المال والإعلام والسي آي إيه!!

24-6-2023 | 12:25


 ليست هناك نظريات مؤامرة.. ولا ما يُدعى بالغزو الثقافى للعقول؛ والدليل أن الناس تحب أمريكا هكذا لله وللوطن!!
 
فبينما تُكسي الوجوه فى الشرق نظرات الشك عندما يأتى ذكر نظرية المؤامرة، فإن الغرب الأمريكي اليوم على العكس بدأ يقتنع بهذه النظرية خاصةً بعد فضيحة التسريبات التى أكدت أن السلطات الفيدرالية تتجسس على عموم الشعب الأمريكي دون علمه، وأنها تفعل ذلك بشكل رسمى وإن كان يتم سرياً وفى تكتم وخفاء!
 غير أن تلك التسريبات لم تكن السبب الوحيد فى قناعة الشعب الأمريكي بنظرية المؤامرة، فما خفي كان أعظم.. ويبدو أن كواليس المسرح السياسي الأمريكي تضج بالأسرار..

الثعلب العجوز يتحدى الموت

أمريكا بها عدد من الثعالب وكلهم كهول عجائز امتد بهم العمر طويلاً.. ليس أولهم رؤساء أمريكا السابقين ولا آخرهم هنرى كيسنجر.. لكنى هنا أخص أحدهم بالإشارة وهو من دهاقنة المال والسياسة، وقد جرى ذكره كثيراً فى وسائل الإعلام العالمية بعد انتشار شائعة وفاته فى أعقاب الانتخابات التركية الأخيرة.. إنه الملياردير الأمريكي المثير للجدل (جورج سوروس) ثعلب السياسة والمال.. فمن هو؟! ولماذا تحول إلى تريند عالمى فى الأسابيع الأخيرة؟
السبب أن هذا الملياردير يهيمن على عدة وسائل إعلام فى الشرق والغرب، وباستطاعته السيطرة على وسائل التواصل والسوشيال ميديا سلباً أو إيجاباً.. وهو مستهدف من قِبل اليمين الأمريكي المتطرف، وسبق أن تعرض لما قيل إنه محاولة للقتل. ومنذ عشر سنوات مضت أشيع أنه مات بينما تبين أنه مازال حياً وكان حينها قد تجاوز الثمانين بقليل.. فلماذا هو مكروه ومطلوب الرأس عند الأمريكيين؟!
أول ما أثار الريبة حول 
سوروس السرعة العجيبة التى تحول بها من مهاجر مجرى يهودى فقير وبائع متجول على البحر وفى متاجر الهدايا التذكارية إلى واحد من أكبر رجال المال والبورصة فى أمريكا، وأنه لم يكن حتى سبعينيات القرن الماضى يملك إلا نصف شركة صغيرة للأسهم..

نشأ سوروس فى بودابست عاصمة المجر لأسرة يهودية ثرية غير متدينة، وهرب من محارق النازية إلى بريطانيا ليدرس الاقتصاد والفلسفة وتأثر بأستاذه كارل بوبر الذى يعتبره البعض آخر فلاسفة التنوير.. هكذا مزج سوروس فكره الاقتصادى بفلسفة خاصة تبناها لنفسه، وبات يروج لها من خلال فروع مؤسسته العملاقة المشهورة باسم (المجتمع المفتوح) بين عامى 1979 و2011 والتي تشعبت كالنبت الشيطاني فى أكثر من 120 دولة حول العالم.. وتحت غطاء دعائى يروج لسوروس باعتباره رجل الخير والبر والأعمال الخيرية، تحول مشروع سوروس ومؤسساته المالكة لعدد من كبريات المؤسسات الإعلامية فى الغرب والمحركة لعدد آخر منها فى الشرق، تحولت المؤسسة القائمة على فكرة فلسفية تبدو بريئة إلى مؤسسة ذات توجه سياسي واضح وأجندة موجهة لخدمة الإمبريالية ودعم الصهيونية العالمية غربا وحركات التطبيع شرقا.. أى أنه تحول إلى ما يشبه الذراع الاقتصادى للإمبراطورية الأمريكية..

هذا يفسر كراهية أبناء الشرق له، فلماذا يكرهه الأمريكيون والأوربيون على حد سواء؟!
فى صحيفة الإندبندنت تساءل تقرير طويل عن جورج سوروس إذا كان هو "سيد الدمى" الذى يحرك المسرح السياسي فى أمريكا وأوروبا بخيوط خفية! إذ لا يخفَى على أحد دوره فى إفلاس البنك المركزى البريطانى عام 1992 عندما قام ببيع ما قيمته 10 مليارات دولار أمريكي من الجنيه الإسترلينى ليحقق ربحاً وصل إلى مليار دولار خلال أزمة العملة فى بريطانيا وليتسبب فى مزيد من الانهيار المالى فى بنوك لندن وقتذاك.. هذه الفعلة جعلت أسواق المال فى أوروبا وأمريكا تخشى صفقاته الماكرة الخطرة.. وازدادت خشية الغرب له عندما اكتشفوا دوره فى تفتيت الاتحاد السوفيتى من خلال ثورة براغ، ثم دوره الخفى فى الثورات الملونة من يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا إلى أوكرانيا وروسيا البيضاء والصين.. 

وكيف أن له دور فى تأجيج شرارة الثورات العربية وتحريكها لتحقيق أهدافه الخاصة.. أنت لا تتحدث عن رجل عادى، وإنما شبح ذو أهداف سياسية محددة وفلسفة مؤدلجة تخدم جهات بعينها..

هذا الثعلب العجوز الذى تجاوز التسعين وتحدى الموت مرتين، بات اليوم مكروهاً من روسيا وآسيا، ومطلوباً من اليمين الأمريكى المتطرف، ومتهماً لدى الغرب الأوروبى بأنه "سيد الدمى".. وأن باستطاعته تحريك عرائس الماريونيت على المسرح السياسي فى أمريكا وأوروبا والعالم، وأنه الإثبات الحى لنظرية المؤامرة!
خطة مارشال
وإذا تتبعنا جذور نظرية المؤامرة سنكتشف أنها ضاربة فى أعماق الزمن.. وأن من بين جذورها النابتة فى النظام العالمى الناشئ فى أعقاب الحرب العالمية الثانية ما اشتهر بتسميته "خطة مارشال"..

وهو المشروع الذى وضعه الجنرال الأمريكي جورج مارشال عام 1947 لإعادة تعمير أوروبا بعد التدمير الهائل الذى لحق ببنيتها التحتية بعد الحرب.. وكان الهدف الرئيسي لدعم أوروبا هو تحييد وإضعاف القوة الروسية الناشئة، رغم أن روسيا كانت فى الحلف الأمريكي أثناء الحرب، إلا أن أمريكا أنفقت الملايين لتضع أوروبا فى مواجهة الاتحاد السوفيتى منعاً لها من تحولها لقوة منافسة لأمريكا..
 
كانت هناك زاوية خفية فى خطة مارشال تمثلت في التمويل الذى تم تقديمه للمخابرات المركزية الأمريكية من أموال مشروع مارشال لتنفيذ عملياتها السرية المشتركة مع أوروبا فيما عرف لاحقاً باسم الحرب الباردة.. واستمر هذا التمويل، ولم تقف خطة مارشال عند حد الإعمار والدعم لأوروبا والناتو..

تلك النبتة الصغيرة التى نبتت فى أروقة مكاتب السي آى إيه تحولت مع مرور السنوات والعقود إلى شجرة ضخمة ذات فروع ممتدة.. ومن بين فروعها الصغيرة مكتب يبدو برئ المظهر والاسم هو مكتب الاستخبارات والبحوث (INR) والذى تفرع منه مكتب أبحاث الرأى (OPN) يبلغ عدد العاملين به 300 شخصاً فقط.. فما مهمة هذا المكتب الصغير البرئ؟

هذا المكتب الصغير الذى هو من أبسط ثمار مارشال.. بات مسئولاً عن استطلاع الرأى العام فى أكثر من مائة دولة حول العالم!! فمن خلال مسح سنوى يتم فى هذه الدول تصل التقارير إلى هذا المكتب الصغير حتى بلغ عدد تلك التقارير سنوياً ما يربو على 150 مليون تقرير فى العام!!

إنها معلومات تتدفق من سائر أنحاء العالم تستخدمها أمريكا لتضمن دوام تفوقها اقتصادياً وعسكريا، ولتبسط سيطرتها على العقول والأفكار والأحداث وفق ما يحقق لها مصالحها على الدوام!

نبوءة جورج سوروس

تقرير الإندبندنت سالف الذكر بدأ بنبوءة كان الملياردير سوروس قد تنبأ بها منذ ثلاثة عقود مضت فقال بالحرف: "إن الولايات المتحدة ستقود الناتو نحو مواجهة روسيا الاتحادية من خلال أوكرانيا، إذ يوفر الأوكرانيون القوة البشرية للقتال عن الحلف بالوكالة، وبهذا يمكن لمحركي الدمى الغربيين السعي إلى إضعاف موسكو وفرض رؤيتهم لنظام عالمي يخدم مصالحهم"!.. أى أنه تنبأ بالحرب الروسية الأوكرانية، بل ووضع لها هدفاً محدداً مرسوماً بدقة هو "إضعاف موسكو" من أجل بناء نظام عالمى جديد!!
 
يعلق التقرير على هذه الرؤيا أنها لم تكن ناتجة عن بصيرة زرقاء اليمامة، وإنما هى خطة مسبقة يتم تنفيذها بثبات وصبر وعلى مدار أعوام طويلة.. 

فهكذا يمكننا فهم مجريات الأمور على أساس هذه الثلاثية الخطرة وذلك المزيج الجهنمي الذى يجمع بين قوة المال وهيمنة الإعلام فى قبضة المخابرات الأمريكية.. هناك حيث تتم إدارة العالم بمناهج فلسفية لها غرض سياسي، وأموال تتدفق لقياس نبض الشعوب ثم تحريكها لتحقيق أجندات خاصة، وإعلام يتحدث ليل نهار لخدمة تلك الأجندات!

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة