ثوبهم الأبيض يعلن عن رسالة للسلام في أعظم حشد على الأرض، حتى الصيد حرام عليهم، والحمام من حولهم يجول في أمان، فنقاء زيهم يصدح بمحبة لا فيها رفث ولا فسوق ولا ضغينة، ويعرب سطوع ضياء ثيابهم عن زهد في غلو الحياة وصراعها، وبياض ثلج ملبسهم يخبر أن أرواحهم هي التي تسبح في النور الإلهي، أما أجسادهم فتدثرت في أكفان الموتى، ويبوح بياض ردائهم الزاهر بأن ما تعلق به من غبار ليس سوى أنواط وأوسمة تٌرصع ثيابهم.
يفضح لباسهم الأبيض أكذوبة وافتراء أدعياء الإسلاموفوبيا، ويقول لكل ذي عينين: هل ما زلت تسمع لأبواقهم الإعلامية؟ وفي حضرة أبو الأنبياء وابنه إسماعيل يتوشحون بزيهم الأبيض، ويستشعرون موقفهما وهما يرفعان قواعد الكعبة المشرفة، وفي حضرتهما يسألون الله قبول طاعتهم، كما سأل الخليل وابنه الرحمن أن يتقبل منهما.
وجاءوا بثيابهم البيضاء وصدورهم تملؤها عزيمة السعي والمشقة، بعدما خلفوا وراءهم السعة والراحة، وأقبلوا بلباسهم الأبيض سالمين مستسلمين لأمر الله، ليحاكوا الخليل وأهله في السمع والطاعة، ثم يردون ماء زمزم، ويشربون منه، ويكون لهم بردًا وسلامًا وطهورًا وشفاء.
وفي ثوبهم الأبيض إقرار منهم بالخضوع لله تعالى وحسن اليقين بقدرته، ويصير خضوعًا لا يدنسه كبرياء، خضوعًا لا يفارقه الإخلاص، ولذا جاءوا من كل فج عميق طائعين لنبيهم سيد الخلق، وفي ردائهم الأبيض إذعانا لأمر الرسول: "البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم".
ولبسوا الأبيض ليقيموا عرسهم على خير بقاع الأرض، يصدحون فيه بالتلبية والتكبير، يرفعون في أرجائه صلاتهم، ويأدون عليها نسكهم على الأرض، التي شهدت مولد خير الأنام ومولد رسالة الإنسانية، وارتدوا لباسًا أبيض خاليًا من الجيوب، ليعلنوا أنهم حضروا من أقصى بقاع الأرض يبتغون وجه الله لا غير.
ويلبسون زيهم الزاهر تصديقًا منهم بنقاء سريرتهم، ويعاودون ديارهم كما ولدتهم أمهاتهم، ونفوسهم تموج فرحًا رغم المشقة والجهد والعطش والجوع، وذلك بفضل احتسابهم كل ما سبق في سبيل مرضات الجليل العظيم، ومشقتهم تلك ما هي سوى محطة من سيرة عناء الرسل والأنبياء، من أجل تبليغ الرسالات السماوية، وكان توحدهم في زي واحد وبلون واحد رسالة إلى العالم أجمع أن الفوارق تذوب بينهم، فلا فرق بين أبيض وأسود، ولا بين أعجمي وعربي، ولا بين فقير وغني، الكل كالجسد الواحد.
ورغم لباسهم الأبيض يريقون الدماء، دماء الأضاحي، جعلها الله فداء لكل مسلم مؤمن، وحتى تباعد بينه وبين نار جهنم، وفيها إحياء لشعيرة من شعائر الدين، كتب بها المولي النجاة لنبيه إسماعيل، فقد هبط الوحي ومعه كبش ليذبحه سيدنا أبراهيم، تعظيمًا لقدر الإنسان، وتقديسًا لحرمة دمائه، ويشارك المسلمون حول العالم الحجيج في ذبح الأضاحي، ويكتبون رسالة وبصحبتهم ذوو الزي الأبيض، رسالتهم تحمل معنى واحدًا، أن يحيا الإنسان عزيزًا لكي يرفع قواعد العدل والسلام.
[email protected]