المتتبع لتطور الأحوال في مصر؛ يمكن أن يكون متحفظًا بعض الشيء؛ خاصة فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي؛ فموجات متتالية من تخفيض لقيمة الجنيه؛ مع نشوب أزمة عالمية؛ تارة بسبب تفشي وباء كورونا؛ وأخرى بسبب الحرب الروسية الأوكرانيه؛ كانت كفيلة بأن تلقي بظلال ثقيلة على عدد غير محدود من سكان الكرة الأرضية.
أما عندنا فالأمور كانت صعبة بعض الشيء؛ ويمكن القول بأن الناس شعرت بالمعاناة؛ بعد ظهور الأزمة بفترة وإن كانت ليست قصيرة.
ورغم ذلك؛ استطاعت الدولة؛ بهدوء رائع؛ أن تقدم لمواطنيها خدمات مجانية في أصعب الظروف الاقتصادية؛ كما هو معلوم للكافة.
فمنذ أيام قليلة أعلنت مصر خلوها من فيروس سي القاتل؛ وهو حدث لم يأخذ حقه على المستوى الإعلامي؛ لاسيما؛ أنه لم يتكلف أي مريض جنيهًا واحدًا من مصروفات علاجه؛ بل الأكثر إبهارًا؛ هو أن هناك قصصًا روتها بعض وسائل الإعلام الدولية عن مرضى غير مصريين؛ تلقوا علاجًا كاملاً لفيروس سي في مصر؛ دون أن يتحملوا أي قدر من نفقات العلاج.
وذلك حدث لو تعلمون عظيم للغاية؛ وهو يعني أننا نمتلك من الإمكانات ما يؤهلنا لعبور أصعب الأزمات؛ ليس ذلك فقط؛ ولكن الأكثر أهمية من ذلك؛ إننا وداخل تلك الأزمة الاقتصادية المؤلمة؛ تواصل مصر ضرب أروع الأمثلة في رعاية أبنائها.
قصص كثيرة يمكن أن يرويها الآف من المصريين؛ عن تلقيهم للعلاج المكلف بشكل يقصم ظهورهم؛ وفي المقابل تحملت الدولة كل النفقات؛ وهذا لا يحتاج لإجراء استثنائي؛ بل الأمر يحدث داخل سياقه الطبيعي.
أحد المعارف؛ وصلت نفقات علاجه لما يقارب نصف المليون جنيه؛ لعملية زرع نخاع؛ تحملتها الدولة بالكامل؛ والأمر يمكن إسقاطه على بنود كثيرة جدًا جدًا؛ لمصريين كُثر؛ في جراحات وعلاجات كثيرة ومتنوعة؛ تحملت الدولة كل التكاليف؛ وفق منظومة رعاية صحية؛ هى الأجمل في كل الدنيا؛ دون مبالغة.
عزيزي القارئ؛ زيارة سريعة لمعهد الأورام؛ تعرف من خلالها ما يفعله ذلك المعهد المهم؛ لآلاف المرضى؛ دون أن يتحمل منهم أحد جنيهًا واحدًا؛ وهي جراحات تحتاج أولا لمهارات خاصة لجراحيها؛ وثانيًا لتكاليف كبيرة للعلاج.
بل إن مبنى قصر العيني القديم؛ يشهد على مدار اللحظة؛ بطولات من الأطباء على كافة التخصصات والأعمار والخبرات؛ وهم يعالجون مئات الحالات يوميًا؛ تقريبًا كل الحالات للبسطاء من المصريين؛ وأيضًا دون أن يتحمل أي مريض أي قدر يمكن ذكره للعلاج؛ إلا من ثمن تذكرة الدخول؛ وهي تقريبًا بضعة جنيهات!! وفقط.
الأجمل وبحق وبصدق؛ هو أنه حينما تسأل أحد الأساتذة الكبار في أي تخصص طبي؛ وهو المعروف أن أجر كشفه في عيادته الخارجية "كبير جدًا"؛ كيف تفعل ذلك مجانًا؛ فيكون جوابه الأكثر روعة.. هذا زكاة علمي؛ عيادتي لمن يستطيع؛ وهنا لمن لا يستطيع؛ وتكفيني دعوة مريض يتماثل للشفاء؛ تفتح لي أبوابًا كثيرة مغلقة بفضل الله.
الأمر يمكن سرده على مساحة أكبر؛ في مستشفى الأطفال بأبوالريش؛ ومئات المستشفيات الأخرى على مستوى الجمهورية؛ تشعر فيها رغم قلة الإمكانات بأن هناك يدًا أمينة تتلقفك وترعاك؛ وتحنو عليك.
لذلك أتمنى دعم تلك المنظومة الراقية الغالية بأفكار تمكنها من تطوير نفسها وشمولها لعدد أكبر من المواطنين؛ قد تكون التبرعات؛ أحد تلك الأفكار؛ وذلك إذا كشفنا الغطاء عن قيمتها السنوية؛ ووحدنا الجهة المنوط بها متابعتها؛ وفق شفافية مطلقة يعلمها كل مواطن على أرض مصر؛ لنوجد حالة من الهمة والنشاط وأيضًا التنافسية؛ تمكن من زيادة حصيلة التبرعات؛ ومن ثم زيادة نوعية وكمية الخدمات الطبية.
وللحديث بقية نستكملها في مقال قادم.
[email protected]