موسم الهجرة إلى الداخل.."1 – 2"

18-6-2023 | 14:04

يدور الحديث كثيرًَا، حول التنمية المستدامة وأهميتها لوصول العدالة البيئية إلى كل الأجيال، وكتبت مرارًا، ووضعت عنوانًا لمستقبل الشأن البيئي، إلا أننا لم نرها مطبقة في الواقع إلا فيما ندر، حتى أدركنا أن هناك بعض شيوخ العلماء وشبابهم، حاملين لجينات مصرية، وشفرات للإرادة البشرية، سافروا إلى الخارج، لكنهم هاجروا من الخارج إلى الداخل، ليتمكنوا من ترجمة الاستدامة إلى واقع، وانتزاع الأمل من أعماق الطبيعة وتحدياتها، حدث ذلك وتجسد في إحدى الجمعيات البيئية بمنطقة أبوصوير، شرقي الإسماعيلية.

ذهبنا، فشاهدنا فتحققنا، كيف هي علاقة المصري بالطبيعة.. كيف هو صديق مبدع لها، فلاحًا كان أم عالمًا، مواطنًا أو مسئولًا، زراعيًا أو مستثمرًا، وصلنا إليها بعقولنا قبل الدخول إلى حقولها، ودخلنا عليها بأفئدتنا قبل أن نشاهد كيف تنتج غذاءها من البيضة إلى البقرة، معتمدة في طاقتها على منظومة طاقة حيوية متجددة من الهواء ومخلفات الحيوان، والهيدروجين الأخضر، مرورا بـ الشمس وحرارتها، ومياهها من جوف الأرض، معتمدة على ذاتها، وهو حلم يراود كل مصري، بعد أن بلغ حجم ما نستورده نحو 70% مما نأكل، وهذه الحقيقة القاسية مفادها أن حجم فاتورة وارداتنا الزراعية من الغذاء نحو 23 مليار دولار، وفقًا للبنك الدولي.

ويبدو أن هجرة العلماء من الخارج إلى الداخل، يتزامن معها، أيضًا، هجرة الوسائل الصناعية والمستوردة، إلى خبرات أهلنا وأجدادنا أصحاب الحضارة الزراعية والخبرات المتراكمة المتناغمة مع الطبيعة، ومنذ السبعينيات، دأب د. صلاح عرفة أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية أمين عام جمعية مجلس علماء مصر، على غرس مفهوم الاستثمار في التنمية البشرية والبيئية، عبر التعليم والمعرفة، باعتبارهما أولى الخطوات المؤسسة للتنمية المستدامة وزراعة حيوية لكل صحراء مصر، تبدأ بإنشاء 5 بؤر لتنمية مستدامة في أقاليم الجمهورية، تشمل الصعيد، والإسكندرية والدلتا، وسيناء، والبحر الأحمر، ثم الوادي الجديد، بالتعاون والتنسيق مع الجامعات في كل إقليم.

والتعاون بين الكيانات الرسمية وغير الرسمية أثمر عن ولادة كيانات بيئية متكاملة تعتمد على البيئة بناسها ومكوناتها في كل مراحل الحياة، وتم وضع محدد مهم لنشر الفكر الزراعي التعاوني المعتمد على العلم والمعرفة، فقد أنشأ د. صلاح عرفة معامل لطلاب الجامعات، وأماكن الإعاشة والإقامة فيها خلال فترة دراستهم التطبيقية، وبالفعل هناك برامج أكاديمية للتعاون مع مختلف جامعات مصر، اعتمادًا على مبدأ أن التطور الحقيقي لابد وأن يعتمد على المعرفة التطبيقية أولًا، وتيسير سبل المشاركة للمجتمع المحلي، وتشجيع الشباب على الاستثمار البيئي، وتيسير تمويل مشروعات التكامل البيئي، بمفهوم الزراعة الدوارة، لكي يولد فرص عمل ومجتمعًا منتجًا بلا مخلفات. 

بعد عقود من الهجرة للخارج، حان الوقت للهجرة إلى الداخل، وهو أفق جديد يأخذنا إليه المهندس حاتم الرومي رئيس لجنة الطاقة المتجددة بجمعية مجلس علماء مصر، ومدير منظومة الاستدامة بالجمعية، منبهًا إلى امتلاكنا لكل الموارد الطبيعية والبشرية، وهو يندر أن تجده خارج الوطن، وبعد عودته من الخارج، كان التركيز على التطوير الزراعي، ورعاية ودعم المطور الزراعي، موضحًا أن العقار الذي يتميز بتشغيل صناعات مغذية كثيفة العمالة، إلا أنه نشاط محدود الأثر ولا ينتج عنه فرص عمل بعد إنشائه، حيث يتم إنشاء المبنى، مقارنة مع المشروع الزراعي، الذي هو في نمو مستمر، تتولد عنه فرص العمل وتستمر بشكل متواصل، وخاصة للشباب الباحث دومًا عن فرص للعمل، مثل زراعة 1000 فدان، فإنها توفر أكثر من ألف فرصة عمل، فضلا عن نمو الأشجار المثمرة والمحاصيل وتزايد انتاجيتها".

أدرك الرومي أن العالم يواجه قلة الغذاء وندرة المياه، وهي تحديات تتلامس مع أزمات المناخ، وانبعاثات الكربون، ليصبح تغيير الأنماط الزراعية اعتمادًا على الطاقة المتجددة التي تقلل الانبعاثات الكربونية، فضلا عن الاعتماد على الذات، ضرورة وقيمة عليا.

والحديث عن الطاقة المتجددة، يعيد التأكيد على أن مصر واحدة من أعلى المعدلات العالمية لإنتاج الطاقة من الشمس والهواء، طبقًا لـ"الأطلس الشمسي"، وهو حديث الأسبوع المقبل، بإذن الله.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة