عقب إعلان وزارة الخارجية المصرية خبر رفع العلاقات الدبلوماسية ما بين مصر وتركيا إلى مستوى السفراء أود أن أوضح مفهوم العلاقات الدبلوماسية بين الدول؛ وليعلم الجميع ليس هناك صداقات أوعداوات بين الدول، إنما المصالح وحدها هي من تحدد طبيعة العلاقات.
ففي ليلة العاشر من رمضان التي انتصرت مصر فيها، تلقينا خبر قطع مصر للعلاقات الدبلوماسية مع قطر، وهناك فرق ما بين قطع العلاقات الدبلوماسية وتجميد العلاقات الدبلوماسية، فنصت اتفاقية فيينا على أن: "العلاقات الدبلوماسية تنشأ بين الدول، وتوفد البعثات الدبلوماسية الدائمة بناء على الاتفاق المتبادل بينهما"، أما قطع العلاقات الدبلوماسية، فيتم من طرف واحد وليس بالاتفاق بين الطرفين، إذ أنه عندما يحدث قطع للعلاقات الدبلوماسية من خلال الاتفاق المتبادل فإن ذلك لا يكون بمثابة "قطع"، لكن من خلال قرار ودي بغلق بعثات الدول المعنية، مع استمرار الاتصالات الدبلوماسية من خلال قنوات أخرى، ونصت اتفاقية فيينا، على أن تظل هذه البعثات الدبلوماسية قائمة في عملها حتى في بعض درجات التوتر في العلاقات بين الدول، ولكن حال قطع العلاقات تكون نهاية المهمة الدبلوماسية.
فالقانون الدولي العام لا يُلزم الدولة بأن تستمر في علاقاتها الدبلوماسية مع دولة أخرى، بل أعطاها الحق في أن تضع في أي وقت حدًا لهذه العلاقات بإرادتها المنفردة حتى لو لم تقم الدولة الأخرى بأي اعتداء أو خرق لقاعدة من قواعد القانون الدولي، وقد أكدت محكمة العدل الدولية ذلك في أحد أحكامها، إذ نصت على أن "لا تلتزم أي دولة بأن تحتفظ بعلاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع دولة أخرى" والدولة ليست مُلزمة ببيان أسباب قرارها بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة أخرى، ولكن جرى العمل على بيان هذه الأسباب، وأسباب قطع العلاقات الدبلوماسية عديدة ومن أبرزها: نشوب حرب بين الدولتين، وقد يكون قطع العلاقات بسبب رد فعل أو إجراء مضاد لانتهاك حق معين مثل تجميد أموال الدولة المودعة في بنوك الدولة الأخرى أو مصادرة أموال رعايا الدولة أو قيام أعضاء البعثة الدبلوماسية بالتجسس في الدولة المعتمدة لديها أو التدخل في شؤونها الداخلية.
وقد يكون قطع هذه العلاقات علامة من علامات التضامن مع دولة أو دول أخرى ومثال ذلك سنة 1973 قامت 20 دولة إفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل تضامنا مع الدول العربية الساعية إلى تحرير أراضيها التي احتلتها إسرائيل في حرب سنة 1967. وبالتالي تتوقف العلاقات ما بين تلك الدول المعنية ومن ثم يتم إغلاق السفارات والبعثات الدبلوماسية للدولتين المعنيتين واستدعاء أعضاء تلك البعثات، أما تجميد العلاقات الدبلوماسية: فإنه يعني وقف أو تعليق هذه العلاقات، فهو انقطاع مؤقت وعارض للعلاقات الدبلوماسية لا يصل إلى حد القطع النهائي لها، والفرق ما بن التجميد والقطع؛ ففي حالة قطع العلاقات الدبلوماسية فإنه لا يمكن استئنافها إلا بموجب اتفاق جديد بين الدولتين المعنيتين بينما لا يشترط ذلك في حالة الوقف، كما أنه لا يشترط في حالة استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد وقفها إصدار خطابات اعتماد جديدة.
كما أن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة، يستدعي صدور قرارات سيادية أخرى مثل: تعليق الرحلات السياحية والتجارية، والتوقف عن منح التأشيرات إلى مواطني البلدين، أو حظر تنقل مواطني الدولتين، أو تعليق العمل بالاتفاقيات الثنائية السارية في المجالات التجارية والاقتصادية والأمنية.وهذه الإجراءات في مجملها حق مشروع لأي دولة، تتعرض إلى خطر مصدره دولة أخرى لردعها، أو الضغط عليها لتتوقف عن الأعمال العدائية، أو التدخل في شئونها الداخلية وذلك وفقًا لقواعد القانون الدولي، فإن قطع العلاقات الدولية لا يعني أن الدولة مُقدِمة على حرب مع الدولة التي قطعت علاقاتها بها، كما أنه لا يعني إيقاف الأعمال القنصلية في الدولة، بل تلتزم الدولة صاحبة قرار قطع العلاقة بنص المادة 45 من اتفاقية فيينا الذي قول إنه "في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين أو إذا ما استدعيت بعثة بصفة نهائية أو بصفة وقتية تلتزم الدولة المعتمد لديها حتى في حالة نزاع مسلّح أن تحترم وتحمي مباني البعثة، وكذلك منقولاتها ومحفوظاتها، ويجوز للدولة المعتمدة أن تعهد بحراسة مباني بعثتها وما يوجد فيها من منقولات ومحفوظات إلى دولة ثالثة توافق عليها الدولة المعتمد لديها، ويجوز للدولة المعتمدة أن تعهد بحماية مصالحها ومصالح مواطنيها إلى دولة ثالثة توافق عليها الدولة المعتمد لديها"، ولا يؤثر قطع العلاقات الدبلوماسية على المعاهدات القائمة بين الدولتين، ويترتب على قطع العلاقات الدبلوماسية إنهاؤها وبالتالي تتوقف تماماً القنوات العادية للاتصال بين الدول المعنية، ومن ثم يتم إغلاق السفارات، والبعثات الدبلوماسية، للدولتين المعنيتين واستدعاء أعضاء تلك البعثات.