نظام دولي ببصمة جورباتشوف

12-6-2023 | 12:34
الأهرام العربي نقلاً عن

النظام الدولى يتفكك دون الحاجة إلى اختراع شخصية جورباتشوف فى الرواية. حلفاء الحرب العالمية الثانية تحولوا إلى حطب فى أفران الصدام والصراع.

كان ميخائيل جورباتشوف آخر زعيم سوفيتي، اخترع فجأة فكرتين: البريسترويكا والجلاسنوست، الأولى: تعنى إعادة هيكلة النظام السياسى والاقتصادي، والثانية: تعنى المصارحة والمكاشفة، أو الشفافية، فتحول إلى نجم سينمائي، تحتل صوره أغلفة المجلات، وأخباره عناوين الصحف، ولقاءاته البرامج التليفزيونية العالمية.

 كانت قسمة غير عادلة، تفكك الاتحاد السوفيتي، وانفرط عقد أوروبا الشرقية، ووصل مطعم ماكدونالدز الأمريكى الشهير إلى العاصمة الروسية موسكو، ليجد فى انتظاره 30 ألف زبون روسي! وبصم بقية العالم على وثيقة غير مكتوبة بالإذعان لقطب واحد فريد.

كانت لحظة عاطفية خادعة، أعلن بعدها الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب عن نظام عالمى جديد، كان يستعيد موقف سلفه الأسبق ويلسون، حين أعلن عن نفس الطريق، وكان يستعيد تشرشل، ويستعيد إعلانات كل زعماء الغرب بعد أى حرب من معاهدة وستفاليا 1648 إلى الآن.

أليس غريبًا أن يستمر الغرب فى قيادة الأرض وحده منذ قرون طويلة؟

بعض الإحصاءات تشير إلى أن الغرب بشقيه الأوروبى والأمريكي، لا يستحوذ إلا على 12 فى المائة من سكان الأرض، بينما 88 فى المائة يعيشون صامتين على الهامش.

الأقلية الأولى تقود الكرة الأرضية منذ خمسة قرون، والأغلبية الثانية تتلقى الضربات، وحين وصل الصدام بين الأقلية نفسها، أدى إلى حربين عالميتين.

كانت مأساة إنسانية فادحة، فاتفقوا على وجود “مجتمع دولي” تقوده منظمة أممية، تنبثق منها منظمات، تحترم قواعد الدول المستقلة، واحترام ثقافات الشعوب، وعدم فرض صوت واحد، أو ثقافة واحدة، وهذا ما تجلى فى مواثيق الأمم المتحدة.

ومع وجود ذلك المجتمع الدولي، شنت دولة واحدة أكثر من 42 حربا ضروسا ضد دول مختلفة، هى الولايات المتحدة الأمريكية.

ولد هذا النظام باعتباره ليس مجتمعا دوليا، بل بوصفه الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، بينما الكتل السكانية الهائلة، يجب ألا تكون ضمن هذا المجتمع، بل مجرد ديكور فى المنظمات الدولية، وإذا ما أرادت التعبير عن نفسها، إما تشن عليها حرب أو يفرض عليها حصار، أو تصبح خارج الحظيرة، وإذا ما أرادت أى قوة أن تتقدم اقتصاديا أو علميا، فستجد الدعاية السوداء فى انتظارها، وستجد ما يسمى المنظمات عابرة الحدود تتصيدها باسم القانون الدولي.

كانت الحرب الباردة نصرا غربيا واضحا، تفكك بعدها الاتحاد السوفيتي، وكشفت وثائقها عن دور “نجوم السياسة، والثقافة، والفن العالميين” فى هذا النصر المظفر.

النجاح فى الحرب الباردة أغراهم بتكرار التجربة، بنفس الأدوات: حروب ناعمة وخشنة، تجلت فى المنطقة العربية فى العشرية الثانية من القرن الحادى والعشرين، وتتجلى الآن فى الحرب الروسية - الأوكرانية، والاحتكاك بالصين، ومنع الإقليم العربى من التنفس.

إذا شئنا الدقة، جورباتشوف الحالي، ليس شخصا نراه، بل هو حالة أصابت مراكز التفكير الغربي، جعلتها لا ترى من الغربال، ولا ترى أنه بعد 78 عاما من الحرب العالمية الثانية تغير كل شيء، وأن نتائجها، وتكويناتها تهشمت، ولم يبق إلا الإعلان.

من الأفضل أن يكون الغرب بشقيه الأوروبى والأمريكي، مع اعترافى بأنه صانع الحداثة التقنية الشاملة فى العصر الحديث، واحدا من الأقطاب المتساوية، لا قائدا أبديا، فذلك مستحيل، مع احترامى لمفكريهم المخدوعين المخادعين فى الشرق والغرب.

كلمات البحث