مكاسب الحج لغير الحجاج

24-6-2023 | 13:44


يحلم الملايين في كل أنحاء العالم بالحج ولا يستيطعون لأسباب مختلفة؛ فيحزنون ويتألمون ويتحسرون؛ ونؤكد استطاعتهم الفوز بأفضل مكاسب أثناء الحج وبعده ليصنعوا "الزاد" الروحي الجميل الذي يفوز به حجاج بيت الله الحرام، وليتخلصوا من الذنوب ولينعموا "ببداية" جميلة ونقية يستحقونها تبارك أعمارهم وتملأها نورًا صافيًا يبدد "أثقال" الاحتفاظ بما يعطلهم عن التمتع بجوائز من يفوزون برضا الرحمن وحبه..

يبدأ الحج بالنية ويمر بخطوات الاستعداد وينجح بحسن التنفيذ "ويحتفظ" الحجاج الأذكياء بمكاسب الحج الرائعة والمتفردة أثناء الحج وبعد عودتهم لأوطانهم وطوال العمر "متى" تنبهوا لعدم العودة -ما استطاعوا بالطبع- لما "يحرمهم" من رضوان الخالق عز وجل؛ وعندما يفعلونه يسارعون بالتوقف عنه "وتنفس" كراهية العودة إليه والتوبة الصادقة ومن شروطها عدم تكرار الذنوب؛ فليبدأ غير الحجاج بالنية..

لن يعود الحاج لوطنه ملاكًا يسير على الأرض فلا ملائكة عليها؛ والحاج "الناجح" وحده سيعود راغبًا بقوة في الحفاظ على "ثمار" حجه ورعايتها بثواني عمره وسنواته وتنميتها ومضاعفتها ما استطاع؛ وليفعل ذلك  فليتنبه لكلامه وأفعاله ولقلبه ويسارع "بطرد" ومحو كل الشوائب التي تزوره؛ ولا قلب بالكون لا تزوره الشوائب التي يغذيها شياطين الأنس والجن والنفس الأمارة بالسوء؛ ومن يرغب بالاحتفاظ بنقاء الحج فليطردها أولًا بأول ويجدد "التبرؤ" منها ومن حوله ومن قوته، ويسارع بالاستعانة بالرحمن "لينقذه" منها ويمكن لغير الحجاج فعل ذلك.

من الشوائب التي "يغفل" عنها الكثيرون العجب بالنفس والاغترار بالطاعة وتناسي أنها "نعمة" من الرزاق سبحانه وتعالى، وأن من كان في نعمة ولم يشكر خرج منها ولم يشعر..

فإذا أحسنا فهذا فضل من الرحمن الرحيم، وإذا أخطأنا فلسوء تصرفاتنا، ورب طاعة أدت إلى غرور وابتعاد عن الخالق، ورب معصية أدت إلى شعور الإنسان بالانكسار بين يدي الرحمن، والسعي لطلب رضائه، فلا نغتر أبدًا بطاعة أو باقتراب، ولنسأل الخالق دائما حسن الخاتمة، ونردد من قلوبنا قوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة) وندعو: يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على حبك.

فلنبدأ فورًا تحسين عباداتنا وزيادة التركيز فيها، واستحضار الخشوع فيها، وزيادة الأعمال الصالحة في مختلف المجالات، مع ضرورة (مذاكرة) كل خطوات الحج وفهمها واستيعابها جيدًا وفهم الحكمة منها لنستفيد منها.

ولنتنفس (الـتأدب) مع الرحمن جميعا حجاجًا وغير حجاج ومن كل الأعمار ولنسجد شكرًا للخالق سبحانه وتعالى عندما نرتقي دينيًا ولنتذكر أنها نعمة ولنضع في قلوبنا وأعمارنا وعقولنا الآية الكريمة :"وما بكم من نعمة فمن الله" والآية الكريمة: "وقليل من عبادي الشكور" ولنجتهد وتنتافس مع أنفسنا لنكون منهم..

من لم يستطع الحج بإمكانه الفوز بمكاسب الحج؛ وليبدأ بالاغتسال وصلاة ركعتين "ينوي" فيهما بدء حياة "جديدة" وكلنا خطاءون، وخير الخطائين التوابون، كما قال حبيبنا ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، وكما قيل لا توجد صغيرة مع الإصرار ولا توجد كبيرة مع الاستغفار، فلنغتسل من الذنوب، وكلنا أمل وحسن ظن برحمة الخالق عز وجل مع تأكيد النية بعدم الرجوع إلى الذنوب، وفتح صفحة "جديدة" ناصعة البياض.

وبعد الاغتسال من الذنوب وتجديد كراهيتها والعزم على عدم الرجوع إليها يأتي دور التطيب، وأفضل ما يتطيب به العبد هو الذكر المتواصل بالقلب واللسان وتجديد العبودية الخالصة للرحمن وتقوية الشعور بالتسليم له وحده.

لنتدبر الآية الكريمة: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"؛ ونتذكر أن الله يحب المتقين، وغير ذلك مما بشر الله به المتقين، من جوائز الرحمن، وما أكثرها وما أعظمها، وقد أوجز الأمام علي كرم الله وجهه التقوى بأنها الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.

لنسارع بعمل ما يفعله الحجاج كإنهاء الخصومات ومنع الجدال طوال العمر والتحصن منه مسبقًا، بتذكر العائد الديني العظيم لمن يتجنب الجدال؛ فكما يأخذ الحجاج الأمصال الواقية من الأمراض الجسدية فإن الوصايا الدينية هي أمصال واقية من الأخطاء في الحج وبعده؛ فالحج هو رحلة لتهذيب النفس، فلنضع أمام أعيننا قول رسولنا الحبيب صلوات الله عليه: (أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)
غير الحجاج يستطيعون التدرب على "تعمد" الحجاج تجاهل الصغائر "والتركيز" في العبادات؛ "والفوز" به طوال العمر والتراجع عندما نكتشف "تورطنا" بالاهتمام بالصغائر. 

يقول الحاج بقلبه قبل لسانه لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك؛ ويستطيع غير الحجاج قولها أثناء الحج ودائمًا "بيقين" وبحب وبفرح يعلو بهم "وينتشلهم" من الاستغراق في الانشغال بالدنيا وهمومها ويجعل الدنيا في خدمة الدين وليس العكس، وتذكر أن الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، فلنحرص على زيادته أثناء الحج ودائمًا..

يركز كل حاج في أداء مناسكه ولا يبعثر طاقته في مراقبة غيره ولا بانتقادهم فليفعل غير الحجاج ذلك دومًا وليركزوا على التحسن دينيًا ودنويًا في الحج ودوما..

فليتعامل غير الحجاج كالحجاج ويرون الحج  بداية لحياة جديدة، ملؤها الرضا والتوكل والتسليم والتقوى والركون إلى الخالق وحده، وليس أيامًا للعبادة ثم العودة إلى الحياة السابقة، فيخسر المعنى الحقيقي للحج، وندعو إلى تجنبه وإلى الاستماتة في رفضه بالفعل الواعي وليس بالقول فقط، ولنعمل أن يكون كل منا حاجًا أو غير حاج نورًا متحركًا يضيء حياته وحياة كل من يعرفه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة