يعاني العالم من انتشار جرائم القتل والتعدي والعدوانية المفرطة بمختلف أشكالها لدى بعض الأشخاص، الأمر الذي دفع العلماء في مختلف دول العالم إلى محاولة مواجهة هذه الظاهرة بشكل مختلف، بعيدا عن التقويم السلوكي والأسس التربوية التي يضعها خبراء التربية، حيث اتجهوا إلى التعديل الجيني للبشر، بحيث يتخلصون من العنف والغضب المفرط المسئولين عن ارتكاب الجرائم وذلك بعد اكتشاف الجين الوراثي المسئول عن العدوانية.
موضوعات مقترحة
العدوانية صفة تنتشر بين جميع البشر، لكن تتفاوت معدلاتها من شخص لآخر وفقا لعوامل عدة منها عوامل اجتماعية وبيئية وتربوية، وكشف العلماء أنها تخضع أيضا لعوامل وراثية، وأشاروا إلى أن التعديل الوراثي للجين المسئول عن هذه الصفة الوراثية من الممكن أن يقلل من ارتكاب الكثير من الجرائم، كما سيعمل على السيطرة على السلوك العدواني لدى بعض الأشخاص بخاصة من مرتكبي الجرائم ومعتادي الإجرام.
وذكر موقع (ميل أون لاين) البريطاني أنه في محاولة من العلماء لتعديل سلوك عدد من حيوان الهامستر لجعلها أكثر هدوءا ووداعة، حيث عملوا على التعديل الوراثي للجين المسئول عن العدوانية لكنهم، عن طريق الخطأ، حولوها إلى كائنات فائقة الشراسة تطارد وتعض بعضها.. وبالرغم من أن التجربة لم تأت بالنتيجة المرجوة، فإنها فتحت المجال أمام تعديل السلوك بواسطة التعديل الجيني.
نتائج مذهلة
كان الهدف من عملية التعديل الجيني التي خضع لها الهامستر هو تقليل العدوانية ولكن حدث العكس، حيث أنتج باحثون في جامعة جورجيا الأمريكية مجموعة من القوارض عدوانية بشكل غير عادي بعد فشل تجربة تحرير جيني لتقليل العدوانية وتعزيز التعاون بين الحيوانات. وأصبحت الحيوانات المعدلة وراثيا أكثر وحشية، مما أدى إلى اندلاع قتال داخل الأقفاص التي توجد في المختبر. واستخدم الباحثون، بقيادة البروفيسور إليوت ألبيرز الباحث في علم الأعصاب بجامعة جورجيا والدكتور كيم هوهمان، تقنية تحرير الجينات (كريسبر-Cas9) لتحور جين مستقبلات (Avpr1a)، المرتبط بالعدوانية والتواصل والترابط الاجتماعي لدى كل من البشر والهامستر بحيث يتعطل عمله في ذكور وإناث الهامستر.
واعتقد الباحثون أنه من خلال إزالة قدرة الهامستر على صنع (Avpr1a)، سيصبح الهامستر أقل عدوانية، وكان اعتقادهم غير صحيح، بل على العكس من ذلك، فإن جميع الهامستر الذي افتقر إلى (Avpr1a)، ذكورا أو إناثا، أظهر سلوكا أكثر عدوانية بكثير. وقام الباحثون بتصوير الهامستر المعدل وراثيا في أقفاصه، ونشروا الصور معلقين عليها بالهامستر الغاضب أو الشرير.
ومن المعروف أن الهامستر من الحيوانات الاجتماعية ذات مستويات منخفضة من العدوانية، وذكر الباحثون أن سبب اختيارهم للهامستر السوري على وجه التحديد، أنهم يقدمون نموذجا قويا لدراسات السلوك الاجتماعي، كما أن تنظيمهم الاجتماعي يشبه إلى حد كبير البشر أكثر من ذلك الذي لوحظ في الفئران. وقال كبير الباحثين البروفيسور إليوت ألبيرز: توقعنا أن نحد من العدوانية والعنف الاجتماعي، لكن حدث العكس. كان يُعتقد أن التعديل الجيني سينظم علاقة الصداقة والترابط، ومن المتوقع أن تؤدي إزالته إلى زيادة الانسجام بين الحيوانات. بدلا من ذلك، سجلت التجربة المعملية مستويات عالية من العدوانية تجاه الأفراد الآخرين من الجنس نفسه، ولم تكن النتائج سوى زيادة وتيرة القتال والعض والمطاردة بين الهامستر في أقفاصها. وأشار البروفيسور ألبيرز إلى أن الدراسة أتت بنتائج مذهلة قد تفيد في المستقبل في التحكم في مستويات العدوانية لدى الحيوانات ثم البشر في المستقبل.
وأضاف أن الهدف من اختبارات تعديل الجينات هو المساعدة في إيجاد حلول للعدوانية الزائدة التي يظهرها بعض الأشخاص، كما ستعمل على مواجهة الاضطرابات العصبية النفسية بما في ذلك التوحد والاكتئاب.
تقنية كريسبر
اعتمدت الدراسة السابقة على استخدام تقنية كريسبر، التي تتم الاستعانة بها لتحرير الجينات بشكل متزايد في الأبحاث والدراسات العلمية المتعلقة بصحة الإنسان، لأنها يمكن أن تغير البناء الأساسي للجسم. وعلى المستوى الأساسي، تعمل هذه التقنية كعملية قطع ولصق للحمض النووي، وتتضمن إرسال خيوط جديدة من الحمض النووي والإنزيمات إلى الكائنات الحية لتعديل جيناتها. وفي البشر، تعمل الجينات كأساس للعديد من العمليات والخصائص في الجسم، فهي تملي كل شيء من لون عينيك وشعرك إلى ما إذا كنت مصابا بالسرطان أم لا. وغالبا ما يتم إرسال الحمض النووي والإنزيمات اللازمة لزرعها في الجسم على ظهر فيروس غير ضار حتى يتمكن العلماء من التحكم في المكان الذي يذهبون إليه. وتستطيع الإنزيمات بعد ذلك قطع خيوط الحمض النووي، وإيقاف الجين بشكل فعال، أو إزالة أجزاء من الحمض النووي لاستبدالها بالجين المعدل، وهي صفات جديدة يتم إرسالها لتغيير الجين تمت برمجتها مسبقا، لكن هذه العملية مثيرة للجدل في البداية لعلاج الأمراض، لكن يمكن استخدامها بعد ذلك لتغيير صفات الجنين في الرحم وقد تؤدي إلى زيادة الأطفال المصممين، حيث قدم الأطباء طرقا لتغيير الحمض النووي للأجنة.
الرجال أكثر عدوانية
كشف علماء أستراليون منذ سنوات عن توصلهم إلى جين يجعل الرجال على وجه التحديد يتصرفون بعدوانية بشكل أكبر من النساء وأطلقوا عليه اسم (SRY) الذي يوجد فقط في كروموسوم Y، ووصفوه بالجين الذكوري. ويعمل هذا الجين على تسارع نبضات القلب وتدفق الأدرينالين عبر الأوردة لدى الرجال، مما يؤدي إلى العدوانية. ويعتقد العلماء أن إفراز هرموني الإستروجين والأوكسيتوسين لدى النساء هو المسئول عن قلة شعورهن بالعدوانية والغضب المفرط، حيث تأتي ردود أفعال النساء في أوقات الغضب أقل عدوانية من الرجال بشكل ملحوظ، وتميل إلى الحلول الهادئة البعيدة عن العنف.
ووجدت الدراسات التي أجريت على الفئران والبشر أن بروتينات جين (SRY) توجد في الدماغ والقلب والرئتين والكبد والكلى والخصيتين، ويعتقدون أنه ينظم إنتاج الكاتيكولامينات وهي هرمونات التوتر بما في ذلك الأدرينالين. وفسر العلماء أيضا أن ذلك قد يكون سبب تأثير بعض الحالات المرضية مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والتوحد ومرض باركنسون على الرجال أكثر من النساء.