كل من استمع إلى صوت شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، وهو يخاطب مجلس الأمن، أقوى منابر الأمم المتحدة، يونيو 2023. قبل موسم الحج الإسلامى 1444هـ، أى قبل اجتماع المسلمين بكل طوائفهم على صعيد مكة وفى عرفة، يوم الحج الأعظم، يدرك أنه حول الدين إلى معنى، وشرح معنى السلام والتعايش بين شعوب الأرض على اختلاف أديانها، وتوجهاتها السياسية والفكرية وكيف حملها الإسلام «لا إكراه فى الدين»، كان صوتًا رزينًا حكيمًا يدخل إلى القلوب قبل العقول، يدخل إلى العقل ويستقر فى الوجدان، ولا يخرج منه.
رفض الرجل الإرهاب الأسود، ولم يكتف بذلك، فشرح من أين أتت هذه الآفة التي خربت الحياة، وأضرت بالعلاقات والتعايش الإنساني الودود بين الشعوب.
وقال إنها قادمة من الفلسفات المادية والحروب التي اندلعت في عالمنا وبلا مبرر موضوعي لها، حروب العراق وأفغانستان وما خلفته من مآسٍ وكوارث وضحايا على مدار عقدين من الزمان، وكوارث لبنان واليمن وليبيا وتدمير حضاراتها، وغطرسة القوة التي حكمت قسوة المستبد على الشعب الفلسطيني، الذي احتلت أرضه، وظلمت أهله.
وثمن الرجل بموضوعية شديدة أن الأمم المتحدة تذكرت بعد غياب طويل نكبة الشعب الفلسطيني، فاحتفلت في مايو هذا العام بمرور 75 عامًا عليها، في إشارة إلى أن العالم لم ينس الحرب في أطراف أوروبا ومخاوف تجدد الحربين العالميتين وأثرهما على البشرية، ويبحث اليوم عن حق هذا الشعب، في الحياة، والاستقرار بعيدًا عن الحروب، واحترام المقدسات والأديان، وحق الجميع فى القدس وحماية المسجد الأقصى.
تكلم شيخ الأزهر بصوت عربي مبين، في جمع أممي بارز، وبقراءة كريمة يحمل رسالة السماء إلى الأرض إلى كل المؤمنين المجتمعين فى عالمنا، فلم ينس الأطفال والنساء واللاجئين والهاربين من جحيم الحروب، وخراب البيئة والفيضانات واشتعال الغابات والأزمات التي تخيم على الإنسان المعاصر.
وقال: لم آت هنا لكي أكلمكم عن نشر الإسلام، لكن عن نشر المحبة والتعايش بين الشعوب والأديان، وألا نتقاعس عن صدى خطاب ثقافة التعايش، ووثيقة الأخوة الإنسانية التي سبق أن وقعناها في أرض العرب في الإمارات العربية، منذ 4 سنوات فى 2019، مع البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، وهي الوثيقة التي تدعو إلى ثقافة التعايش والمحبة والحوار السلمي.
كان شيخ الأزهر الجليل أحمد الطيب، يقف على أرض صلبة، وهو يخاطب الأمم المتحدة، فهو صاحب تجربة واضحة على الأرض؛ لأنه لم يقل كلامًا، بل نطق فعلا وعملا، فهو يعمل مع قادة الأديان على تجديد التعايش وصنع ثقافة المحبة والسلام فى عالمنا.
الشيخ رقم 44 في تاريخ الأزهر المصري، تكلم عن مصر التي تفتح ذراعيها للعالم، وتحتضن السلام “سياسة وصناعة” للتعايش في المنطقة العربية وإفريقيا والعالم، بل تقودها لمواجهة الأزمات التي يصنعها معسكر الإرهاب، والتطرف والحروب فى هذا العالم.
الأخوة الإنسانية التي قادها الشيخ الأزهري المعمم من مصر إلى الإمارات إلى الفاتيكان، أصبحت رسالة قبل أن تكون خطابًا يلقى على المنابر الدولية، أصبحت فعلا قبل أن تكون قولا.
صوتك أيها الشيخ الجليل لن يضيع سدى، بل ذهب ليستقر في كل العقول الداعية، والأهم أنه استقر في اللا وعي، قبل أن يستقر فى الوعى.
شيخ الأزهر المصري العربي المسلم الأصيل، المتواضع، العالم، يسجل تاريخًا للأزهر ولمصر وللمسلمين وللعالم، بحكمة واقتدار ووعي كبير.
تحية للعالم الجليل، وكل عام أنتم بخير، والأزهر بألف سلامة.