لم تكن واقعة الجزار الذي استغل أعمدة المونوريل في ممارسة نشاط الجزارة المعروفة إعلاميا بقضية "جزار المونوريل" الأخيرة في خضم السلوكيات الفردية التي تحدث في أى مجتمع خصوصا في "حجم مصر" وليس من قبيل التهوين من الواقعة ولكن في ذات الوقت يجب عدم التهويل منها وكأنها تمثل سلوكا عاما للمصريين كما يدعى البعض الذي اتخذ من هذه الواقعة فرصة للإساءة للمصريين والطعن في ثقافتهم والنيل منهم.
موضوعات مقترحة
المؤكد أن مثل هذه السلوكيات العشوائية مرفوضة ومجرمة بالقانون لكن في ذات الوقت علينا أن نضعها في حجمها الطبيعي دون تهوين أو تهويل.
هذا الأمر يجعلنا نتساءل... ما هي الأسباب التي تقف وراء هذا النمط السلوكي الفردي؟ وكيف يمكن معالجتها؟ وكيف نتفادى جلد الذات والطعن في ثقافة المصريين تحت هذا الزعم؟
هذا ما تجيب عنه "بوابة الأهرام" خلال السطور التالية...
يقول الدكتور علاء الغندور، استشاري التأهيل النفسي والسلوكي، لـ"بوابة الأهرام": إن هناك مجموعة من الأسباب أدت إلى ذلك النمط السلوكي الفردي الذي من المؤكد أنه لا يعبر عن المجتمع المصري أولها ضعف الثقافة والوعي لدى البعض، وثانيها انعدام أو ضعف التربية والتعليم في المدرسة.
فقيام الأشخاص ببعض السلوكيات الخاطئة يرجع إلى عدم وعيهم بالحفاظ على الممتلكات العامة، وعدم تلقيهم التوجيه بالأسلوب الحضاري في التعامل مع الناس ومع الممتلكات العامة والخاصة.. وكل ما يفهمونه أن ينفذوا كل ما يخطر على بالهم دون تفكير ودون استشارة أهل الخبرة.
وأوضح استشاري التأهيل النفسي والسلوكي، أن هذه الشريحة من هؤلاء الأشخاص لا تستخدم عقلها، ورغم الخطأ الفادح الذي رأيناه في حادث «جزار المونوريل»، من وضع اللحوم وعرضها للبيع والتعدي على الممتلكات العامة إلا أن هذه الجريمة تدق ناقوس الخطر لهذه السلوكيات المنتشرة هنا وهناك بـ"أشكال فردية" تسيء للمجتمع ككل بصفة العموم وللدولة بصفة خاصة، لافتًا: "وعلى الرغم من ذلك فعلينا أن ننتبه أن هناك كثيرا من الفئات في المجتمع تحتاج إلى التوجيه والتعليم وأن هذه الفئات لا تشاهد التليفزيون ولا تقرأ الصحف ولا تستخدم أجهزة المحمول الحديثة، لذا فيجب أن تكون هناك وسيلة للتواصل معهم وتوجيههم إلى السلوكيات الإيجابية من خلال المسلسلات والأفلام التي قد يشاهدونها ومن خلال البرامج الدينية في خطبة الجمعة".
الدكتور علاء الغندور
جريمة محرمة ومجرمة
ومن الناحية الدينية، يوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر، أن التعدي على الممتلكات العامة بأي نوع من أنواع التعدي جريمة محرمة مجرمة حتى مع حُسن الظن بمرتكبها للآتي بيانه:
1- حرمة المال العام كحرمة المال الخاص أو تزيد.
2- مخالفة ولي الأمر ومن يفوضه من أجهزة معنية.
3- خيانة أمانة المحافظة على الممتلكات العامة.
وتذكرة للمعتدين قال الله تعالي: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا»، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»، كذلك القاعدة الفقية تنص على "دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح".
وتابع: إن الممتلكات العامة يجب المحافظة على رونقها ونظافتها لما في ذلك من جمال البيئة، بالإضافة إلى حرمة استيلاء الأفراد الطبيعيين والاعتبارين على ممتلكات عامة، لأنها مملوكة لعموم الناس، ولذلك توقع جزاءات تحذيرية كـ "غرامات حبس أو ما شبه ذلك على المعتدي ويجب عليه إصلاح ما أفسده فالقاعدة من أفسد شيئا فعليه إصلاحه".
الدكتور أحمد كريمة
المادة 34 من الدستور
ومن الناحية القانونية، يرى المستشار الدكتور أحمد القرماني، الخبير القانوني، وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن تعديات الكثيرين علي الأملاك العامة جريمة أخلاقية قبلما يرصد لها المشرع العقوبات وقوانين لا تحترم.
ولكن التساؤل هنا هل العيب في القانون أم في متجاهل القانون الذي يكسر القواعد بدون أدني اعتبار يلزمه بالتوقف عن التعدي واستحلال حقوق الغير؟، الإجابة "نعم" فالمال العام حق للجميع ولا يجوز لفرد أو لمجموعة أن تستحل لنفسها الاستحواذ والاستفادة من هذا المال؛ ولهذا أكد الدستور المصري في نص المادة ٣٤ علي أن "الملكية العامة حرمة لا يجوز المساس بها وحمايتها واجب علي كل مواطن".
بسط الحماية الجنائية على الأموال العامة
واستكمل: من أجل التأكيد علي حرمة المال العام من العبث قرر المشرع بسط الحماية الجنائية علي الأموال العامة في نص المادة ٩٠ من قانون العقوبات بوضع عقوبة السجن لمدة خمس سنوات لكل من خرب عمدا أو أتلف مباني أو أملاكا عامة أو مخصصة لمصالح الحكومة أو المرافق أو المؤسسات العامة والجمعيات المعتبرة ذات النفع العام، وتكون العقوبة السجن المؤبد أو المؤقت إذا وقعت الجريمة في زمن هياج أو فتنة أو بقصد إحداث الرعب بين الناس، وقد تكون العقوبة الإعدام إذا نجم عن الجريمة موت شخص كان موجودا في تلك الأماكن، فضلا عن تلك العقوبات السالبة للحرية يحكم أيضا بدفع قيمة التلفيات التي أحدثها الجاني.
المادة 90 من قانون العقوبات
وتابع: في نهاية عرضنا لمشكلة التعدي علي المال العام والتي كانت أبرزها في الأيام الماضية هي تعدي جزار علي عامود خاص بـ"مشروع قطار المنوريل" وهو من المال العام ومخصص للمنفعة العامة، ولهذا ينطبق عليه المادة ٩٠ من قانون العقوبات وبعض القوانين الخاصة بالبيئة ومخالفات إشغال الطريق ومخالفة قانون المحال العامة، مطالبًا بضرورة توعية النشء بأهمية حماية أموالنا العامة ومشاريعنا القومية وتنمية سلوك المواطن بحثه علي الإيجابية، والتبليغ عن حالات التعدي علي المال العام مع تحفيز المبلغين بمكافآتهم ماديا ومعنويا ومد التوعية للمدارس والجامعات بتقرير أننا جميعا مصير واحد فإن تعطلت المرافق العامة والمشاريع العامة المخصصة للنفع العام فيعني ذلك تخريب لمصيرنا وحياتنا جميعا.
المستشار الدكتور أحمد القرماني