطموح الإستراتيجي المهم لها في مجال تطوير البرامج الفضائية- بأنها أخطر عيب وقع في النصف الأول من عام 2023.
هذا التقييم صدر عقب اجتماع للجنة المركزية الثامنة لحزب العمال الحاكم، بثته وكالة الأنباء الرسمية باللغة الإنجليزية، وجاء فيه "فشل عملية الإطلاق بعد مرور ساعتين ونصف الساعة فقط- بسبب ما تردد عن دوران غير طبيعي لمحركات الصاروخ بعيد المدى- من النواقص التي لا يمكن التغاضي عنها"، مؤكدة تعهدها بوضع قمر بديل في المدار قريبًا.
أيضا وفي وقت سابق، اتهمت بيونج يانج كلا من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بدفع التوترات في شبه الجزيرة الكورية إلى شفا حرب نووية، وهذه الحرب ستكون شبيهة بالحرب الكورية 1950-1953.
في مقال نشرته صحيفة رودونج شينمون الرسمية، باللغة الإنجليزية، جاء: "أن الحرب قد تتوسع بسرعة لتصبح حربًا عالمية، نووية-حرارية غير مسبوقة، وإذا تسببت واشنطن في نشوبها، فإنها ستؤدي إلى نهاية الولايات المتحدة نفسها".
المراقبون لحالة الاحتقان الأمنية القصوى بشبه الجزيرة الكورية، يتلهفون على معرفة ما سوف يصدر عن بيونج يانج، من ردود فعل عنيفة، تجاه الخصوم، حتى ولو جاءت شفهية ناتجة عن تسرب البرامج السرية لتطوير الصواريخ الباليستية.
صمت بيونج يانج، المريب، صاحبه الكشف عن صور ملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية، تشير إلى أنه يجري زيادة عدد المباني والمنشآت بمدينتي موسان وهولونج، على الحدود الكورية الشمالية-الصينية، لتصبح بمثابة مرافق احتجاز للهاربين من الشطر الكوري الشمالي، وتتراوح أعدادهم فيما بين 600-1200 شخص، وتبذل الجهود الدولية المكثفة، لمنع إعادتهم إلى بلادهم بشكل قسري.
في تقرير صادر عن منظمة مبادرات التنمية البريطانية، بعنوان "المساعدات الإنسانية لعام 2023"، جاء: أن عدد الكوريين الشماليين المحتاجين للمساعدات بلغ حوالي 10.4 مليون شخص، وصنف بيونج يانج باعتبارها في فئة "بي 3+"، من حيث حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد، مشيرًا إلى أنه منذ عام 2019، كان لدى كل من كوريا الشمالية واليمن وسوريا والكونغو الديمقراطية وأفغانستان وفنزويلا حالة من استمرار احتياج أكثر من عشرة ملايين شخص إلى المساعدات الإنسانية.
على صعيد التوتر الأمني المتفاقم في شبه الجزيرة الكورية، وللمرة الأولى منذ شهر أكتوبر عام 2017، جرت تدريبات عسكرية مشتركة، بين قوات الولايات المتحدة البحرية، ونظيرتها الكورية الجنوبية في أواخر شهر يونيو الماضي، شاركت فيها الغواصة النووية الأمريكية، من فئة أوهايو، المزودة بصواريخ موجهة، في ضوء تعهد واشنطن بتعزيز الظهور المنتظم لأصولها الإستراتيجية.
وزير دفاع كوريا الجنوبية، لي جونج-سيوك، برر التحالف العسكري بين بلاده والولايات المتحدة، والتعاون الأمني الوثيق بين سول وطوكيو، بأنه يأتي ردًا على أن كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة التي تهدد بضرب دول أخرى بشكل استباقي، باستخدام الأسلحة النووية، وانتقد "بعض الدول" لتجاهلها سلوك بيونج يانج غير القانوني، الذي يتعارض مع القواعد المطبقة، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
مسئول كبير في وزارة التوحيد الكورية الجنوبية أكد -في وقت سابق- أن حكومته سوف تواصل اتباع سياسة ثلاثية الأبعاد، تتكون من الردع والمنع والدبلوماسية، لتحقيق نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية.
أوضح المسئول قائلا: "إذا حافظت سول وطوكيو وواشنطن على علاقة تعاونية محكمة، فإن ذلك سيردع استفزازات بيونج يانج، بشكل فعال، كما أن العقوبات لا تهدف إلى إزعاج الشعب الكوري الشمالي، ولكن لمطالبة الدولة بنزع السلاح النووي والخروج للحوار".
وأضاف: "المساعدات الإنسانية التي تهدف لتخفيف معاناة الشعب الكوري الشمالي ممكنة، حتى في حالة تصاعد التوتر العسكري".
بكين وموسكو أعربتا عن القلق الشديد، بسبب "الزيادة غير المسبوقة في الأنشطة العسكرية غير المتناسبة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وجهودهما المشتركة للتخطيط النووي وفقًا للردع الأمريكي الموسع بشبه الجزيرة الكورية".
ونبه كبير الدبلوماسيين الصينيين، وانج ويي، سول وطوكيو بالانتباه إلى جذورهما الآسيوية، محذرًا من توثيق علاقتهما مع واشنطن، قائلا: "إن هذا التوجه -الخطير- إذا لم يتم التعامل معه، فإنه سيعيق التقدم المحرز في التعاون الثلاثي، بين بكين وسول وطوكيو، ويصعد التوترات والمواجهات الإقليمية.
آخر تقرير سنوي صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ذكر أن كوريا الشمالية رفعت مخزونها النووي من 25 إلى 30 رأسًا نوويًا حتى شهر يناير الماضي، مؤكدًا أن بيونج يانج قادرة على تجميع ما يتراوح بين 50 و70 من الرؤوس النووية.
أوضح التقرير أن المعلومات المتعلقة بالأسلحة النووية لكوريا الشمالية تنطوي على قدر كبير من عدم اليقين، مشيرًا إلى أن القوة النووية تعتمد بشكل متزايد على ترساناتها النووية، وبدأ عدد الأسلحة النووية العاملة في النمو على خلفية الوضع الجيو-سياسي المتدهور الناجم عن الحرب في أوكرانيا، وذلك بالرغم من تراجع عدد الرؤوس النووية على مستوى العالم.
بلغ إجمالي عدد الرؤوس النووية في العالم 12 ألفًا و512 رأسًا حتى شهر يناير الماضي، بانخفاض مقداره 198 رأسًا مقارنة بنفس الفترة نفسها من عام 2022.
أما عدد الرؤوس النووية القابلة للاستخدام على مستوى العالم فيبلغ 9 آلاف و576 رأسًا، بزيادة مقدارها 86 رأسًا مقارنة بالعام الماضي.
حذر تقرير معهد ستوكهولم مما وصفه بـ احتمال أن تكون الصين دولة قوية مثل الولايات المتحدة وروسيا، من حيث عدد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، بعد مرور حوالي 10 أعوام، نظرًا لأن بكين ستقوم بتحديث وتوسيع ترسانتها النووية.
[email protected]