مشهد الأبناء والخوف يعتصرهم، وهم يتأهبون للامتحان، يثير الهم والضيق في النفوس، والآباء والأمهات الأكثر توترًا، والمراقبون من بعيد للمشهد، تتأرجح بداخلهم درجات الخوف بين الشدة والضعف، ويزيد المشهد آسى حين تنهار الفتيات ويبكي الشباب، غير أن من بينهم طلاب تزين جباههم علامات الفرح، وليس أحد بمنأى عن آلام الامتحان، فكم من اختبارات قاسية نمر بها عبر مشوار حياتنا، تارة نسجل فيها هدفًا، وأخرى نتعثر فيها، هكذا هي الحياة، لا فرح يدوم، ولا حزن يستمر.
ويظهر في المشهد ضوء يومض ويخبو، ينطق لسان حاله قائلا: جهل الإنسان السبب في شقائه وسعادته، ولا يعني أن أوجاع الاختبارات تصيب الإنسان الجاهل دون غيره، ولكن المقصد ما يحصده بعد تجاوزه الامتحان وتخطيه التجربة، ومن ناحية أخرى يجبرنا الواقع أن نستقي الدرس من مرارة تجاربنا، حتى نكتسب حصانة، وهذا أمر يختص به فقط من يعتبر، ويعي الحكمة من الدرس، وأعمل فضيلة التأمل في محطات حياته بعقل يقظ وقلب راضٍ، وكان يملأه اليقين بأن الأمل ما زال يبزغ في الأفق.
ونصطدم عندما نشاهد الضعيف وهو يتعامل مع تجاربه بالفهلوة وبالأساليب الملتوية، قد يصعد درجات السلم الاجتماعي، وتنحل أمامه شفرات خزائن الأموال، وضعيف آخر تسيطر عليه هواجس الفشل، ودائمًا يتراجع إلى الخلف، ولو أبصرا الضعيف الملتوي والضعيف المتعثر أن تعلقهما بالأمل فيه النجاة، بل فوزهما بمستقبل حسن، ولكن بشرط ألا يحمل صاحب الأمل قلبًا ينبض شرًا، وفي المقابل من كان في قلبه حب، جمع الغنائم، وحظي معه الكثير بنفحاتها.
وما أشبه الباكي الحزين من فشله بالذي يأخذ كتابه بشماله، فالإنسان من يكتب مصيره بيديه، ويقره أسلوب تعامله مع الاختبارات التي يمر بها، ولنا في الدكتور مصطفى محمود عبرة، أنزلق إلى الإلحاد في بداياته، وقاومه بأدوات البحث العلمي وبواسطة التفكر والتأمل في آيات الكون، وكتب بيديه النجاة، وصارت ذكراه خالدة، تقتبس منها الأجيال، وصرح يشهد على عطائه، يتداوى فيه المرضى.
وكتب الله النجاة كذلك للدكتور علي إبراهيم باشا أول نقيب للأطباء، ذاق خلال مشوار حياته مرارة العيش مع والدته، واستطاع الصعود عليها، ولم يكتف بالمناهج المقررة بكلية الطب، وطالع المجلات العلمية، وساجل أساتذته، وأبدى في شبابه نجاحًا منقطع النظير في عمليات جراحية كبرى، وقال عنه عبدالعزيز البشري: وادع النفس.. هادئ الطبع.. خفيف الروح، ونجح في شفاء السلطان حسن بعد عجز الأطباء الأجانب عن علاجه.
ولنا في قصة إخوة يوسف عليه السلام آية، حملت نفوسهم الشر تجاه أخيهم يوسف، وآذوا أباهم يعقوب، وأدركوا خطيأتهم من عواقب الدروس، وأصلحوا أنفسهم فتاب الله عليهم، وكان في قصصهم عبرة.
[email protected]