غدًا نستقبل أول أيام ذي الحجة التي أقسم الله بها لعظمتها خاصة يوم عرفة الذي ننتظره من العام للعام لنستجمع فيه جميع الدعاوي من أحلام وأمنيات؛ لنستجمع فيه جميع الحزن والضيق الذي يملأ قلوبنا من ظلم بعض البشر لبعضهم البعض؛ من كسر خواطر البعض للبعض؛ من أحلام وأهداف نتمنى حدوثها؛ من أدعية ندعو الله بها ليحققها لنا؛ وكأنه يوم النجاة؛ فأعلم تمام العلم أن الجميع يمر الآن بحالة نفسية صعبة؛ وضيق يشعر به الكل؛ وكأن الله أراد ذلك حتى ندعوه في ذلك اليوم بقلوبنا وجوارحنا؛ ليكون هذا اليوم يسرا جاء بعد عسر؛ وفرجا بعد ضيق؛ وفرحا بعد حزن.
نمر بأحداث الحياة بتقلباتها وأحداثها التي تبدو غريبة ولا نستطيع فهم الأحداث في بعض الأحيان؛ ونتساءل لماذا حدث ذلك؟ ونبدأ بالأسئلة التي نعيش طوال حياتنا نبحث عن إجابة لها؟ هل ما يحدث في حياتنا قدر؟ هل الإنسان مسير أم مخير؟ لنكتشف أن كل شيء خلقه الله بقدر؛ حتى وإن ظننا عكس ذلك؛ فأحياناً نأخذ حذرنا لنعلم أن الحذر لا يمنع القدر؛ أحياناً نظن أن باستطاعتنا التغلب على القدر لنعلم أننا لا نملك من الأمر شيئاً والأمر كله لله؛ ولا نملك حينها إلا الدعاء على أن نفهم حكمة ربنا في حدوث بعض الأمور بحياتنا حتى نستطيع صبرا على ما لم نحيط به خبرا.
ومع مرور الوقت تبدأ حكمة الله في الظهور؛ لنعلم علم اليقين معنى ويدبر الأمر تدبيره لا يستطيع عقل الإنسان استعيابه وتحمله؛ لنعلم أن حياتنا تدور بين حكمة خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار؛ لنعلم أن الأمور التي حدثت بحياتنا وجعلتنا نشعر أننا في ابتلاء أنها نجاة من أمور أسوء؛ فكم من خرق حدث بحياتنا وبكينا وشعرنا أنها النهاية لنكتشف أنها كانت نجاة من أمور أسوء لا يعلمها إلا الله؛ فأحياناً تحدث أمور لا نعلم لماذا سمح الله بها؟ ونشعر أن الله تخلى عنا وخذلنا؛ ويقين بداخلنا أن الله لن يخذلنا ولكن بحاجة لمعرفة الحكمة في حدوث ذلك حتى نرتاح؛ لنكون في موقف سيدنا موسى أمام القدر الذي تمثل في سيدنا الخضر ولا نستطيع الصبر إلا عندما نحيط علما بما حدث؛ لنعلم أن ما نظنه في بعض الأحيان شرا قد يكون خيرا والعكس كذلك.
ففي نهاية المطاف كل أمور ظننت أنها سيئة حدثت بحياتك ستعلم أنها كانت تدبيرا لأمور أفضل لتصبح شخصا أقوى قادرا على تحمل ما يحدث في المستقبل؛ لتعلم أنك لا تملك من الأمر شيئا تذكر ذلك الأمر كله لله وما نحن والبشر إلا مجرد أسباب؛ لتعلم أن الله فقط بيده الأمر والخير؛ وإليه يرجع الأمر كله وهو من يقول للشيء كن فيكون؛ فكل شيء وقع أراده الله وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق حتى لو ما يحدث لك عكس ذلك؛ لتعلم أن قصص القرآن للعبرة والعظة في حياتنا؛ فحقيقة الحياة الدنيا دار ابتلاء؛ ولتتأكد أن الله فقط من يستطيع أن ينجيك؛ وهو من بيده نصرك؛ وإذا أراد الله نفعك وأراد البعض ضرك سواء بأفعالهم وكيدهم لك وما تحمله نفوسهم من غل وحقد وحسد سوف يجعل الله في ضرهم وكيدهم وحقدهم وحسدهم نفعا لك؛ حتى يتساءل المؤمنون عند وقوع الأذى أين الله ليأتي نصر الله وتأييده وإظهار حكمته فيقولون لا إله إلا الله؛ كلمة ليست فقط توحيدا بل منهج نسير عليه لنعلم أن الله هو المعز المذل الخافض الرافع؛ القابض الباسط؛ فلا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منع؛ فالبشر لا يملكون ضرك أو نفعك حتى لو ظننت ذلك؛ بل الله هو من سمح بذلك الخير أو ما تظنه شرا لحكمة ما ستعلمها مع الوقت.
فدعك مع البشر وكن مع رب البشر الذي قادر على أن يغير الأرض والسماوات ومن عليها ويأتي بخلق آخر فبأي آلاء ربكما تكذبان؛ فكن مع الله يكن الله معك ومن كان الله معه فمن عليه وإذا نلت محبة الله فماذا فقدت ؟!.