لو لم تكن العلاقة القوية للفلاح المصري بالطبيعة وحرصه على بيئته المحيطة، لما تحققت له الحضارة التي أقيمت على ضفتي النيل وأبدعها "الله سبحانه" وسميت بـ"حضارة وادي النيل"، فعلاقة المصري بما حوله من مكونات الحياة وعناصرها،عميقة، فهو صديق وخادم لها، ومحافظ على مواردها.
وإذا كان العلماء والمفكرون يعتبرون أن تاريخ مصر هو تاريخ الحضارة الإنسانية، فإن تاريخ هذه الحضارة المصرية كان أساسه وبدايته هو "الزراعة" على يد الفلاح المصري، الذي أبدع وقدًّم لنا وللعالم حضارة عريقة سبقت حضارات العالم.
ولعل موسم العودة إلى الداخل، هو في جوهره عودة إلى الطبيعة، عودة إلى الزراعة وإلى التراث الزراعي وخبرات الأجداد الذين تركوا لنا كنوزًا نادرة تتزايد قيمتها داخل الوطن، بعد أن مارس واكتشف أبناء مصر الذين سافروا وهاجروا إلى الخارج، قيمة هذه الكنوز مقارنة بما في الخارج، فالكنوز المصرية في مجال الموارد البشرية لا تقل أهمية وغزارة عنها في الموارد الطبيعية.
نهتم بالمصريين في الخارج وهذا جيد ومفيد للوطن ولأبنائه، فماذا عن هؤلاء الذين عاد كثير منهم وهجروا الخارج إلى الداخل، عادوا إلى حيث الأرض الطيبة وطقسها الفريد، وهي نعم ينفرد بها الوطن عما سواه على نطاق الكوكب.
ومع عودة الاهتمام بالأرض واستثمار التربة بواسطة التقنيات الحديثة وتطبيق طرق الزراعة الذكية، بدأ فلاحو "أبوصوير" في الزراعة الحيوية، وإعادة العلاقة مع الأرض والتربة والماء والهواء، معتمدين على الطاقة المتجددة لحل مشكلات الزراعة في إطار "التنمية المستدامة" سواء في استنباط سلالات جديدة للثمار، وأيضًا في تطبيق تقنيات حديثة لإدارة المياه ووسائل الحصول عليها واستخداماتها، أو في استخدام تطبيقات، لا تزيد جودة وحجم المحصول فحسب، بل تساعد على معالجة التحديات الاجتماعية والبيئية في قطاع الزراعة وإنتاج الغذاء المستدام، وزيادة الإنتاج والقدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ.
ولاشك أن إقامة "الجسور الخضراء"، وهو مصطلح أطلقه الأب الروحي للتنمية المستدامة د. صلاح عرفة، أستاذ الفيزياء بكلية العلوم والهندسة بالجامعة الأمريكية، لتربط هذه الجسور بين أضلاع مثلث التنمية، "العلماء، والجامعات، والمجتمع" ، لنشر المعرفة بأهمية الاستثمار الزراعي البيئي المستدام، بمبادرة بين "مجلس علماء مصر" برئاسة م. حاتم الرومي، وإحدى الجمعيات البيئية؛ لترجمة مبدأ "التشبيك" بين الكيانات الرسمية وغير الرسمية، مع المجتمع المدني، لنقل ونشر التجربة البيئية، ولتدريب طلاب الجامعات، وبناء قدرات المزارعين، ومن ثم الوصول إلى فرص الدخول للأسواق الخارجية، فضلا عن توفير المزيد من فرص العمل العادلة.
وتعد تقنيات الذكاء الاصطناعي والمحاكاة أحد أهم المحاولات لمعالجة متغيرات المناخ، لتساهم بشكل فعال ومتسارع في معالجة معضلات الزراعة معتمدة على أحدث الوسائل والبرامج فائقة التقنية، وفي صدارتها نظم إمداد الطاقة المتجددة وأهمها الطاقة الشمسية، عبر إعادة تدوير المياه المستخدمة للري بنسبة 100%، كما يتم إعادة تدوير التربة المستخدمة في الزراعة واستخدامها للزراعة التقليدية، مع تقنيات استنبات بذور الأعلاف واستخدامها كعلف حيوانى بقدرة إنتاجية عالية، ويستخدم هذا الإنتاج في تغذية وتربية الثروة الحيوانية والداجنة، عبر الزراعة الدوارة، كما أوضح د. عرفة.
ويجسد القطاع الزراعي آخر مستجدات التطور التقني، للتعرف على هذه التقنيات التي تتزايد أهميتها مع تزايد أعداد الباحثين عن الطعام من سكان الكوكب، حيث الأولوية للقطاع الزراعي في عموم الجمهورية، وخاصة في المناطق الجافة التي تشكل فيها الزراعة الدخل الرئيسي والنشاط الاقتصادي الأهم.
وتعد مصر من المناطق الغنية في احتوائها على الطاقة الشمسية، حيث تقع جغرافيًا، فيما يعرف بالحزام الشمسي، وهو بين خطي 31.5 و 22عرض شمالا، وبذلك فهي تعد من أغنى دول العالم بالطاقة الشمسية، وهذه الحقيقة العلمية لم تغب عن فكر العلماء، بعد إصدار "الأطلس الشمسي" والذي يبين أن متوسط عدد ساعات سطوع الشمس في مصر يتراوح بين 9 - 11 ساعة، وهناك 14 مصدرًا لمفهوم الطاقة المتجددة، بدءًا من الطاقة الشمسية، والرياح، وطاقة المياه، وصولا للماشية والدواب والثروة الحيوانية.
ولاشك في أن المعرفة والنظم الزراعية الاصطناعية المتكاملة، توفر لرؤى تنبؤية عن زراعة محاصيل محددة، في فصل معين من السنة، فضلا عن التوقيت المحدد للزراعة والحصاد عن طريق تحليل التربة في منطقة محددة مثل الرطوبة والطقس، وأداء المحاصيل التاريخية، ودرجة الحرارة ومع تطبيق هذه النظم الاصطناعية، قد يتعارض مع استخدام المبيدات الزراعية بشكل أساسي التي تسبب الكثير من المشكلات البيئية ومشكلات تلوث المياه وبتطبيق هذه التكنولوجيا سوف تقلل من الآثار الضارة على النظم الإيكولوجية.
لقد سطر خبراء التنمية المستدامة اسم "مصر" على طاقة الشمس التي لاتغيب، واستثمروا نعمة الطاقة الطبيعية، عبر مشروعات لتوليد الطاقة النظيفة بخطط ومبادرات، تم تنفيذها بالزراعة الحيوية، لتلبي استحقاقات التنمية المستدامة، وتصون الطبيعة وتحفظ حقوق الأجيال المقبلة، فضلا عن تلبية التزامات مصر الدولية في مبادرات الاحتباس الحراري والبصمة الكربونية.
[email protected]