في طفولتي كنت أراقب جماعات النمل وهى تحمل طعامها، فاكتشفت أنها لا تيأس أبداً.. يقع منها طعامها عشرات المرات، فتعود لتحمله، وتسير، وتهبط، وتعلو، ويقع، فتحمله، وتمشي، وتستمر!
والنمل مجبول على الصبر وعدم اليأس..
لكن الإنسان يستطيع أن يختار بين اليأس واللايأس .. وهذا اختبار حقيقي لإنسانيته وقوته.
والدعاوى التى اعتاد بعض الطلاب قولها من أمثال : (أكره المذاكرة ـ سوء الحظ يلازمنى ـ المواد مملة ـ طريقة التدريس لا تعجبني ـ الذاكرة تخونني ..إلخ) .. ذرائع فارغة تقال للتخلص من عذاب الضمير.. وهذا نوع زائف من اليأس، لا يخدع أحدًا.
أما اليأس الحقيقي فهو ينشأ من تكرار الفشل، وتعاقب الإخفاق.. رغم كثرة المحاولات وجديتها، وهذا النوع لا حل له سوى الإصرار على تكرار المحاولة، ومعاودة خوض التجربة دون يأس.
فالمحاولة الفاشلة ليست إلا خبرة جديدة تكتسبها.. والمحاولة التالية تختلف لا شك.. لأن بها خطأ قديم تتجنبه، وفكرة جديدة تطبقها.. فلا ييأس وينسحب من أرض المعركة إلا الجبناء والضعفاء، فلا تكن أحدهما.
إن بين اليأس، والبأس نقطة.. قد يعجز بعضنا عن رؤيتها!
السؤال الآن هو: ماذا تملك من أسباب المذاكرة والنجاح؟
إذا كنت تقرأ وتكتب ومعك كتاب وقلم ومدرس خصوصي، فهل تملك حب القراءة والكتابة والدرس هل تملك أن تغيّر الدرجة التى لطعها المصحح فى كراسة إجابتك كأنه حكم نهائى واجب النفاذ؟ هل تستطيع أن تمنع مرضا أصر على الهجوم عليك ـ لا قدر الله ـ ليلة الإمتحان؟
حدث هذا مع صديق لى، وكنا فى الثانوية العامّة، وكان هجوم المرض عليه كاسحا.. وأقيمت له لجنة امتحان فى المستشفى، وكان يكتب وهو يصارع الغيبوبة والألم والقىء.. ولم يتركه المرض إلا فى آخر يوم امتحان!..
ودخل فى هذه السنة كلية الطب!!.. تسألنى كيف؟ أقول: إن القلم والكتاب والمدرِّس.. مجرد أسباب.. وكذلك الإرادة، والحظ، والظروف، والرغبة، والميول، والذكاء، والإلهام.. كلها تقع تحت نفس البند ـ الأسباب.. وكلها طوع أمر مسبب الأسباب!!
لهذا نقول في دعائنا: (يا رحمن، قلبى بين إصبعيك الكريمتين تقلبه كيف تشاء فثبت قلبي على دينك واجعل قلبي يطمئن بذكرك).. فنحن نتضرّع إلى الله ألا يتركنا تحت سلطان إرادتنا الحمقاء الأنانية المغرورة، وتحت سيطرة قلب دائم التقلب والتغير.. وأن نوقن فى قول الحق: "ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى".. ولا نكون مثل قارون فنقول: "إنما أوتيته على علم عندي".
وعطاء الله لا يهدى للعصاة والخائضين، ومدده لا ينال العاطلين والمتواكلين.. فلا بد لمن يدعو الله ويطلب منه المعونة والمدد أن يستوفى أسباب الاجتهاد، ويستنفد طاقته لآخر قطرة.
ومن أسباب الله وجنده: الفكرة، وكل حركتنا في الحياة صادرة من هذه الفكرة.. حتى العاطفة مجرد فكرة، فكرة تلح عليك وتطاردك بأنك تحب فلانا أو فلانة، أو يجب أن تفعل.. ولا نستطيع على مستوى إدراكنا المحدود أن نكشف عن مصدر أى فكرة، ربما العقل أو القلب أو النفس أو الشيطان، لا ندري.
وإذا كان الغضب والحلم فكرتان، فإن الغضب فكرة شيطانية، أما الحلم فإلهام إلهي.. ندعوه نحن توفيقا وحكمة .. والرضا بالقدر إلهام، بينما السخط على القضاء نفث شيطان.
إن الفكرة هي سبب من الأسباب التي سخرها الله لك، وتخضع لقانون التوفيق والبركة..
فكرة تقودك للانصراف عن اللعب، وتلقى فى قلبك حماسا مفاجئًا للمذاكرة ، أو فكرة تهبط على رأس مدرسّك فلا يسألك إلا سؤالا ً تنتظره وتعرف إجابته، أو تهبط على رأس مصحِّح ورقة امتحانك فيبتلع إجابتك الناقصة ويمنحها درجة كبيرة.. فلو أردت أفكارا توفقك وتهديك وتيسر لك أسباب التوفيق.. فكن دوما فى معية الله.
الإحباط وأسبابه..
مقارنة النفس بالآخرين، وهي على الدوام ليست في صالحنا.. لأننا عادة نرى في غيرنا ما ينقصنا.
كذلك إذا وجدت نفسك عاجزا عن مسايرة تيار المنافسة بين رفقاء الفصل وملاحقتهم في التسابق على إجابة أسئلة المدرسين.. ربما لكثرة شرودك، أو لارتباكك وخجلك.
قد ينتج الإحباط من تراكم المواد ، التعثر الدراسي، الإخفاق فى امتحان أو أكثر، اهتزاز الثقة فى جدوى المذاكرة، أو كفاءتها، أو أسلوبها.
وهناك نوع آخر لئيم من الإحباط: وفيه ينتاب المرء حماس مفاجئ.. فيشتد على نفسه، وينشط فى اختيار أصعب المواد ويجبر نفسه على حفظ كل ما يصادفه بلا تمييز.. وسرعان ما يخفت الحماس، ويهمد الجسد، ويعقب هذا موجة إحباط هادرة.. سببها أنه يظن حينئذ أن العيب منه، ما دام الحماس نفسه قد فشل فى إصلاحه!
وقد يكون سبب الإحباط هو تراكم وتكرار التوبيخ والانتقاد والتعنيف والتهكم، التي تنهال على الطالب منذ طفولته، فتـُشكك فى ذكائه، وتـُسفه آراءه وأفكاره، وتـحقـّر نتائجه.. فيُحبط وينطوي ويذوق الفشل مرة أو مرات.
والتخلص من أذى ذلك الإحباط سهل جدا، وله أكثر من طريقة أهمها وأمضاها الدعاء والتقرب من رب العزة.. وهناك طرق أخرى مثل: أولا: النجاح: أي نجاح.. حتى النجاحات الضئيلة التافهة، مثل نجاحك فى حفظ نصّ يئست من حفظه، أو فوزك باستحسان مدرس بينك وبينه خلاف غير مفهوم، يهزم الإحباط بالضربة القاضية.
ثانيا: أحيانا يكون العلاج الناجع للإحباط، هو تجنب أسبابه.
وهذا العلاج يناسب طالبا لا يجيد الشفهى بقدر ما يجيد النظري، ويفضل أن يكتب الإجابة على أن يقولها.. فهو يرتبك بين مدرسيه وزملائه، ويصاب بحالة من الفزع والتوتر..
والحل؟ أن تنزوي بعيدا عن أجواء التنافس القارصة التي لا تلائم سلامة المذاكرة وصحتها.
والناس نوعان: نوع يرفعهم التنافس إلي فوق، ونوع آخر يفضل العمل في صمت بعيدا عن الآخرين ليخرج بنتائج أفضل.. فالمهم في النهاية هو اجتياز الامتحان، والفوز بالنتيجة..
واعلم يا بني أخيرًا.. أن الفشل لا ينبت من الإحباط.. وإنما من الاستسلام للإحباط، والانهزام أمامه.
[email protected]