حين يحل الفقر وتتسع قاعدة الفقراء، وتنتشر الأمراض وتتضاعف قوافل المصابين، وترتفع معدلات البطالة وتتمدد طوابير الخريجين، ويستعر الغلاء ويزيد ضحايا المستهلكين وتغير مناخي يحرق البر والبحر، فالأمر بات يشكل أزمة وجود، والقضية لم تعد تخص شعبًا أو قارة، بل هي تهدد العالم بأسره، هذه هي النتيجة المؤسفة التي وصل إليها العالم، وهذا هو حال الشعوب النامية في ظل نظام عالمي لم يعد صالحًا لحياة الشعوب، الأمر الذي وصفه بدقة اليوم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أمام قمة باريس بقوله: "إنه نظام عالمي غير أخلاقي"، واستطرد قائلا: "إن النظام المالي الدولي يواجه أزمة حاليًا، حيث تراجعت الخطط الرامية لمكافحة الفقر والجوع حول العالم"، معتبرًا أن جائحة كورونا وأزمة روسيا وأوكرانيا زادت من الوضع سوءًا، وأن هذا النظام المالي العالمي فشل في توفير شبكة أمان مالي للدول النامية وحماية الدول الأكثر فقرًا، كما أن أوروبا في ظل هذا النظام حصلت على قروض من صندوق النقد أكثر بـ 13 ضعفًا؛ مما حصلت عليه إفريقيا "وفي ظل هذا النظام هناك 750 مليون شخص ليس لديهم ما يكفي من الطعام، وعشرات الملايين من الناس ينزلقون نحو الفقر المدقع، وفي ظل هذا النظام هناك اليوم 52 دولة في حالة عجز عن دفع ديونها أو تقترب من العجز عن سداد الديون بينها أغلبية من الدول الأقل تقدمًا.
ولعل هذه القمة التي ولدت من رحم قمة شرم الشيخ للمناخ؛ حيث اقترح حينها الرئيس الفرنسي ماكرون عقد لقاء دولي في فرنسا تحت اسم "ميثاق التمويل العالمي الجديد" بهدف التوصل إلى رؤية دولية جديدة تحقق مستهدفات العمل المناخي، وفي الوقت نفسه تعيد التوازن والعدالة للنظام المالي الدولي الذي تسبب في إفقار الدول النامية وبالأخص الإفريقية.
وقد كانت قرارات قمة شرم الشيخ حاسمة في هذا الشأن حين أكدت ضرورة إنشاء صندوق الأضرار والخسائر الذي يستهدف تعويض الدول النامية عن الخسائر والأضرار التي تتكبدها؛ جراء التغيرات المناخية الناتجة عن الدول المتقدمة، وإلزامها بدفع التزاماتها تجاه مشروعات العمل المناخي، والتي تحددت في السابق بـ 100 مليار دولار.
وإذا كانت قمة باريس تسعى إلى بناء عقد جديد مع الشمال والجنوب، من أجل تسهيل وصول الدول الضعيفة إلى التمويل الذي تحتاجه لمعالجة عواقب الأزمات الحالية والمستقبلية، فإن الأمر يحتاج إلى جدية ونوايا حسنة من الدول الكبرى التي دأبت على المراوغة والتهرب من الالتزامات التي قطعتها على نفسها، ولا شك أن ما حملته كلمة الرئيس السيسي أمام القمة اليوم كانت كاشفة لهذا النظام العالمي ؛ حيث أكد أن الأزمات العالمية تتطلب تكاتفًا وتعاونًا من الجميع للوصول إلى حلول واقعية، وأن النظام المالي العالمي يحتاج إلى تطوير لمواجهة التحديات الكبيرة، وأنه من المهم تعليق أو إلغاء الرسوم الإضافية لصندوق النقد الدولي، وتطوير سياسات بنوك التنمية متعددة الأطراف؛ لتعزيز قدرتها على الإقراض وإيجاد وسائل جديدة لإدارة ديون الدول الفقيرة، وبحث مبادلة تلك الديون.
ربما تكون فرنسا لها موقف إيجابي واضح تجاه مشكلة التمويل الدولي للدول النامية، وتلك المتضررة من تغيرات المناخ، إلا أن غالبية الدول الكبرى دائمًا ما تتهرب من هذه الالتزامات، التي هي أخلاقية قبل أن تكون مسئولية تقع عليها، بزعم أنها لو اعترفت بدفع مساعدات يمكن أن تلاحق فيما بعد بقضايا تعويضات أخرى بسبب مسئوليتها عن التغيرات المناخية، ولذلك فإن كل المبادرات المطروحة في هذا الشأن يكون مصيرها الفشل.
فهل تلقى قمة باريس نفس المصير بفعل هذا النظام العالمي غير الأخلاقي؟
[email protected]