انطلاقا من حرص الدولة على الحفاظ على القاهرة القديمة وتاريخها الكبير الذي لا يمكن تدميره، وتقدير رموزها التاريخية وترها العريق على النحو اللائق، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزارء، بدء تنفيذ "مقبرة الخالدين"، لرفُات عظماء مصر ورموزها، بناءا على توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، على غرار مقبرة "باير لاشيز" في العاصمة الفرنسية باريس، التي تعد الأكبر والأكثر زيارة على مستوى العالم، وتحتضن رفات أعلام الحياة الفنية والأدبية والسياسية على مدار 200 عام في قلب باريس.
موضوعات مقترحة
قبل أيام قليلة وجه الرئيس السيسي، بإنشاء "مقبرة الخالدين" لتكون صرحًا يضم رفات عظماء ورموز مصر، لتتضمن متحفا للأعمال الفنية والأثرية الموجودة في المقابر الحالية، وتشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تضم جميع الجهات المعنية والأثريين المتخصصين والمكاتب الاستشارية الهندسية، لتقييم الموقف في شأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفسية والإمام الشافعي، وتحديد كيفية التعامل مع حالات الضرورة التي أفضت إلى مخطط التطوير، على أن تقوم اللجنة بدراسة البدائل المتاحة والتوصل لرؤية متكاملة وتوصيات يتم الإعلان عنها للرأي العام قبل اليوم الأول من يوليو 2023.
مشروع "مقابر الخالدين" للحفاظ على عظماء مصر
وأكد رئيس مجلس الوزراء، خلال جولته اليوم السبت، بمنطقة المقابر بصلاح سالم، التي جاءت في إطار تنفيذ تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي، في موقع مناسب لإعلاء شأن الزعماء الراحلين، أن هناك مقابر خلال شهور بسيطة من الممكن أن تنهار، رغم أن مناطقها لا تدخل في حيز التطوير أو المشروعات، وهذه المقابر إما سيتم تطويرها نظرا لقيمتها التاريخية والأثرية، أو نقل شواهدها التاريخية وأهم الأشكال المعمارية والزخرفية، لنحافظ عليها ونجعلها مزارا أو في شكل متحف.
وكشف "مدبولي"، عن أنه سيتم نقل المقابر التي أصبحت لا تصلح للاستخدام الذي أنشئت من أجله إلى مناطق أفضل، لافتا إلى أننا شاهدنا مقبرة الزعيم أحمد عرابي ووضعها السيئ الذي أصبحت عليه، ولهذا وجه الرئيس بإنشاء مقبرة الخالدين لتجمع كافة الزعماء وقادة الوطن لتكون مزارا نفتخر به، وسيتم إنشاء خدمات سواء حدائق أو طرق، لأنه لا يصح أن نترك منطقة بهذا الشكل، بالإضافة إلى تجميع المياه الجوفية بها لأنها منطقة منخفضة.
القاهرة التاريخية أبرز المدن التراثية في العالم
وفتح الإعلان عن بدء تنفيذ مقبرة الخالدين، العديد من التساؤلات، حول معايير اختيار مكان المقبرة، ومصير المنشآت التراثية، وكيف سيتم نقل المقابر إلى مكان آخر، وكيف يمكن تنفيذ "مقبرة الخالدين"، بالأطر العالمية للحفاظ على الإرث والهوية المصرية، الإجابة يستعرضها كبار الآثريين في التقرير التالي.
وتعد مدينة القاهرة التاريخية، أحد أبرز المدن التراثية القديمة على مستوى العالم، وقد تم تسجيلها على قائمة مواقع التراث العالمي في اليونيسكو عام 1979، لكونها غنية بآثارها المعمارية والفنية التي ترجع إلى الفترة التاريخية الممتدة ما بين العصر الروماني وعصر أسرة محمد علي.
قرار إنشاء "مقبرة الخالدين" ينتصر للحق
ويرى كبير الآثريين بوزارة الآثار، أن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بإنشاء مقبرة الخالدين لضم رفات عظماء مصر، جاء في الوقت المناسب وهو خطوة مهمة جدا تنتصر للحق، فالقار ينص على تقييم الموقف بشأن نقل المقابر، وتحديد كيفية التعامل مع بعض الحالات، إلى جانب تشكيل اللجنة التي ستدرس البدائل المتاحة.
وطالب بضرورة نقل تجربة مقبرة الخالدين في كل محافظة، لأن كل محافظة تضم عددًا كبيرًا من الرموز والعظماء المصريين، إلى جانب أن القبر الواحد يضم أكثر من رفات وغير معلومة، ويوجد رموز مصرية خالدة منذ القرن السابع الهجري والرابع عشر الميلادي.
مقترحات عن مكان إنشاء مقبرة الخالدين
وعن مكان تنفيذ مقبرة الخالدين، يؤكد "شاكر"، أن هناك الكثير من المعلومات غير معروفة بالنسبة لشكل وبناء المقبرة وموقعها، متقدمًا باقتراح يتعلق بمكان إنشاءها بحيث تكون في الجبانة المنسية امتداد للمصريين القدماء والتي تمتد من أبو رواش حتى بني سويف، أو يتم إنشائها في العاصمة الإدارية الجديدة باعتبارها عاصمة جديدة في كل شيء.
الدكتور مجدي شاكر كبير الآثريين بوزارة الآثار #
وطالب المصممون الذين سيعملون على مشروع إقامة مقبرة الخالدين، بضرورة القراءة في التاريخ، حيث أن هناك أساتذة مشهورين ومُهمين في هذا المجال إلى جانب الكتب ورسائل الماجستير التي تحدثت عن هذه الجبانات والشخصيات المدفونة فيها الأمر الذي يؤكد على ضرورة الدراسة الجيدة قبل البدء في تنفيذ مقبرة الخالدين.
واتفق معه الدكتور على أبو دشيش خبير الآثار المصرية وعضو اتحاد الآثريين، فيؤكد أن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء مقابر للخالدين خطوة عظيمة جدا، لأنهم رموز عظيمة للدولة المصرية، والقيادة السياسية تحترم علمائها ومفكريها وكل من أنجز عمل هام للدولة في جميع المجالات.
ومقابر الخالدين ستصبح مكانا سياحيا عظيما جدا في الدولة، ليرى العالم الخالدين والمتخصصين من عظماء مصر مدفونين في مكان واحد، بحسب "أبو دشيش"، الذي شدد على ضرورة كتابة سيرة ذاتية مختصرة عن كل رمز من الرموز المصرية الوطنية ووجود هؤلاء في مكان واحد سيكون مزار سياحي، سوف يأتي إليه الزائرين من كل دول العلم يتعرفوا على الرموز المصرية.
الدكتور علي أبو دشيش خبير الآثار المصرية
إنشاء مقابر الخالدين في العالم
ونشأت فكرة إنشاء مقابر الخالدين في العالم، من الرغبة في تخليد ذكرى بعض الشخصيات التاريخية، التي أسهمت بشكل ما بأعمال عظيمة في تاريخ الأمم من الأدباء والمفكرين والسياسيين وقد نشأت الفكرة في البداية في فرنسا ومنها انتقلت إلى الكثير من الدول في العالم.
وهناك 4 مقابر خالدين في العالم، وهم، مقبرة العظماء أو البانثيون ومقبرة مونمارتر، ومقبرة بير لاشيز التي تبلغ مساحتها 118.6 فدانا، وتعتبر من أكثر المقابر زيارة في العالم، فيها دفن أعلام الحياة الفنية والأدبية والسياسية في فرنسا على مدار 200 سنة، ومقبرة هوليود فوريفر سيميترى، وتضم رفات أشهر فنانين هوليود ودُفن بها جودي جارلاند وسيسيل بي ديميل ورودولف فالنتينو، وأخيرا مقبرة لوس أنجلوس، وتضم هذه المقبرة التي تأسست سنة 1877 رفات مشاهير المدينة الأمريكية وهى مقامة على مساحة 67 فدانا.
تصور لمقبرة الخالدين في مصر
وأشاد الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، بزيارة رئيس مجلس الوزراء اليوم لمنطقة المقابر بصلاح سالم، عقب توجيهات الرئيس السيسي بإنشاء "مقبرة الخالدين في موقع مناسب، لتكون صرحا يضم رفات عظماء ورموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة في رفعة الوطن، على أن تتضمن أيضا متحفا للأعمال الفنية والأثرية الموجودة في المقابر الحالية، ويتم نقلها من خلال المتخصصين والخبراء، بحيث يشمل المتحف السير الذاتية لعظماء الوطن ومقتنياتهم، ويكون هذا الصرح شاهدا متجداا على تقدير وتكريم لأبنائها العظام وتراثها.
وعن تصوره لمقبرة الخالدين، يقترح "ريحان"، أن يتم التصنيف وفقا لمجال صاحب المقبرة سواء كان شخصية دينية أو مؤرخ أو أديب أو سياسي، بحي تكون مقابر الأدباء في قطاع ومقابر المؤرخين في قطاع وهكذا، وأن تضم كل مقبرة متحفا خاصا ملحقا بها يشمل مقتنيات المقبرة نفسها ومقتنيات يتبرع بها الأهل والأحباء تخص صاحب المقبرة من كتب وأدوات شخصية وأوسمة ونياشين وجوائز وخلافه من المقتنيات المتحفية.
ويتم ذلك مع تعريف كامل لصاحب المقبرة وإنجازاته مع عمل قاعة بانوراما كاملة، لعرض كل المقابر بمقتنياتها بتقنية البعد الثلاثي، على غرار القبة السماوية بمكتبة الإسكندرية، وتوضح هذه المقابر كمزار على خارطة السياحة المحلية والإقليمية والدولية.
أهمية مقابر الخالدين
أما عن أهمية المقابر، فيرى أن هذه المقابر تتضمن طرزا معمارية فريدة من عمارة المدافن والأضرحة، كما تتضمن تحف فنية وقد عثر بها على شاهد قبر بالخط الكوفي، يعود إلى القرن الثالث الهجري، الثالث الميلادي، بالإضافة إلى أنه عثر على بئر بميدان السيدة عائشة ومواسير فخارية يحتمل إرجاعها إلى العصر المملوكي من القرن 13 إلى 16 م.
وذلك بالإضافة إلى قيمة الشخصيات المدفونة بها مثل محمود سامي البارودي ويحيي حقي والمقريزي شيخ المؤرخين وغيرهم، وتقع هذه المقابر ضمن النسيج العمراني للقاهرة العمرانية، وكان ضمن معايير تسجيلها ترا عالمي باليونسكو، أنها من أقدم مدن التراث الحي المستعمل نسبيا حتى الآن، وبالتالي فإن اقتطاع جزء لا يتجزأ من ذاكرتها الوطنية بهدم المقابر يفقدها معيار التواصل الحضاري.
وبالنسبة للوزارات والهيئات التي يجب أن تشارك في اللجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، لتقييم الموقف، يقترح الخبير الآثري، أن تكون مشكلة من المجلس العربي للاتحاد العام للآثريين العرب، وزارة السياحة والآثار، هيئة التنسيق الحضاري، لجنة التاريخ ولآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية التي تأسست عام 1948 كممثل للمجتمع المدني.
رؤية متكاملة لتنفيذ "مقبرة الخالدين"
ويؤكد، أن اللجنة يجب أن تعمل من خلال أطر ومبادئ معينة، ومنها مراعاة المادة 50 من الدستور، الخاصة بأن تراث مصر الحضاري والثقافي بتنوعاته ومراحله كلها، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، والاعتداء عليه جريمة يعاقب عليها القانون، والمادة 21 من قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983، بحيث تراعي مواقع الآثار والأراضي الأثرية والمباني والمواقع ذات الأهمية التاريخية عند أي تخطيط ويجب موافقة وزارة السياحة والآثار كتابيا على المشروع.
كما يجب مراعاة اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972، فعلى الدولة اتخاذ التدابير القانونية والعلمية والتقنية والإدارية والمالية المناسبة لتعيين هذا التراث وحمايته والمحافظة عليه وعرضه وإحيائه.
الدكتور عبد الرحيم ريحان الخبير الآثري
ويوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان، مهام اللجنة المختصة بتنفيذ مقابر الخالدين، ومنها أن تحدد المعاينة أن هناك مقابر تستحق التسجيل في عداد الآثار الإسلامية طبقا للمادة 2 من قانون حماية الآثار، والتي تتيح تسجيل المبنى أو المنقول في عداد الآثار، إذ كانت له قيمة تاريخية أو علمية أو دينية أو فنية أو أدبية، دون التقيد بالحد الزمني الوارد في المادة 1، وهي 100 عام، وبهذا يتوافر للمبنى والتحف الحماية طبقا لقانون حماية الآثار 117 لسنة 1983.
وتحدد اللجنة مدة أحقية المبنى للتسجيل ضمن المباني التاريخية وهي المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز أو المرتبطة بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية، والمسجل مباني تاريخية من المقابر 87 مقبرة فقط، والتي تمثل 20% فقط من إجمالي المقابر، وفي هذه الحالة يتم تطبيق المادة 4 من القانون رقم 144 لسنة 2006، عن كيفية تسجيل المباني التراثية بتشكيل لجنة بقرار من محافظ القاهرة.
وتتضمن اللجنة ممثلًا من وزارة الثقافة يتولى رئاسة اللجنة وممثلًا لوزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، وشخصين من المحافظة المعنية وخمسة من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المتخصصين في مجالات الهندسة المعمارية والإنشائية والآثار والتاريخ والفنون، على أن ترشح كل جهة من يمثلها وبالتالي تخضع للحماية بالقانون 144 لسنة 2006.
مصير المقابر الباقية
أما عن المقابر المتبقية دون تسجيل، يقول "ريحان"، أنه يتم دراسة حالتها الفنية ومدى الخطورة في بقائها في الموقع، وبناءً عليه يتقرر نقلها وحتى المقابر التي يتقرر تسجيلها آثار أو مباني تاريخية يمكن نقلها لو هناك خطورة عليها.
والمقابر التي تقرر اللجنة بقاءها، تتم أعمال ترميم وصيانة لها ومعالجة لتسرب المياه الجوفية وإحاطتها بسور للحماية وإعادة توظيفها ثقافيًا وسياحيًا بفتحها للزيارة كمتحف مفتوح يرتبط بزيارة قلعة صلاح الدين من كل الجنسيات وتوضع على برنامج الزيارة، ويجب أن تترك للجنة حرية الوصول إلى أي حلول بديلة حتى إذ تضمن تغيير مسار الكوبري بعيدًا عن هذا الموقع، ومعالجة مشاكل المياه الجوفية وتطوير المقابر في موقعها وفتحها للزيارة كمتحف مفتوح.