يبدو أن الغرب يصر على إرسال رسائله الخبيثة والساذجة في الوقت ذاته، ويسعى إلى الاتجاه بالعالم إلى هاوية لا رجعة منها، ظنًا من هذا الغرب الذي دنسه التخلف الإنساني بأنه سيبقى بوصلة المجتمعات في مشارق الأرض ومغاربها، ومن مضحكات الزمن أن تجد أصواتًا غربية مستنكرة الإدانات الواسعة في الشرق وفي الدول العربية والإسلامية، ما حدث من تكرار مؤسف لحرق كتاب الله القرآن الكريم على الملأ، في واقعة تضاف إلى سجلات طويلة من الانتهاكات العنصرية وتعاظم ظاهرة الإسلاموفوبيا، وعبر مجموعة من اليمينيين السويديين الذين نظموا تظاهرة، حرقوا خلالها المصحف الشريف تحت حراسة وأعين الشرطة والقضاء السويدي، تزامنًا مع احتفال المسلمين في شتى بقاع الأرض باليوم الأول لعيد الأضحى، والذي يبدو أنه أثار حفيظة وحنق وغل هؤلاء الموتورين ورموزهم وأقوامهم، من تلك الأيام العظيمة التي يشاهدون فيها مسلمي الكون ينادون مهللين بصوت الحق الناصع الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
نداءات ربما زلزلت الأرض فأحرقت قلوب شياطينها من الإنس وهم يشهدون كيف أن المسلمين على اختلاف لغاتهم وأجناسهم وألوانهم وأصولهم وبلدانهم، قد اجتمعوا، كدأبهم، تحت راية الحق في أيام الحق والتصديق والصبر، ملبين نداء ربهم (لبيك اللهم لبيك)، فأقدم هؤلاء الحانقون المتخلفون عن ركب التحضر والإنسانية والأخلاق على كسر كل الهالات الكاذبة ونداءات الخداع باحترام حريات الآخرين ومقدساتهم ومعتقداتهم، وانطلقوا في تظاهرة خبيثة النوايا وفيهم المتطرف اليميني أحد المعروفين بكرههم للإسلام بحرق المصحف على مرأى ومسمع من الجميع.
وقد يكون أمرًا طبيعيًا جدًا ومتوقعًا أن نجد بعد هذه الواقعة المؤسفة المتخلفة تباينًا كبيرًا - وعلى امتداد العالم - في ردود الأفعال الرافضة لهذا السلوك المشين وهذه الوقاحة، وأن تلتف أعين وآذان مسلمي الأرض وأصواتهم حول قلعة الإسلام في العالم الأزهر الشريف وجميع المؤسسات الإسلامية، وأن يرتفع صوت الإدانات لموافقة السلطات السويدية على تنظيم هذه التظاهرة لحرق نسخة من القرآن الكريم، خارج مسجد استوكهولم الكبير، فكيف يمكن إدراج هذه الفعلة تحت مسمى "حرية التعبير"، هذا المفهوم الذي يبدو أنه ضل سبيله في عقول من لا قلوب ولا ألباب لهم، فوافقوا واشتركوا على استفزاز مشاعر ملياري مسلم، وفي تكرار لأعمال إجرامية لا تمت بأي صلة لحرية الرأي والتعبير بل على العكس، هي الصورة الاوضح والدليل القاطع بالكراهية السوداء والعنصرية المقيتة والتخلف.
وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد من قبل هؤلاء الموتورين المتخلفين، لكننا نفاجأ بتصريحات رسمية من الحكومات الغربية تؤكد أن ما حدث صورة من صور الحرية، ما دعا صاحب الواقعة للخروج في تحد جديد والتأكيد بأنه سيكرر ذلك، لكن يبدو أن هذه الأطراف الجاهلة بالأعراف والقيم الإنسانية لا تتفهم خطورة وتبعات ومآلات الإقدام على مثل هذه السلوكيات والقرارات المتطرفة المؤجحة لمشاعر الكراهية والعنصرية في النفوس في وقت يشهد العالم، تصاعدًا في وتيرة الصراعات، وهو ما يحتاج إلى أجواء من التهدئة لا المزيد من سكب الزيت على الفتيل المشتعل لزيادة اشتعاله ومن ثم شيطنة العالم، فهل لنا أن نقرأ ذلك ببساطة شديدة، تلك الرغبة من جهة الغرب في إشعال العالم كله بما أنه يعاني ويلات الحروب ويريد أن يطال الاضطراب كل الأمم الآمنة، فاتجه إلى إضرام المزيد من النيران لتأجيج أحداث جديدة.
لابد إذن من وضع حد لهذه الفوضى غير المحسوبة والتحديات الفارغة والتراجع والتخلف الإنساني تحت شعار الحريات، التي لا تمارس إلا حينما يتعلق الأمر بمقدسات ورموز المسلمين، في حين أنه لو أقدم اي عربي أو مسلم مثلا على فضح ممارسات الصهيونية في حق الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق والوطن وتعرضهم للتنكيل من قبل من لا وطن لهم، وكتب هذا العربي جملة أو شارك صورة على موقع التواصل الاجتماعي بهذه الفحوى تعرضت صفحته للغلق وترسل له شعارات التأديب الكذابة بأنه كسر حاجز الإنسانيات والحريات وصولا للانتهاكات، فأين الحق؟ استفيقوا يرحمكم الله، إذا كنتم تعرفون الله يا أهل الشقاء والتخلف.