هل تعلم أن الإنسان المصري الذي (سيُولد) غدًا؛ يحمل في صلب جيناته الوراثية مفردات وخلاصة مفاهيم وتقاليد وأصالة حضارة سبعة آلاف سنة بحسب التاريخ المكتوب في "دفتر العمدة "/التاريخ؟! وبالتأكيد تحمل جدران روحه السمحة الطيبة والعنيدة – في آن – ملامح الجغرافيا من تضاريس قيم وجماليات وأصالة حضارة ملايين السنين التي لم ترصدها سطور الدفاتر قبل قدرته على اختراع الأوراق والأقلام ؟!
وقد استطاع الإنسان المصري بهذا "الذكاء الفطري" أن يهدي للعالم بأسره الكثير من فنون العمارة والرسم والنحت والتحنيط وعلوم الطب والجراحة؛ والكثير من فنون الجمال والثقافة المعرفية!
وبنظرة بسيطة على جذور هذا الإنسان العبقري الفذ؛ نجد أنه يمثل على خريطة العالم: التاريخ والجغرافيا معًا!
الأمر الذي يجعلنا نقول له بكل الفخر: أيها الإنسان المصري: ما أجملك!
ولو أذنت لنا لغتنا العربية الجميلة أن نحذف نقطة الـ ج.. نجد أن اللغة تقول له بمِلء فيها: ما أحملك!
وحديثنا عن هذا "الذكاء الفطري" الذي يتمتع به العقل البشري الذي وهبه الله للإنسان؛ يجعلنا – بالضرورة – نتطرق إلى الحديث عما تم تسميته في عصر التكنولوجيا الحالي؛ وأطلق عليه العلماء اسم "الذكاء الاصطناعي" وهو الذي انشغلت به كل المؤسسات العلمية والبحثية في كل أركان الدنيا؛ ولعلهم في غمرة التنقيب عن كل جديد؛ نسوا أو تناسوا أنه – أيضًا - من اختراع وتصميم العقل الفطري البشري – برغم أنني لا أستسيغ استخدام لفظ "اختراع" - لأن كل شيء موجود منذ الأزل وإلى أن يكشف الله الغطاء للباحث كل ما خفي عن العقل الفطري الموجود في تلافيف "مخ" الإنسان!
وقبل أن نتطرق في حديثنا عن أوجه المقارنة بين الذكاء الفطري والذكاء الاصطناعي؛ لنا أن نحاول تبسيط مفاهيم هذا المصطلح؛ وهو ما اهتمت به عقول العلماء والباحثين داخل المعامل والأكاديميات العلمية في مجالات العلم كافة؛ فيقول أصحابه ـ بتصرف ـ:
"إن الذكاء الاصطناعي أو الذكاء الصنعي هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها؛ ومن أهم هذه الخصائص القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة. إلاّ أنَّ هذا المصطلح جدلي نظرًا لعدم توافر تعريف محدد للذكاء؛ وهو فرع من فروع علم (الحاسوب)، وتُعرِّف الكثير من المؤلفات الذكاء الاصطناعي، على أنه دراسة وتصميم العملاء الأذكياء؛ وبأنه (علم وهندسة صنع الآلات الذكية)؛ وبأنه قدرة النظام على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح، والتعلم من هذه البيانات، واستخدام تلك المعرفة لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن".
وخلاصة القول ـ بحسب مفهومي ـ أن مجالات عمل تخصص الذكاء الاصطناعي؛ يتمثل في تحليل النظم وتصميمها. والإشراف على أعمال الكمبيوتر والروبوتات والاختصاص في قواعد البيانات؛ وبخاصة العمل في مجال التعليم. وقد أثير الكثير من الجدل حول تلك المصطلحات المستحدثة في علوم التكنولوجيا ومدى القدرة على خدمة البشرية في شتى المجالات؛ وذهب البعض إلى افتراض أن مَلَكة الذكاء البشري يمكن وصفها بدقة بدرجة تمكِّن "الآلة" من محاكاتها. وهذا بالضرورة يثير جدلاً فلسفيًا حول طبيعة العقل البشري وحدود وآفاق المناهج العلمية؛ ولكن ـ شئنا أم أبينا ـ فإن التكنولوجيا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا العملية اليومية، فالذكاء الاصطناعي يُعده البعض ميزة كبيرة والبعض الآخر يراه بمثابة الكارثة؛ لأن استخداماته تعمل على عدم الاستعانة بالقوى البشرية ـ وبخاصة العمالة ـ مما ينشأ عن استخدام التكنولوجيا والحاسوب؛ ارتفاعًا لمعدلات البطالة بين الكثافة البشرية في محيط العالم الثالث.
وفي هذا السياق.. يعجبني رأي أحد المهتمين بهذه المستحدثات بقوله: "إن الغياب التام لمشاعر الآلة تجعلها أكثر فاعلية؛ لأنها قادرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في فترة زمنية قصيرة، أفضل مثال على ذلك هو استخدامها في مجال الرعاية الصحية؛ فإن دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية أدى إلى تحسين كفاءة العلاجات من خلال تقليل خطر التشخيص الخاطئ"، بل إن هناك بعض المواقف التي تكون فيها سلامة الإنسان معرضة للخطر، وعندها يُمكن للعلماء استخدام الآلات ـ ذات الذكاء الاصطناعي المُبرمج ـ استخدام الآلات المعقدة لدراسة قاع المحيط ـ مثلًا ـ حيث يصعب تواجد العنصر البشري. وهذا استنادًا على أن الآلة لا تتعب برغم الضغط المتواصل لساعات متتالية متواصلة؛ ولكننا نجد دائمًا ـ بحسب المثل الشعبي المصري العبقري ـ أن "الحلو .. مايكملش"؛ ذلك لأنه برغم تلك الفوائد الكثيرة والعميقة التي يمنحها الذكاء الاصطناعي؛ فإنه يواجه ارتفاعًا رهيبًا في تكاليف التنفيذ؛ ويحتاج إلى تمويل من البنوك الكبرى والمؤسسات الصناعية التي تعتمد اعتمادًا كليًا على هذا الذكاء في عمليات التصدير والاستيراد؛ من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية التي نشأت من أجلها.
وتعالوا بنا بعيدًا عن هذا الجدل القائم حول معنى ومفاهيم الذكاء؛ ونترك الجدل الدائر بين العلماء حول تقييمه وتكاليفه؛ ونعود إلى ملكات الذكاء الفطري للعقل البشري ونتساءل: هل يُمكن للحاسوب أن يكتُب قصيدة شعرية مثلًا؟ يقول البعض إنه يستطيع "رص" الألفاظ والكلمات دون ترابط أو هدف.. ولكنه لا يحمل بصمات زخم الروح والمشاعر المُرهفة التي وهبها الله للإنسان الذي يمشي على الأرض دمًا ولحمًا وقلبًا نابضًا بكل الحب الجميل البريء لأهله وبني وطنه!
في الحقيقة المقارنة صعبة.. ولكننا بين الحين والحين؛ نحاول الإطلالة على المستحدثات التي تتوالى في كل لحظة من لحظات الليل والنهار؛ ولكننا سنظل على العهد دائمًا بإيماننا بأن المجد للإنسان صاحب الذكاء الفطري؛ وهو أيضًا صاحب ابتداع الذكاء الاصطناعي بحلاوته ومرارته.
وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. يبقى الإنسان بإرادته وأفكاره التي يهبها له الله العلي القدير.
* أستاذ اللغويات والتأليف والكتابة الإبداعية بأكاديمية الفنون ورئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق وعضو اتحاد كتاب مصر