Close ad

متى تنتهي "حالة الحرب" بين الكوريتين؟

26-6-2023 | 14:13

مرت يوم أمس، الأحد، الذكرى الـ 73 لاندلاع الحرب الكورية، وسط مخاوف، جمة، بنشوب حرب كورية ثانية، نتيجة لانعدام الثقة، والتهديدات العنيفة المتبادلة، بين سول وبيونج يانج، وفي ضوء أن الكوريتين، ما تزالا - فعليا - في حالة حرب.

ففي يوم 25 يونيو من عام 1950، شن جيش كوريا الشمالية هجومًا شاملًا، جنوب خط التقسيم، رقم 38، واستطاعت بيونج يانج- خلال ثلاثة أيام فقط من بدء الحرب في 28 يونيو- أن تسيطر على العاصمة الجنوبية، سول، وبعد مرور شهرين على اندلاع الحرب، استطاعت القوات الشمالية السيطرة على كل شبه الجزيرة الكورية، فيما عدا المناطق جنوب نهر "ناكدونج".

مجلس الأمن عقد اجتماعًا طارئًا في يوم 26 يونيو، وأصدر قرارًا يطالب كوريا الشمالية بسحب قواتها إلى شمال الخط 38، لكن كوريا الشمالية واصلت احتلال مناطق بالجنوب، فقررت الأمم المتحدة اتخاذ إجراءات عسكرية لإعادة السلام إلى شبه الجزيرة الكورية. 

في يوم 7 من يوليو، تم تأسيس مقر للقيادة، وعُيِّن الجنرال "ماك آرثر" قائدًا لقوات الأمم المتحدة، وبلغ عدد الدول التي شاركت في القوات الأممية 21 دولة، من بينها 16 دولة أرسلت قوات محاربة، وهي: الولايات المتحدة، وإنجلترا، وكندا، وأستراليا، وتركيا، والفلبين، وتايلاند، وهولندا، وكولومبيا، واليونان، ونيوزيلندا، وأثيوبيا، وبلجيكا، وفرنسا، وجمهورية جنوب إفريقيا، ولكسمبورغ.

في الوقت نفسه، شاركت بقية الدول بتقديم المعونات الطبية، مثل: السويد، والهند، والدنمارك، والنرويج، وإيطاليا، وألمانيا الغربية، بالإضافة إلى العديد من الدول الأخرى التي لم تشارك بالحرب بشكل مباشر، لكنها قدمت العون المادي والمالي بسخاء وكرم.

قوات الأمم المتحدة شنت هجومًا مضادًا، في 15 سبتمبر 1950، وتراجعت القوات الكورية الشمالية، واستطاع الشطر الجنوبي من استعادة السيطرة على عاصمته، سول، وأراضيه بالكامل حتى خط التقسيم رقم 38، وواصل التقدم نحو الشمال حتى سيطر على العاصمة، بيونج يانج، وبدا أن إعادة توحيد الكوريتين بات وشيكا في 19 أكتوبر 1950.

دخلت الصين الحرب الكورية في 25 أكتوبر 1950، واستخدمت إستراتيجية قتالية جديدة لدعم الشطر الشمالي، نتج عنها سقوط سول ثانية، وفي 10 يوليو عام 1951، بدأت محادثات، انتهت بتوقيع المندوبين على اتفاقية هدنة في يوم 27 يوليو عام 1953، فيما أعلن جيش كوريا الجنوبية أنه سيواصل الحرب، وبدون معاونة، إذا لزم الأمر.
قُتِل خلال الحرب الكورية حوالي 138 ألف جندي من الجيش الكوري الجنوبي، وأصيب 450 ألفا آخرون، وإذا أضيف إلى ذلك عدد المفقودين، تصبح حصيلة الخسائر البشرية، التي تكبدها الجيش الكوري الجنوبي - جراء الحرب - 620 ألف جندي. 

أما الجيش الكوري الشمالي، فيقدر إجمالي عدد القتلى والجرحى فيه 520 ألفًا، وإذا أضيف إلى ذلك عدد المفقودين، تصبح حصيلة خسائره البشرية 800 ألف جندي.
أيضًا، خسائر قوات الأمم المتحدة كانت كبيرة جدًا، حيث قُتل 41 ألف جندي، وأصيب 104 آلاف آخرون، وإذا أضفنا المفقودين والأسرى، سيبلغ إجمالي عدد الخسائر البشرية 155 ألف جندي. 

في الحرب الكورية، فاق عدد القتلى من المدنيين عددَ القتلى العسكريين، حيث تعدى عدد ضحايا المذابح والمصابين والمفقودين في كوريا الجنوبية مليون مواطن، كما بلغ عدد الضحايا من المدنيين في كوريا الشمالية 1.55 مليون مواطن.

تشير التقديرات إلى أن عدد المتضررين من الحرب بلغ نحو خُمس سكان شبه الجزيرة الكورية، ولم تقتصر على الخسائر البشرية، بل شملت خسائر اقتصادية واجتماعية كبيرة. 
ففي كوريا الجنوبية، تضررت 43% من مرافق التصنيع العامة، و50% من مرافق التعدين والفحم، وبلغت الخسائر حوالي 22.8 مليار دولار، كما خلفت الحرب 10 ملايين أسرة مشتتة بين الشمال والجنوب، و300 ألف أرملة، و100 ألف فقدوا أبويهم.
تلك هي خلفية للحصيلة – المؤسفة - للحرب الكورية، ولا تزال شبه الجزيرة، هي الدولة المنقسمة الوحيدة في العالم، بل وتلوح في الأفق بوادر اندلاع حرب جديدة، من المؤكد، في حالة نشوبها، أنها ستعصف بالأخضر واليابس، وتهدد الأمن والاستقرار الدوليين. 
للدلالة على مدى خطورة الموقف الراهن في شبه الجزيرة الكورية، تكفي مطالعة سريعة، لما صدر في كل من بيونج يانج وسول يوم أمس الأحد، وهما تحييان، بمرارة، الذكرى الثالثة والسبعين، لحرب طاحنة، استمرت لمدة 3 أعوام وشهر، أي 1129 يومًا.
في مقال بعنوان "طموح الولايات المتحدة غير المتغير لغزو كوريا"، نشرته صحيفة "رودونج شينمون" بكوريا الشمالية، أكدت أن واشنطن تتسبب في تصعيد التوترات، من خلال نشر الأصول الإستراتيجية النووية، باستمرار، كالغواصات النووية والقاذفات الإستراتيجية بشبه الجزيرة الكورية، مشيرة إلى أن التدريبات العسكرية - بين واشنطن وحلفائها - تشبه ما حدث قبيل اندلاع الحرب الكورية.

ذكرت الصحيفة أن كوريا الشمالية الحالية ليست كوريا الشمالية وقت الحرب الكورية، وتضاعف روح انتقام الشعب الكوري الشمالي مع مرور الوقت، مضيفة أنه إذا تسببت الولايات المتحدة في "حرب كورية ثانية"، سيؤدي هذا إلى نهاية الولايات المتحدة نفسها. 

أوضحت "رودونج شينمون" أن هذه النهاية للولايات المتحدة، سوف تصبح نتيجة حتمية للإستراتيجية الأمريكية، طويلة الأمد، التي تسعى إلى السيادة العالمية، وأن شعب الشطر الشمالي مليء بالحماس لمعارضة أمريكا والقوات العميلة، ورفع كرامته كأحفاد المنتصرين في الحرب ضد الولايات المتحدة.

في سول، قال الرئيس يون صوك-يول: "إن دماء ودموع قدامى المحاربين وعائلاتهم لن تُنسى أبدًا، وأن القوة – وحدها - يمكن أن تضمن سلامًا حقيقيًا"، كما تعهد بمواصلة الدفاع عن كوريا الجنوبية، وتحقيق الرخاء والحرية للشعب الكوري حتى "لا تذهب تضحيات الأبطال الذين قاتلوا غزو القوات الشيوعية سدى".

في الوقت نفسه، قال رئيس مجلس الوزراء، هان دوك-سو: "ستحمي الحكومة الأمن وتدافع عن النفس، ليس بسلام قائم على نوايا كوريا الشمالية المزيفة، وأن بيونج يانج ما زالت غير قادرة على الاستيقاظ من الوهم الفارغ للحرب الكورية".

عندما تحذر بيونج يانج بأنها ليست في الوضع الذي كانت عليه منذ 73 عامًا، هذا صحيح، لأنها - وفقًا للتقديرات - تمتلك 40 رأسًا نوويًا، وتهدد باستخدامها، أما سول، فقد أصبح لديها تحالف إستراتيجي مع واشنطن، قائمًا على القوة النووية. 
فأية أقدار تنتظر شبه الجزيرة الكورية، وسط هذا التهديد الوجودي المروع؟!
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة