كل عام وحضراتكم بخير. انقضى عيد الأضحى وبقيت تبعاته، تداولت فضاءات التواصل الاجتماعي عدة صور لأحد أعمدة قطار المونوريل مُعَلقًا عليه لحوم أضاحي وإلى جواره شخص وبعض مستلزمات الجزارة، مما عُرف بجزار المونوريل. في الأثر، تحرك المسئولون واتخذت الإجراءات القانونية.
ثمة رسائل تثيرها الواقعة منها؛ شعور البعض أن مناخ العيد يرافقه عادة شيء من انفلات، أو على الأقل مخالفة يمكن تسويتها بعبارة تحمل الكثير من المعاني؛ (كل سنة وأنت طيب يا باشا)، يعزز ذلك انتشار شوادر الأضاحي في الميادين والشوارع وما يرافقها من سلبيات. تحويل الأرصفة العامة إلى ممتلكات خاصة للمحلات والمقاهي والعمارات. في تجاوز صارخ للقانون.
يُعرف السير وليام بلاكستون (1723 – 1780)، القانون بأنه (قاعدة العمل التي تفرضها السلطة الأعلى ويتحتم احترامها وتنفيذها ممن هم أدنى). الاحترام قرين إدراك الهيبة والنفوذ لسلطة مهيمنة نزيهة وعادلة، لذا قيل في الأثر (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
من هنا تتشكل هيبة القانون وتتحقق مقاصده، بإدراك المحكومين أن لا أحد فوق القانون، يثبت لهم ذلك ما يعاينونه حولهم من مظاهر حياة تخضع للقانون ولا تتغول فيها سلطة، حتى وإن تأخر العقاب، تظل عين القانون للمخالفين بالمرصاد. وتؤكد مع كل حدث أن العدالة معصوبة العينين. لا تمييز.
لعقود طويلة، تمددت صور التعدي على القانون مما حدا بالدولة -في عام 2014- لإطلاق الخطة الإستراتيجية لمكافحة الفساد، بهدف إنفاذ القانون وتوعية المواطنين بمخاطر الفساد وتمكينهم من المشاركة في مكافحته، بما يساند عمل الجهات المسئولة في بلد تجاوز تعداده 105 مليون مواطن، يضاف إليهم نحو عشرة ملايين مهاجر يحملون تحت جلودهم ثقافات متنوعة.
من ثم لا نستغرب أن اكتشفنا صورًا عديدة لأنشطة التجارة الموسمية يغيب عنها التقنين، مثال؛ شهر رمضان وسرادقات الفوانيس والمخللات والعصائر، المولد النبوي الشريف وشوادر الحلويات والحمص، شم النسيم والفسيخ، الغش الممنهج في الامتحانات، التعدي على أراضي الدولة، توصيل الكهرباء بالمخالفة، رسخت كل هذه الصور السلبية وغيرها في العقل الباطن للكثير من الناس انطباعًا مفاده (لا تتردد !! .. كل شيء قابل للتسوية).
سؤال آخر تثيره الواقعة، ما الفرق بين تعليق لحوم أضاحي على عامود المونوريل وتعليقها على سور مدرسة أو مصلحة حكومية، أو مد كابل من أقرب عامود كهرباء لإنارة فرشة فاكهاني أُقيمت في عرض الطريق. أليست كلها مخالفات تستوجب المساءلة؟، والإجابة نعم، وإن بدت واقعة المونوريل أكبر أثرًا، كونها اعتداء على رمز له قيمته الحضارية، فضلاً عن كلفته.
في وقت تعاني فيه دول العالم من تبعات تباطؤ الاقتصاد العالمي، راحت الدولة تطور بنيتها التحتية وتربط المراكز اللوجستية عبر شبكة مواصلات متميزة تشمل مترو الأنفاق، والترام، والقطار الكهربائي، بالإضافة إلى قطار مونوريل فائق الخدمة. تقتطع مصر من قُوتها وتطور خدماتها.
إحدى الصور الـمُثلى للقانون؛ تحوله من مواد ونصوص إلى هيبة تردع ولا تفزع، هيبة تحول المواطن إلى شريك في التنمية وفي مكافحة الفساد، يطمئنه أن لا أحد فوق القانون.
يروى أن الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب (2017 – 2021) رغب عند توليه السلطة في نقل ابنه بارون من مدرسته بمدينة مانهاتن بولاية نيويورك إلى حيث البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، تنفيذًا لقانون يحظر نقل الطلاب أثناء الفصل الدراسي، وقد كان، وقف صاحب الرقم القياسي في إلغاء الاتفاقيات الدولية ينتظر تحت راية هيبة القانون، بدء العام الدراسي الجديد.\