سيظل الوازع الديني عنصرًا حاكمًا لقطاع عريض من الناس؛ لاسيما أن الارتباط بالدين فطرة يعيها وينشأ عليها المصريون.
من هنا يمكن تفسير عدد من الظواهر المرتبطة بذلك الأمر المهم؛ ومنها الظاهرة التي أتحدث عنها اليوم؛ وهي ظاهرة التسول التي تحولت في غفلة من الزمن لمهنة تدر عائدًا مغريًا؛ يحفز البعض على امتهانها.
على مدار عدة سنوات؛ أخرج من محطة مترو جمال عبدالناصر متجهًا لمكتبي بجريدة الأهرام؛ لأشاهد رجلًا كبيرًا في السن؛ يجلس على مقعد خشبي؛ يجعل أحد حوائط الأبنية مسندًا له، ويبدأ في رفع يده للمارة؛ كإشارة أنه يحتاج للمعونة.
يومًا بعد يوم؛ أصبح ذلك المشهد بمثابة عادة تعودت عيناي مشاهدتها يوميًا؛ إلى أن تنبهت أن الرجل يحتاج للتنقل لمكان يؤويه؛ ويعود منه لنفس المكان؛ على مدار عدد من السنوات، وسألت نفسي سؤلًا؛ إذا كان يحتاج لبعض النفقات؛ ألم يجمعها حتى الآن؛ رغم مرور سنوات؛ لم أتمكن من حصرها!
إذن الأمر تحول من حاجة؛ اضطرت الرجل للتسول؛ إلى مهنة تدر دخلًا عليه؛ جعله يجلس الجلسة كل يوم؛ ورغم أني كنت أشاهد آخرين يجلسون مثله، ولكن على مسافة منه؛ كلهم رحلوا إلا هو.
وأتذكر سيدة؛ تلبس ملابس تبدو من هيئتها؛ أنها مقتدرة؛ ثم تباغتك؛ بقول أنا آسفة محتاجة جنيه؛ لقد نسيت محفظتي! فيكون الرد أن تعطيها ما تجود به؛ ولكن المؤكد أنه أكثر من جنيه.
شاهدتها بضعة مرات حتى تيقنت أنها أجادت الحرفة؛ ولكن بعد أن تيقن المارة المنتظمون من مكرها؛ قلت حصيلتها، فتركت المكان وانتقلت لآخر؛ تمارس نفس اللعبة على أُناس جُدد.
وأتذكر أيضًا سيدة قابلتها منذ عقدين ونيف من الزمان؛ في المصيف؛ كانت تروي قصة لطيفة مفادها أن زوجها طردها وطفلة صغيرة؛ وتجمع المال لتذهب لأهلها؛ كان ذلك في أول يوم لي؛ ورأيتها أيضًا في آخر أيام المصيف؛ فسألتها ألم تجمعي ما يكفي؛ حتى عرفت أن أمرها انكشف فهرولت بعيدًا عني.
أثق أنه عند حضراتكم كثير من القصص المشابهة؛ كما أثق أن وجود مثل هؤلاء كالسرطان الذي ينخر في جسد المجتمع؛ فهم بتلك الكيفية؛ سبب في حرمان من يستحق للصدقات؛ الذين نحسبهم أغنياء من التعفف.
وأيضًا؛ هم سبب رئيسي؛ لتقنين البطالة؛ حتى أضحى التسول مهنة مربحة للغاية؛ أعلم أن القانون يجرم التسول؛ ورغم ذلك تجدهم يتسولون بأريحية غريبة.
هنا لست أدعو لمنع الصدقات؛ ولكن أتمنى تحري المستحقين؛ فبذل بعض الجهد بحثًا عن مستحقي الصدقات من شأنه أن يعلي من قيمتها وثوابها؛ كما من شأنه القضاء على هؤلاء المتسولين.
لذلك أدعو الأجهزة المعنية؛ لاتخاذ اللازم نحو المتسولين؛ فهم يأخذون من الظروف الاقتصادية الصعبة ستارًا وهميًا يعيشون خلفه؛ ويتذرعون ببؤس الحال؛ وهم أبعد من ذلك عنه بكثير.
وإن كنت لا أريد الخوض في حكايات رددتها وسائل الإعلام عن متسولين وُجد معهم مبالغ مالية طائلة؛ ليس في مصر فقط؛ فقط أرجو أن يعامل هؤلاء بما يستحقون من الدولة ومن الناس.
،،، والله من وراء القصد
[email protected]