أخطار تهدد الأسرة المصرية

11-6-2023 | 15:44
الأهرام المسائي نقلاً عن

  • شاب وسيم جميل الشعر ينبض قوة وحيوية، جاء مع أمه للعلاج من ثعلبة في رأسه وذقنه، قلت لأمه: ما الذي أحزنه حتى تصيبه الثعلبة، قالت: هو عاطل عن العمل كسائق ميكروباص، فقد أصاب بسيارته شاباً في الطريق وحكم عليه بالسجن لمدة عامين، وهو يخشى النزول للعمل فيقبض عليه، وأهل المصاب لا يريدون التنازل إلا بمبلغ كبير لأن إصاباته كانت جسيمة.

  • قلت لها: معهم حق فلعله مكث فترة طويلة تحت الجراحات في العظام وفي الجبس، تفاهموا معهم فذلك أفضل للطرفين، قالت الأم: نحن لا نملك هذه المبالغ المطلوبة، والأفضل الانتظار عدة أعوام حتى يسقط الحكم.

  • شعرت أن أمه مثل كل أم مصرية هي التي تتحمل الابن في وقت الشدائد ووقت المرض، تذهب للمحامي، وتذهب وراءه في الأقسام والسجون، وتأخذه إلي الطبيب في شبابه كما كانت تأخذه في  صغره.

  • أري أمهات كثيرات يصطحبن أبناءهن الشباب لعيادتي فأمازحها قائلاً: لماذا لا تتركيه يذهب وحده للطبيب؟ فتقول ضاحكة: والله لولا إحضاري له وتشديدي عليه مرات ما جاء للعلاج، فأنا أناشده منذ شهرين أن يذهب للطبيب دون جدوى حتى تفاقم مرضه.

  • قلت لنفسي: الأم المصرية نموذج فريد في الأمومة فهي تتبني أولادها بطريقة شبه كاملة حتى تموت، ثم تستلم أحفادها منهم وتهتم بهم وتذهب بهم مع أمهاتهم للطبيب والتطعيم وغيرها، في حين أن الأم الأوروبية تترك ابنها وقد لا تعلم عنه شيئاً بعد وصوله لعمر الخامسة عشرة من عمره.

  • فاجأني الشاب بسؤال لم أتوقعه أمام أمه: هل لتناول الحشيش علاقة بالمرض؟ قلت له: لا، ولكنك إنسان غريب ففي هذه الظروف الصعبة التي تمر بها تتناول الحشيش، هناك أزمة اقتصادية طاحنة في كل بيت مصري وأسرتكم بالذات، وأنت تدخن الحشيش الذي هو أغلي من كل اللحوم والفراخ وكل الأطعمة، "دبر العيش في الأول يا بني".

  • قال: أنا لا أدفع فيه شيئاً، أصحابي سائقو التوك توك، والمكيروباص يدعونني كل عدة أيام لتدخين الحشيش معهم مجانا لأنهم يعرفون ظروفي.

  • قلت له: لو مليونير الآن لا يستطيع الإنفاق علي الحشيش، وهؤلاء الشباب من سائقي التوك توك مجانين لأنهم ينفقون معظم ما يكسبونه من عملهم علي المخدرات، شعرت أنه لن يترك تناول الحشيش سواءً بالمجان أو شراءً.

  • سألني: هل ستتطور الثعلبة أكثر من ذلك؟ لأنها كانت واحدة فقط فأهملها فتعددت واتسعت، قلت له: ستتحسن مع العلاج وكلهم سيعود إليهم الشعر خلال 3 شهور، فالله يقدر خلق الشعرة في 3 شهور وهو قادر علي أن يخلقها بـ "كُن فَيَكُونُ " ولكن لله سننا في خلقه وكونه.

  • أردفت قائلاً: اطمئن فأنت وسيم وشعرك ناعم وجميل وأي فتاة سترحب بك زوجاً؟ فأجابني علي الفور: والله البنات كل يوم كانت تترمى عليَّ، وتعرض نفسها علي وأرفضهن.

  • قلت: لا تغتر هكذا، فإذا بالأم تصدق علي كل كلامه: وتقول كلامه صحيح وبعض الفتيات جئن إلي البيت وقلن لي نحن نحبه ونريده، وإحداهن كانت في الثالثة الإعدادية وجاءتني عدة مرات وهي تلح عليَّ أنها تحبه ولا تريده أن يفلت منها.

  • قلت لها: لقد ذهب الحياء من البنات حتى أصبحن كالسلعة الراكدة الممجوجة خاصة إذا كن قليلي الحكمة والتريث والتربية، وقد حكي لي مثل ذلك كثير من سائقي التاكسي والمكيروباص كذلك، فقد أصبحت البنت سلعة رخيصة تقدم نفسها أحياناً للحمقى في سوق النخاسة، وقد لعب الفقر وقلة التأديب والتهذيب والتربية أثره السيئ.

  • والأخطر من ذلك أنني كلما قلت لشاب قارب الثلاثين أو تجاوزها لماذا لا تتزوج أجابوني جميعاً: وهل هناك زواج الآن؟ ومن يقدر علي نفقاته، فأصاب بالإحباط واليأس عندما يعدد لي أسعار الشقق والحديد والأسمنت والذهب .. إلخ.

  • فأقول لنفسي: جيل الشباب الآن مظلوم خاصة أن فرص العمل تنحسر انحساراً كبيراً، وهناك خوف لدى جميع الشباب من أخذ الزوجة للشقة والأولاد والنفقة وطرده في الشارع بحكم القانون.

  • سبل الحرام كلها مفتوحة الآن علي مصراعيها، وطريق الحلال والزواج مغلق تقريباً إلا لشريحة صغيرة جداً، وهذه الشريحة الثرية لا تفكر أصلاً في الزواج إلا متأخراً.

  • قصة هذا الشاب هي قصة شريحة كبيرة من الشباب المصري من سائقي التوك التوك والميكروباص والتاكسي والأعمال الحرفية والصنايعية، برنامجهم اليومي يكاد يكون متشابهاً لا تجد أحدهم قد ادخر شيئاً مما كسبه في عدة سنوات، كل دخله ينفقه علي الدخان والحشيش.

  • الأزمة الاجتماعية المصرية لا تقل خطراً عن الاقتصادية، وكلاهما يضر الآخر ويزيده اشتعالاً، فهل من حل يوقف هذه الانهيارات الاجتماعية والاقتصادية للأسرة المصرية.


كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة