يثير شكل الشوارع سنويا خلال أيام عيد الأضحى المبارك عقب ذبح الأضاحى غضب الكثيرين، نتيجة السلوكيات الخاطئة للمواطنين عند الذبح، وترك مخلفات الأضحية كما هى بالطرقات بدلًا من إلقائها فى القمامة أو الاستفادة منها بطريقة أو بأخرى مما يظهر الشوارع المصرية بمظهر سيئ تشوه الشارع المصرى والمنظر الحضارى له؛ حيث نشعر أن الشوارع قد تحولت إلى مجزر كبير بعد امتلائها بـ"برك من الدماء"، والتي تحمل العديد من أنواع التلوث والكثير من الأمراض الناتجة من جراء ذبح الأضاحي أمام المنازل وبمداخل العمارات، الأمر الذي يجعل رائحة الدم تزكم الأنوف بالإضافة إلى تراكم مخلفات الذبائح في كل مكان، ويتكاثر حولها الذباب، الأمر الذي يؤدي قطعا إلى تلوث البيئة المحيطة بنا من كل مكان.
موضوعات مقترحة
لذلك يتعين الالتزام على المستوى الصحي بعدد من الضوابط والنصائح عند عملية الذبح خلال أيام عيد الأضحى.
أنواع التلوث التي يسببها الذبح في الشوارع
وبهذا الصدد، يقول الدكتور مجدي علام، مستشار برنامج المناخ العالمي وأمين اتحاد خبراء البيئة العرب، لـ"بوابة الأهرام": تختلف أنواع التلوث من نوع إلى آخر؛ حيث يوجد تلوث الهواء والماء والتربة، وإن ذبح الأضحية في غير المدابح الرسمية سيبب تلوث الوسط الذي نعيش به "الهواء، الماء، التربة" ونزول الدم مع بقايا الجلد والدهون وجزء من اللحم يؤدي إلى بيئة خصبة لنمو البكتريا والفيروسات والفطريات.
وتابع: لذا لابد من الذبح في المجازر المرخصة والرسمية وذلك لأنها تحافظ على منع انتقال التلوث للبيئة المحيطة، وانتقال أنواع من البكتريا والفيروسات والمخلفات البيولوجية الناتجة عن عملية الذبح، والتي تنمو فيها جميع أنواع الجراثيم والبكتريا، فضلا عن أن هناك بعض الذبائح قد تكون مصابة بأي مرض ولا يعلم صاحب الأضحية ذلك فعند ذبحها خارج المجزر قد تؤدي إلى كارثة بيئية وصحية، أما الذبح داخل المجزر الرسمي يتم عرض الأضحية على الطبيب البيطري لبيان سلامتها من مرضها.
غرفة للتلوث البيولوجي
وحذر علام، من الكوارث البيئية التي يسببها وجود دماء الأضاحي بالشوارع ، لأن عدم التخلص من الدماء يتسبب بالدخول في عملية " التخمر" مع بقايا الجلد وروث الحيوان المذبوح ليصبح ذلك "غرفة للتلوث البيولوجي"، لذا لابد من تجنب هذا التلوث وذلك بالتخلص من بقايا الأضحية بطريقة سليمة وصحية وبيئية.
وشدد مستشار برنامج المناخ العالمي وأمين اتحاد خبراء البيئة العرب، على استخدام الماء المغلي بعد عملية الذبح لتنظيف المكان وذلك لأن الجراثيم تموت بعد أن تتعدى درجة الحرارة 50 درجة مئوية. كما أنها تساعد في القضاء على مصادر تكاثر البكتريا البيولوجية، مع تسوية لحم الذبيحة في ماء مغلي غليان كامل للقضاء على البكتريا والفطريات.
وأوصى علام بضرورة الذبح داخل المجازر الرسمية، وهناك توجيهات بكل المحافظات على مستوى الجمهورية بفتح المجازر الرسمية لاستقبال الأضاحي وذبحها، كذلك الالتزام بتوجيه الأطباء البيطريين داخل المجازر، ويفضل عرض الأضحية عليهم قبل الذبح لبيان خلوها من الأمراض وصلاحيتها للذبح.
نتائج كارثية
ومن جانبها، توضح الدكتورة فاطمة على أحمد نائب رئيس مركز بحوث الصحراء، ورئيس شعبة البيئة وزراعات المناطق الجافة سابقا، على الرغم من الإضرار الصحية التى أعلن عنها الأطباء وتحذيرات الأجهزة المحلية من الذبح في الشوارع ومناشدة المواطنين بضرورة ذبح الأضحية فى المجازر المخصصة لذلك والمعلن عنها بكل منطقة ومحافظة، إلا أن كل مضحي يحرص على ذبح أضحيته بنفسه وتلطيخ يده بالدماء.
واستكملت: ولسنا نكشف سرًا إن تحدثنا عن الذبح العشوائي في عيد الأضحى، فبعضنا يتصرف وكأنه يعيش في غابة يُلقي فيها بمُخلفات الأضاحي في أي بُقعة دُون إكتراث بالعواقب التي يُمكن أن تنتهي بنتائج كارثية، الأمر الذي يعد من الجرائم البيئية، موضحة أن ما يحدث خلال أيام عيد الأضحى من ذبح بالشوارع ورمى مخلفات أمر لا يقره شرع ولا عرف؛ حيث أن بعض الأهالي يصرون على ذبح أضحيته بالمنزل أو على قارعة الطريق أمام منزله، لتنتشر بعدها مخلفات الذبح بالشوارع، وسط مناشدات مسؤولي البيئة والصحة حول الأضرار التي تنتج عن تلك المخلفات على صحة الإنسان؛ حيث إن جميع المخلفات والقمامة خاصة دماء ومخلفات الأضاحي لها ضرر بالغ على حياة الإنسان، لأن دماء الحيوانات المختلطة مع الأتربة والطين تمثل بيئة خصبة لحوالى 300 مرض تنتشر عدواها طوال العام، بإعتبار أن معظم الحيوانات المذبوحة لا تظهر عليها الأمراض، لكن معظمها خطر على حياه الإنسان.
سلوك اضطرارى
وأشارت الدكتورة فاطمة إلى أن البعض يرى أنه "سلوك اضطرارى"، وذلك نتيجة كثرة عدد الأضاحى المذبوحة خلال الأيام الأربعة، إلا أن ذلك المبرر قد لا يكون مناسباً فى كثير من الأوقات لأن الحكومة تقوم بفتح المجازر مجانًا في العيد من أجل ذبح الأضاحى فيها بدلًا من الشوارع والإستفادة بكل مكونات الأضحية وليس لحومها فقط، إضافة إلى تقليل نسبة التلوث البيئى والبصرى الناتج عن إلقاء المخلفات فى الشوارع والتى تسبب الكثير من الأمراض، لأن هذه المخلفات تتسبب فى زيادة المصادر المؤثرة على التلوث البيئي نتيجة ما يتخلف عن عملية الذبح من مخلفات ثانوية تتمثل في الدم والجلد والقرون والعظام، الحوافر والأجزاء التي لا تصلح للاستخدام الآدمي ومحتويات الكرش والصوف والشعر.
ما هي مخاطر الذبح خارج المجازر الرسمية؟
وأشارت إلى أن الأخطر ليس التلوث البيئى فحسب، لكن هناك مخاطرعلى صحة الإنسان إذا تناول اللحوم غير المعروضة على الأطباء البيطريين، ومن أخطر هذه الأمراض السل (الدرن) الرئوي واليرقان والدودة الشريطية والطفيليات والبروسيلا (الحمى المالطية) وداءالمقوسات وغيرها من الأمراض والمخاطر التي تصيب الإنسان.
أما فى المجازر يتم الكشف عن اللحوم على مرحلتين، مرحلة ما قبل الذبح، حيث هناك أمراض تظهر قبل الذبح لا تظهر بعده، والعكس صحيح.
كما ذكرت، أن الذبح خارج المجازر قد يؤدى إلى تلوث بيئي عن طريق صرف دماء الحيوانات المذبوحة بالمصارف وبالشوارع؛ حيث إن بها ميكروبات قد تنتقل عن طريق المياه إلى الإنسان فيما بعد، وأخطر ما ينتج عن الذبح في أماكن غير صحية هو وقوف الحشرات على اللحوم تاركة سمومها في اللحم لتنتقل إلى الإنسان بمجرد أن يتناولها، إضافة لنقلها للعديد من الأمراض الأخرى، بجانب أن كثيرا من الأمراض تنتقل عن طريق ملامسة الحيوان قبل الذبح، خصوصًا أن كان من يقوم بالذبح بيده جُرح مثلًا، أو بعد الذبح خارج المجزر ينتقل للإنسان مثل السل والذي ينتقل عند تناوله اللحوم؛ لأن ميكروب السل لا يتأثر بالنيران، فيصل الميكروب للإنسان.
أما "السل الرئوي" هو من أخطر الأمراض التي لا بد أن يكشف على الحيوانات بسببه، والطفيليات كالديدان الشريطية وهى خطيرة جدًا وتصيب عضلة القلب وتؤدى لوفاة الإنسان وعند كشف الطبيب البيطري على الحيوان يجدها في قلب الحيوان، ومرض البروسيلا، وداء المقوسات، وذلك إذا كانت الحيوانات المذبوحة مريضة ولا يعلم الجزار بالطبع، ذلك إضافة إلى مرض اليرقان والذى يصيب الخراف ويجعل كل اللحم والعضلات صفراء اللون ويستطيع الطبيب البيطرى كشفه، ليتأكد هل هو مرض بكتيرى أو فسيولوجى.
كما أن هناك بعض الممارسات الخاطئة ومنها عند ذبح الأضحية فإن البعض يقومون بتلطيخ أيديهم بالدماء وطبعها على الحوائط؛ مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى.
ماذا يحدث لو تم التخلص من مخلفات الذبح بشكل غير صحي؟
وحذرت الدكتورة فاطمة من حدوث تلوث لكل من المياه السطحية والجوفية، والتربة؛ مما يتسبب عنه تغير في محتويات التربة، بالإضافة إلى تلوث الهواء، فضلا عن حدوث خلل بيئي عندما تصرف مخلفات الذبح بشكل غير صحي إلى المياه، فقد يؤدي ذلك إلى نفاد الأكسجين الذائب، وحدوث أضرار جسيمة بالكائنات المائية، وتكوين ترسبات طينية ورغوة تطفو على سطح المياه.
ما هي الأضرار البيئية الناجمة عن مخلفات الذبح؟
وتتفق الدكتورة فاطمة علي أحمد مع الدكتور مجدي علام في الأضرار البيئية الناجمة عن مخلفات الذبح من الدماء "حدوث عملية التخمير" تحت درجات حرارة مرتفعة، تصل لـ65 درجة مئوية لمدة شهر كامل، حتى تستطيع أن تقتل الحشرات والكائنات الضارة الأخرى.
ما هي أوجه الاستفادة المثلى من بقايا الذبح؟
وعن كيفية الاستفادة من بقايا بعد التخمير للمخلفات، تقول: يمكن الاستفادة من هذه البقايا بعد التخمير في تسميد التربة؛ حيث تساهم فى النشاط الزراعى بدلًا من الأسمدة الكيماوية.
كما يغفل الكثيرون عن أهمية هذه المخلفات الحيوانية، لأنها من الممكن أن تدخل فى العديد من الصناعات وأبرزها: "صناعة الجلود"، فجلود الأغنام والأبقار والجمال تتم الاستفادة منها فى صناعة الأحذية والأحزمة والملابس، ولذلك فالذبح الآمن والصحيح داخل المجازر بدلًا من الشوارع له أهمية كبيرة من الممكن أن نستفيد بها اقتصادياً بدلًا من إهدارها.
مواد خام قّيمة
وأوضحت أن هذه المُخلفات التي تبدو عديمة الفائدة بالنسبة لفئة واسعة منّا، ولكنها تعتبر مواد خام قيّمة يُستفاد منها أيضا في إعداد الأعلاف والسماد وحتى إنتاج الغاز الحيوي. كمثال لهذه الإستخدامات، فإن "مسحوق الدم" الذي يتم تحضيره من تجفيف الدماء يُمكن أن يُضاف إلى العلف، فهو يحتوي على 80% من البروتين ويُمكن إستعماله بنسبة 6- 8% في خلطات الأعلاف، كما يُمكن لهذا المسحوق أن يستخدم كسماد عضوي غني بعنصر النيتروجين، ويستعمل في الحدائق المنزلية بإضافته إلى التربة ليساعد النباتات على النمو بسرعة وقوة. كما يمكن الإستفادة من الجلود والعظام في صناعة مادة الجيلاتين، الذي يستخدم في صناعات مختلفة مثل مستحضرات التجميل والكبسولات الدوائية وكبديل لبلازما الدم وغيرها، بدلًا من أن يتم هدرها وتحويلها إلى قمامة.
ضرورة إجراء عمليات غسيل للشوارع بالمطهرات لإزالة رائحة الدم
وشددت الدكتورة فاطمة على ضرورة إجراء عمليات غسيل للشوارع بالمطهرات لإزالة رائحة الدم، ولابد من تطبيق عقوبة الذبح في الشارع، وتحرير محضر تلوث بيئي حفاظًا على الصحة العامة، ومنع تلوث الشوارع والحفاظ على مظهرها الحضاري؛ حيث أن عمليات الذبح في الشارع على مرأى من المارة، ليصاب الكثير من الأطفال بحالة من الهلع والخوف من منظر النحر والدماء السائلة في الشوارع، وتتحول بعضها إلى برك من الدماء في غفلة عن أعين مراقبي الأحياء، ودون تأكد أن كانت تلك الذبائح صالحة للاستهلاك أم لا، سليمة أم مصابة بالأمراض، بالإضافة إلى إعاقة حركة السير في تلك الشوارع؛ حيث تتكدس المركبات نتيجة التزاحم الشديد أمام محال الجزارة.