تناولنا فى المقال السابق أهمية التنمية، وأوضحنا أنها عنصر أساسى لتحقيق الاستقرار والتطور الإنسانى والاجتماعى، وقد تكون التنمية شاملة لكل القطاعات أو جزئية بالتركيز على قطاع محدد، إلا أنها فى كل الأحوال مستمرة وتتخذ أشكالاً مختلفة تهدف إلى الرقى بالوضع الإنسانى والوصول إلى الرفاه والاستقرار والتطور، وبما يتوافق مع احتياجات الإنسان وإمكانياته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وأوضحنا أنه من أجل تحقيق التنمية الشاملة فالأمر يستلزم مشاركة كل أطراف المجتمع دون إغفال سواء رجل أو امرأة، والتأكد من تكافؤ الفرص أمام الجميع ووصولها بعدالة، وهو الامر الذى يضمن تحقق التنمية الشاملة. وسأناقش فى هذا المقال أهمية حدوث التغييرات المؤسسية المساندة لفكر التكافؤ وعدم التمييز.
فكى يصل الإنسان إلى غايته المنشودة وهى تحقيق التنمية، يرتبط الامر بعدة عناصر أولها المؤسسات المرتبطة بتحقيق تلك التنمية، فالمؤسسات تحكم السلوك الفردى عن طريق تحديد واجبات كل فرد، وتحمى حقوقه عن طريق حماية الفرد من الظلم أو الاستغلال أو المنافسة غير العادلة من الآخرين، كما تضمن المؤسسات اتساع نطاق قدرات الأفراد عن طريق وضع قواعد تتفق معها الجماعة، وتضمن لمن هو فى موضع المسئولية التزام من يخضعون لإدارته بتنفيذ أوامره.
وبالنظر إلى العناصر المؤثرة على الأطر المؤسسية المرتبطة بالتنمية، سنجد أن العنصر الضامن لاستمرارية التطوير المؤسسى يرتبط بصورة مباشرة بمصطلح التغيير، ليصبح التغيير هو السمة الأبرز للعصر الحالى، وهو المتطلب الرئيسى لاستمرارية التنمية والبقاء فى معترك المنافسة والتميز. ليأتى التغيير مصحوباً بدوافع ومبررات تدعونا إلى خطوات التغيير الفعلى، سواء كانت هذه الدوافع داخلية تنبع من رؤية المؤسسة على تطوير آلياتها وأدواتها، أو من البيئة الخارجية للمؤسسة والتى قد تدفع المؤسسة إلى تغيير توجهاتها وأساليبها المتبعة.
وفى إطار الانفتاح العلمى والتنافس العالمى فى خدمة وتطوير وإفادة المجتمع وبناء الدولة؛ يصبح التغيير سمة أساسية للمؤسسات المعاصرةالناجحة؛ وذلك لأن البيئة التى تضم المؤسسة هى دائمة التغيير فى حد ذاتها.ولعل من أبرز دواعى التغيير كل من التطور التكنولوجى، العولمة، ضعف الأداء، القوانين والأنظمة، تطوير أداء العمالة والرغبة فى تحسين الإنتاجية، قصور العقل البشرى والرغبة المستمرة فى تطوير سبل الإدراك، تغيير الاحتياجات التعليمية، تغيير إدارة المؤسسة، ومن ثم الرغبة فى الوصول إلى معدلات النمو المنشودة وتحقيق التنمية للمجتمع ككل، دون إغفال لمشاركة عنصريه من الرجال أو السيدات.
وعلى الرغم من ضرورة مشاركة كل من الرجال والنساء بهدف تحقيق الأهداف المجتمعية التنموية، إلا إنه لاتزال اللامساواة بين الجنسين متجذرة بعمق فى كل مجتمع. لتفتقر النساء إلى فرص الحصول على عمل لائق والفجوات فى الأجور بين الجنسين. وغالبا ما يُحرمون من الحصول على التعليم الأساسى والرعاية الصحية. كما أن مشاركتهن فى الحياة السياسة لا تزال منخفضة مقارنة بالوضع بالنسبة للرجل فى عمليات صنع القرار السياسى والاقتصادي.وفى ذلك الإطار لا يمكن أن نصنف مجتمعاً فى جميع أنحاء العالم كمجتمع خالى من العنف والتمييز ضد النساء. فحتى الدول التى قد تكون على قمة التوجهات الداعمة للمساواة بين الجنسين، فسنجد أنها لم تنجح فى تحقيق المساواة المنشودة بصورة كاملة، وباختلاف درجة التقدم فى هذا الملف الداعم للتنمية، والمؤيد لفكر المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع ومكافحة التمييز، تتنوع التوجهات التنموية ما بين الدول المتقدمة والنامية، إلا أن الأمر ومع اختلاف تلك التوجهاتيتطلب وجود أطر مؤسسية داعمة لقضايا المرأة ذات تأثير تنموى فى مختلف المجتمعات وبما يتماشى معثقافاتها السائدة، ويتم قبوله فكرياً. وهو ما سيتم تناوله فى المقال القادم من خلال التركيز على الدور المؤسسى والتنموى لهيئة الأمم المتحدة للمرأة والمرتبط بصورة مباشرة بتحقيق تمكين المرأة فى مجـالات التعلـيم والتـدريب والعلـم والتكنولوجيا.
د. شيماء سراج