تتساقط أوراق شجرة عمالقة الإعلام ورواده ورقة تلو الأخرى، فلا تزال مشاعر الحزن تسيطر على تلاميذ الإعلامية القديرة فايزة واصف؛ التى رحلت عن دنيانا منذ أيام، فقد اقتربت منها كثيرًا، وشاهدت كيف كانت تتحلى بالوفاء والصدق والإنسانية الشديدة، وهو ما جعلها تكون الأنجح والأشهر في نوعية البرامج الإنسانية والاجتماعية كبرنامجها الأهم والأشهر في عالم الإعلام العربى “حياتي” والذي تربت على نصائحه الغالية وإرشاداته غير المباشرة وتجاربه الواقعية الأسرة المصرية والعربية بكل أفرادها، فأصبحت صديقة الملايين.
الإعلامية القديرة فايزة واصف ليست مجرد إعلامية قدمت برامج مهمة وواحدة من جيل رواد الإعلام المصري، ولكنها طيلة مسيرتها الإعلامية والحياتية وهي تحرص على تقديم الرسالة الهادفة والتوعوية لكافة شرائح المجتمع، ويمكننا أن نقول إنها مبتكرة مفهوم الإعلام التنموي” والذي كان ضمن أهداف برامجها الاجتماعية ومنها “حياتي” الذي استمر عرضه سنوات طويلة، واتخذ موعده مساء الخميس أسبوعيًا طابعًا مقدسًا في العرض البرامجي والمتابعة المتواصلة من جانب الجمهور.
استطاعت الإعلامية الكبيرة صاحبة برنامج “حياتي” أن تجعل برنامجها صديقًا للمشاهدين وليس مجرد برنامج توعوي، حيث ناقشت من خلاله بوعي وصدق واتزان، ومراعاة للتقاليد والعادات المصرية والعربية، كل ما يمس بشكل مباشر قضايا المجتمع المصري ويناقش مشكلاته الاجتماعية، فطرحت معالجات متزنة وواقعية لكل قضية أو مشكلة ناقشتها، وهو ما ساهم أيضًا بشكل عام في توعية وتثقيف الأسرة المصرية.
ربما جاء تفرد ونجاح الإعلامية القديرة وتربعها على عرش البرامج الاجتماعية والإنسانية لأسباب عديدة، أرى أن من أهمها الإخلاص والإيمان بما تقدمه، فمنذ التحاقها بالعمل في إذاعة صوت العرب عام 1963، ثم انتقالها إلى القناة الأولى بالتليفزيون، وهي رمز من رموز الجدية والعمل الدؤوب والتفكير المبتكر، وهو ما دعا لاستمرار برنامج "حياتي" لأكثر من ثلاثين عامًا، لتصبح فايزة واصف صديقة للأسرة، ويأتي بعده في رتبة البرامج المتميزة برنامج "ربيع العمر" الذي ناقش قضايا المسنين بجرأة ودقة؛ ليعد من أوائل البرامج التي تعرضت لهذه الفئة المهمة في المجتمع.
يحسب أيضًا للإعلامية الكبيرة فايزة واصف أنها حققت هذا النجاح الكبير والاقتراب من المشاهدين في وقت كان من الصعب تحقيق كل هذا الارتباط بالجمهور، ولكنها فعلتها، وكان المشاهدون يرسلون رسائلهم عبر البريد ليتلقاها البرنامج ويناقشها ويساهم في حلها من قبل المتخصصين، وبرغم عدم وجود الوسائل الحديثة للتواصل والمتاحة حاليًا بسهولة وبساطة إلا أن “حياتي” استطاع تحقيق كل هذا النجاح والتواصل مع الجمهور.
أيضًا عمل مع الإعلامية القديرة فايزة واصف عمالقة الإخراج في السينما والتليفزيون، ومنهم المخرج الكبير حسين كمال الذي برز بعد ذلك في الإخراج السينمائي، وقدم أفلامًا مهمة مثل "شيء من الخوف" و"البوسطجي"، وكبار المخرجين، وأذكر منهم المخرجة القديرة مجيدة نجم بارك الله في عمرها.
لا أبالغ حينما أقول عن فايزة واصف إنها إعلامية سابقة لعصرها.. رحم الله فايزة واصف وجعل كل ما قدمته في ميزان حسناتها.