فى موروثنا الثقافى، قليل من الضرب للطفل لا يضير، وأن «ضرب الحبيب زي أكل الزبيب» و»اكسر للبنت ضلع يطلع لها اتنين»، وغير هذا من مشاهد محفورة في كلاسيكيات سينمائية تتناول ضرب الأطفال والصغار بشكل من القبول الممجوج، لا بد من أن نضع له حدًا بعد أن أصبح فى بعض الأسر نموذجا معترفا به للتربية.
تؤكد دراسة بإحدى الجامعات الأمريكية أن هذا الأسلوب يدفع الطفل لاحقا لعدم الالتزام والمشاغبة ويؤثر في مهاراته اللغوية وقدرته على البيان. فالتعامل مع الطفل بمثابة التعامل مع ميزان الذهب، هكذا يؤكد ديفيد جراى الطبيب النفسى الشهير وصاحب كتاب «كيف تتفنن فى صناعة الاستقرار النفسى للطفل»، ويعنى بهذه العبارة أن كل شيء له تأثير في الطفل مهما يظهر لنا ضئيلا. فى الكتاب ينتقد الطبيب عدم اكتراث بعض أولياء الأمور بممارسات لها بالغ الضرر على نفسية الطفل، ومنها الضرب الخفيف غير المبرح والذى يستهين به العديدون.
نظرية ديفيد جراى - التى تتماشى مع الفطرة فى واقع الأمر - أصبح لها ما يؤكدها من الدلائل العلمية، طبقا لبحث ميدانى أجرته جامعة كولومبيا الأمريكية فى نيويورك، وكان محور حديث العديد من البرامج الاجتماعية المعنية بالتربية وصحة الطفل. «الاعتقاد السائد بأن الضرب سيساعد على تعليم الطفل البقاء في خط مستقيم وهم لا يوجد دليل علمى يثبته، وهذه الدراسة تثبت أن العكس هو الذى يتحقق وأن ضرب الطفل يؤدى إلى تمرده ومشاغبته لاحقا» هكذا علق د. محمد أوز الجراح الشهير فى برنامجه التليفزيونى. وفى مصر، ندفن رؤوسنا فى كثير من الأحيان فى الرمال هربا من حقائق لا نريد مواجهتها.
تقول د. هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال في جامعة القاهرة: إن 38% من السكان في مصر تقل أعمارهم عن 18 عاما، وهذا يضع مسئولية كبيرة على 60% أخرى لوقف سلسلة العنف الذى يمارس على الطفل باختلاف درجاته. وتشير إلى أن 92 في المئة من الأطفال في المناطق الفقيرة، قالوا إنهم تعرضوا للضرب في المدرسة، و81% منهم تعرضوا له في المنزل.
وفي أماكن أخرى في العالم، تستمر الظاهرة، فوجد الباحثون فى جامعة كولومبيا أن الأطفال الذين كانوا يضربون من قبل البالغين من عمر خمس سنوات، تزداد لديهم احتمالات العدوانية والميل لكسر القواعد في وقت لاحق في المدرسة فى المرحلة الابتدائية. كما قام د. مايكل ماكنزي رئيس الفريق البحثى فى جامعة كولومبيا في نيويورك باستخدام بيانات من دراسة طويلة أجريت على 1900 طفل فى عشرين مدينة أمريكية ولدوا بين عامي 1998 و2000.. والباحثون سألوا أولياء أمور الأطفال الذين شملهم الاستطلاع حول ما إذا ما كانوا في كثير من الأحيان يضربون الطفل فى سن ثلاث وخمس سنوات كنوع من التربية.
ثم تم سؤال الأمهات حول مشكلات السلوك الخاصة بالطفل فى مراحل لاحقة، كذلك أعطى الأطفال اختبارا لقياس مفردات لغتهم ومهاراتهم الدراسية في سن التاسعة.
قال حوالى 57٪ من الأمهات و40٪ من الآباء إنهم كانوا يضربون الأطفال عندما كانوا في سن ثلاث سنوات. النسبة انخفضت بشكل طفيف إلى 52٪ أمهات و33٪ من الآباء الذين يضربون الطفل في الخامسة من العمر.
ما تبين بالدراسة هو أن تصرفات الأطفال الدين كانوا يتعرضون للضرب بصورة منتظمة أو في بعض الأحيان كانت أكثر عدوانية. كذلك كانت نتيجة اختبارات اللغة والمفردات في المتوسط لهؤلاء الذين تعرضوا للضرب أقل حوالى 4٪ من الذين لم يتعرضوا.
خلاصة الدراسة كانت توصيات بعدم اللجوء للضرب كنوع من تربية الطفل مهما يبدو بسيطا، لأن الأب أو الأم بهده الطريقة وباللجوء للضرب لا يتحدثان مع الطفل ومن دون وعى يزرعان فى وجدانه فكرة أن السبيل لتحقيق أمر ما ليس التفاهم والتواصل اللغوى والفكرى وإنما هو القوة، فيصبح لهذا الخيار المرتبة الأولى لدى تعاملات الطفل مع غيره فتقل قدرته على البيان ومهاراته اللغوية، كذلك يصبح أكثر ميلا للمشاغبة وكسر القوانين فى مرحلة مبكرة من عمره.
سلوك الأم مفتاح لشخصية الطفل
تتفق د. هبة عيسوى أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس مع ضرورة تغيير العديد من المفاهيم الخاصة بالعنف مع الطفل وتؤكد أن تصرفات الوالدين وتحديدا الأم هى المفتاح الأساسي لنفسية الطفل، وتؤكد أن الأبحاث العلمية أثبتت أن الأسرة النواة الأولى لبناء شخصية الطفل، فكثير من الأمهات يهتممن بغذاء ونظافة الطفل فقط ولا يهتممن بالبناء النفسى للطفل خصوصا فى السنوات الأولى، فطبع الأم وشخصيتها وسلوكها تؤثر في سمات الطفل وتساعده على بناء شخصية متوازنة في مرحلة الطفولة. وتستعرض د.هبة الأنماط المختلفة لشخصيات الأم وآثارها على أطفالها:
الأم القاسية: فالمبالغة في القسوة والإيذاء البدنى تؤدي إلى نتائج عكسية غير مرغوب فيها، فالطفل الذي يضرب بشدة يشعر بالإهانة والقهر فيصبح ضعيف الشخصية أو كذابا ولا يواجه مشكلات، وغالبا ما ينقاد وراء الأصدقاء مما يسهل انحرافه وانجراره إلى السلوكيات غير المرغوب فيها.
الأم المدللة: تؤدى إلى تذبذب الابن وتطمس شخصيته، فيشعر بالخوف ولا يشعر بالأمان إلا فى وجود أمه وهو دائما متردد ولا يأخذ قرارا بسهولة.
الأم التى تتوقع التفوق المطلق من الأبناء: قد تصل توقعات الأم من أبنائها إلى نسب عالية من دون النظر إلى قدراتهم. فهى دائما تتطلع إلى الدرجات النهائية والتفوق من أبنائها ولا ترضى بأقل من ذلك . فالطفل يشعر دائما بعدم رضا أمه عليه، ويزيد من شعوره بالتقصير فتنمو داخلة مشاعر القلق والإحباط ويشعر بالتدنى من مرحلة الطفولة، وتزداد فى المراهقة فيكون فريسة سهلة لاكتئاب الطفولة.
الأم الموسوسة: تهتم بشكل مبالغ فيه بنظافة البيت وترتيبه وتنفعل حين يخل الأطفال بالنظام والترتيب اللذين قامت بهما. هنا الطفل يسأم هذه الطريقة لأنه يشعر بأنه مقيد ويفضل الإقامة عند أجداده حتى يشعر بالحرية، وفى فترات المراهقة يفضل الوجود خارج المنزل أغلب الوقت ولا يشارك الأسرة فى أى زيارات.
الأم المتسلطة: هى كثيرة الأوامر ومتحكمة وتصر إصرارا كبيرا على رأيها ولا تقتنع بوجهة نظر الآخر.. فالطفل يصبح خجولا وتظهر عليه علامات الإفراط فى الحركة والسرحان وأحلام اليقظة والاندفاع مع عدم حساب العواقب.
وأخيرا تؤكد أنه يجب على الأم أن تتصف بالصبر والحلم والمبادرة مع إعطاء الطفل الفرصة للتعبير عن رأيه والمبادرة فيما يخصه وتراقبه عن بعد وتتدخل فقط لإعطائه النصيحة والإرشاد وتشجعه بكلمات رقيقة تبتعد عن الإهانة والقسوة، لأن الهدف هو تربية طفل ذي كفاءة عالية مرن، خلاق يستطيع حل مشكلاته حتى يصبح شخصية متوازنة.