Close ad

المسالك المقدسة في مصر المحروسة.. حارسة قبر الرسول

30-5-2023 | 21:11
المسالك المقدسة في مصر المحروسة حارسة قبر الرسولقلعة صلاح الدين الأيوبى
أحمد خالد
الأهرام العربي نقلاً عن

نهبت قوات أرناط قافلة حجاج كانت متجهة

إلى بلد الله الحرام وقتلت كل من فيها بأمر مباشر صريح منه

كلف صلاح الدين الأيوبى الموجود فى الشام نائبه فى مصر الأمير العادل بالتصدى لمؤامرة أرناط والقضاء عليه

قامت القوات المصرية بقيادة حسام الدين لؤلؤ  بمهاجمة أسطول الفرنجة فى ميناء أيلة فدمرته تماما

السابقة معرفة ودراية، هى الأقدر حماية وحراسة، وقدر المحروسة بسبق درايتها ودرايتها السابقة، أن تدافع عن كل مقدس فيها وحولها، وقدر المحروسة أن يناديها كل مقدس فيها وحولها، وقدر المحروسة أن تستجيب، فما بالكم إذا كان الذى يناديها، هو الرسول محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، أن تدافع عن قبره، وعن روضته، وإذ هى تلبى النداء، فإنها تعرف أن فيها خير أجناد الأرض.

أريد أن أوضح، أن الكتابة عن التاريخ المصرى، الذى لا ينفصل عن الحاضر المصرى ومستقبله - وأكررها الذى لا ينفصل عن الحاضر المصرى ومستقبله - ليس مكايدة لأحد، فالتاريخ المصرى أكبر من ذلك، ولا هو معايرة لأحد، فالكبير لا يعاير، إنما فى بعض مقاصده، تذكير لأبناء ذلك التاريخ، أصحاب الحضارات الأصيلة ، بأنهم ليسوا عوانا بين الناس، وأنهم مهما حدث لهم، فإنهم ولو بعد حين، لن يجدوا ما يرتكنون إليه، إلا ما تمايزوا على غيرهم به، وهو تاريخ الحضارة وحضارة التاريخ.

ولا يظن أحد أننا بذلك ممن يكتفون بحجة التاريخ، فى مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل - آتية من قريب أو بعيد -إنما يستعينون بتاريخ أسلافهم، وهو ملىء بالمحن والمنح، فى عبور كل محنة إلى منحة، واستيفاء كل شرط، إلى كل ما هو مقدر ومحتوم، لكل صاحب رسالة، وإن وهن ذات زمن، فالزمن فى مسيرته ليس إلا لحظة، وستمر.

غير أن التاريخ المصرى ليس ماضيا منقطعا أو متقاطع السنوات، وقد كررنا غير مرة، أنه يجرى جريان النيل، وحسبك أن تمشى فى شارع المعز مثلا، فتجد أنك تجلس إلى ظل حائط، أعلاه اسم مثل اسم الأشرف خليل، وهو الذى قضى على آخر فرنجى فى أراضي المسلمين، وكفاك أنك إذ تسأل عن محل فى الغورية، فتقول لك واحدة، إنه بعد عطفة برسباى، وهو من دافع عن أراضى المسلمين، شرقها وغربها، حتى إنه نال اللقب الأعظم، لقب خادم الحرمين الشريفين، أما أن يذهب أحدهم إلى الغردقة، ظانا أنها مجرد مدينة سياحية، ثم يجد لافتة تشير إلى طريق  مدينة عيذاب، ثم يسأل وما عيذاب؟ فيعرف أنه البلد الذى عبر منه المصريون، لينقذوا قبر الرسول، صلى الله عليه وسلم من هجمة الفرنجة، فهذا سؤال قد تبدأ إجابته من عام 576 هجرية.

منذ نحو سنة 440 هـ  إلى سنة 666 هـ، وخلال تلك الفترة استخدم الحجاج المصريون، إضافة إلى الحجاج القادمين من الدول المغاربية وشمال إفريقيا، طريق الحج المصرى البرى، حيث كانوا يتجمعون فى بركة الحاج بالمطرية، ثم ينتقلون بالسفن النيلية إلى قوص فى صعيد مصر، ثم يسافرون  بالقوافل إلى مدينة وميناء عيذاب بالبحر الأحمر، ثم يعبرون البحر إلى جدة بالحجاز، ومنها  إلى المدينتين المقدستين مكة والمدينة.

وزاد من أهمية هذا الطريق، أنه تم استخدامه بدلًا من الطريق البرى الواقع فى شمال الحجاز، وذلك بعد استيلاء الفرنجة على مدينة "أيلة"، أى إيلات ما تسبب فى غلق الطريق البرى للقوافل، بين مصر والشام والحجاز.

غير أن الفرنجة أرادوا حتى أن يقضوا على الطريق المصرى، وأرادوا ما هو أبعد أن يستولوا على مكة والمدينة.

فى  سنة 570هـ، وأثناء اشتداد الحروب والمعارك بين مصر والفرنجة، بزغ نجم  الأمير الفرنسى الغازى رينالد دى شاتيونلا، المشهور في المصادر والمراجع العربية والإسلامية باسم أرناط، والمشهور أيضا بكراهيته لكل ما هو عربى وإسلامى، خصوصا بعد أن صار أميرًا على حصن الكرك فى شرق الأردن.

وفى سنة 578هـ، قرر أرناط مهاجمة مكة والمدينة، ووقتها كان صلاح الدين الأيوبى بقواته موجودا فى الشام، لاستكمال مواجهاته مع الفرنجة، فاستولى أرناط على ميناء أيلة، ثم استولت قواته على جزيرة القلعة فى البحر الأحمر، ثم هاجمت الموانئ المصرية الموجودة على ساحل البحر الأحمر، وأولها ميناء عيذاب، الذى تتجمع فيه كل قوافل الحجيج القادمة من قوص، استعدادا لعبور البحر إلى جدة، حتى نهبت قافلة حجاج كانت متجهة إلى بلد الله الحرام، وقتلت كل من فيها بأمر مباشر صريح منه، بل زاد على ذلك، بأنه كان يشارك فى قتل الحجيج بنفسه.

ثم عبرت قوات أرناط البحر من عيذاب إلى جدة، فاستحلها تماما، ثم استعد للهجوم على مكة والمدينة.

فى الأثناء كلف صلاح الدين الأيوبى الموجود فى الشام، نائبه فى مصر الأمير العادل، بالتصدى لمؤامرة أرناط، والقضاء عليه قبل أن تنتهك قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فكلف العادل قائد الأسطول المصرى، حسام الدين لؤلؤ بالقيام بالمهمة، وذلك بالطبع قبل إنشاء قاعدة برنيس العسكرية المصرية بمئات السنين، وهل مرت مئات السنين؟

وفى التو، قامت القوات المصرية بقيادة حسام الدين لؤلؤ ، بمهاجمة أسطول الفرنجة فى ميناء أيلة، فدمرته تماما، ثم اتجهت إلى عيذاب فقضت على الحامية الفرنجية وحررت المدينة، ثم عبرت البحر إلى ميناء جدة، ومن هناك تحولت القوات المصرية من قوات بحرية، إلى قوات فرسان ومشاة ، فلحقت بقوات أرناط قبل ليلة من دخولها إلى المدينة المنورة، فقضت على قوات الفرنجة، وأسرت معظمها وأتت بالأسرى إلى القاهرة، المحروسة التى حمت قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكفى.

كلمات البحث