فى ظل ظهور بث إرسال التليفزيون المصري في بداية حقبة الستينيات من القرن الماضي ، طلعت على الشعب المصري بطلتها الجميلة الهائلة وعلى شاشته الفضية الساحرة، المذيعة الراحلة الأستاذة فايزة واصف وهى تقدم برنامجها الشهير بعنوان "حياتي"، وهذا البرنامج على ضوئه تؤسس فيه الأحداث بشكل درامي، لكى تفسر أشكال الحياة وتعدد ملامحها، على ما تعانيه الأسرة ويعاني منه المجتمع، من الحيرة والألم،وكل ما هو مثقل بالمآسى ومشحون بالفواجع، وكانت تستضيف للتعليق على هذه الأحداث، نوابغ الفكر فى القانون والآداب والصحافة، وأساتذة علم النفس والاجتماع، لكى يكون لهم الوصف التحليلى والتفسير السليم الدقيق فى معالجة الأمور وتذليل الصعاب.
لقد كان برنامج "حياتي" هو ثمرة فكر وتأمل وإبداع فائزة الوصف الإعلامية الراحلة فايزة واصف، وقد انتهت بهذه الفكرة أن تكرسها عملا ونقلها و إذاعتها بوسيلة التليفزيون المصري، وهى تتلقى خطابات ورسائل الشكاوي من كل صاحب شكوى أو مظلمة، وتسرده في تجربتها الإعلامية الفذة، وإيمانا منها أن تواجه الحلول لكل صاحب مصير محتوم، لكى تحقق له كل الأمانى التى يصبو إليها، ويكون ذلك على يد أهل العلم والفقه والثقافة، أو كل شخص له دراية فى معالجة الشكاوى، فقد كانت تعرض رسالة كل صاحب مظلمة أو شكوى على ضيف البرنامج، وهى تحكى قصته وتنطق الحروف الأولى من اسمه تراعى فيه احترام وكرامة حقوق الراسلين وسمعتهم ومراعاة القيم الدينية والأخلاقية، وبعيدة عن أى أغراض سيئة تمس صاحب الشكوى فى شرفه أو اعتباره، وكانت تذيع الوقائع والتصرفات دون إهانة أو المساس بالشخص فى ذاته.
وهذا الطابع الأصيل تميزت به الإعلامية الراحلة بكل نزاهة وصدق وموضوعية فى حديثها للجمهور، وضربت أعظم الأمثلة فى المحافظة على القيم الوطنية والتراث التاريخي للشعب المصري ، والحفاظ على كيان الأسرة والمجتمع، فقد جعلت من هذا البرنامج أسسا وأصولا دينية وأخلاقية ثابتة، لضمانة وسلامة لحمة الكيان الوطني، وهى تتلو فقرة حديثها بكل مصداقية ونظرة موضوعية، تحملها كل المعاني والقيم الإنسانية النبيلة، فهى لا تجهل كل هذه القيم الجليلة، لأنها كانت تحرص على آداب كريمة فى الحوار فى إطار المقومات الأساسية للأسرة والمجتمع، واحترام الحياة الخاصة للمواطنين، فى نهج موروث إنسانى وتاريخ حضارى قوام الأسرة والشعب المصري النبيل، لأن كل ما تقدمه هو أبلغ ما تقوم به أثراً في مجالها الإعلامى على اتصالها بمشاكل وشئون المجتمع.
لقد كان برنامج "حياتي" هو بمثابة دعوة للإصلاح وأن تتألف جموع الشعب، نحو فكر متقارب متجانس فكرياً وثقافياً يتعاون على الحب والإيمان، يدعو إلى التسامح والعيش في سلام وحرية، وأن لا يتسلل إليه كل الآفات من الضغينة والحقد والكراهية، لقد كانت الراحلة فايزة واصف قائداً عظيماً لصلاح المجتمع والأمة، فهى كانت على علم وثقافة ودراسة بطبائع ونفسية أحوال الأسر المصرية، لأنها كانت يد العون لها، في تشخيص على ما أصابها من علل اجتماعية ومثالب أسرية، وكان وصف العلاج يتحقق عن حرية وتعبير عظماء الفلاسفة التى أنجبتهم مصر فى العصر الحديث، لقد كانت الراحلة تبذل مجهود عظيم ومتميز فى واجباتها الوطنية، وهى تشاطر الأسرة والمجتمع ، في محنتهم الإنسانية، حتى أصبح كل ما تقدمه تحول إلى علامات مضيئة على طريق الأمل والمستقبل، تتقيد فيه الأخطاء والسلبيات والتناحر والصراعات بين الأفراد، لأن معظم هذه الأفكار القيمة منبثقة من لبنة أفكار برنامج "حياتي" الزاخر بكل الإطلاعات والقصص التى يستفاد منها الجميع وتكون فى صالح الرأى العام، بعد أن صار هذا البرنامج ومقدمته معروفة وثابت على إحدى قنوات التلفزيون ، مهتم بحل مشاكل الجماهير، بل يعتبر أول برنامج إنسانى يهتم بالقضايا الاجتماعية التى تهم طبقات المجتمع المختلفة، لقد رحلت الإعلامية فايزة واصف وكان لها أعظم الأثر فى نفوس الشعب المصرى ، بعد أن سطع نجمها فى تقديم كل الحلول التى تواجه أعباء الحياة للناس، وتحقيق كل ما يحتاجونه من مطالب ، وهى تعزز مكانتها بقوة حق قوتها الناعمة، فى تبليغ رسالتها الإنسانية، رحم الله المذيعة الفريدة فايزة واصف.