طار فوق محمية الجميل.."2 - 2"

29-5-2023 | 13:13

"إذا أردت السعادة فورًا فاذهب إلى البحر، وإذا أردت السعادة شهرًا فتزوج، أما إذا أردت السعادة دهرًا فراقب الطيور".. حكمة من الصين.

حطت "سياحة مراقبة الطيور - Tourism  “Bird watching على خرائط القارات ووجهات السياحة العالمية بشكل لافت، ورف الطير بطباعه وسلوكه، ليصبح رمزًا للبهجة ومنتجًا للتسويق السياحي، خاصة في القارة الأوروبية، حيث تدخل هذه السياحة في دائرة سياحة الطبيعة والمغامرات، والهدف منها مراقبة الطيور في بيئتها الطبيعية، والعثور عليها والتعرف عليها لأغراض التعليم والاستمتاع، وتعد بريطانيا أشهر دولة في القارة، تليها هولندا وألمانيا، وفي العالم هناك وجهات رئيسية معروفة لدى الخبراء وهواة الطيور، مثل مصر، وتركيا، والمغرب، وتايلاند، وأوكرانيا، والصين، وتستحوذ هذه الدول على أكثر من 50% من عدد الرحلات إلى وجهات الدول النامية.

عالميًا، تعد مراقبة الطيور سوقًا سريعة النمو، وتستقطب نحو 3 ملايين رحلة كل عام، وتأتي الحصة الأكبر من أوروبا، ويهتم ما لا يقل عن 20٪ من المسافرين الأوروبيين بسياحة وأنشطة مراقبة الطيور، وتعد إفريقيا والولايات المتحدة وجهتين شائعتين لمراقبي الطيور، وكذلك آسيا وأمريكا الجنوبية وجهتين جديدتين نسبيًا لمراقبي الطيور، لكنهما تشهدان نموًا سريعًا، والمتوقع أن يستمر نمو الطلب على السياحة البيئية المعنية بالطيور مستقبلا.

لا تقتصر أهميتها على المنتج السياحي فقط، ولكنها تمتلك فوائد للصحة العقلية، فمراقبتها، أو حتى سماع أصواتها، مهمة للصحة العقلية للبشر، في مقدمتها تخفيف التوتر، فقد كشفت دراسة نُشرت مؤخرًا في دورية "Scientific Reports" أن رؤية الطيور أو سماعها يحسن من الصحة العقلية للأفراد، وقد استخدم نحو 1300 شخص يعانون من الاكتئاب، لديهم حالة عقلية، تطبيقًا للهواتف الذكية، لتسجيل حالتهم المزاجية عدة مرات في اليوم، للتعرف على مدى تأثير رؤية الطيور أو سماعها، مقارنة بعوامل بيئية أخرى، مثل رؤية الأشجار أو النباتات أو المياه، وكانت الطيور بأشكالها وأصواتها تتصدر التأثيرات الإيجابية المحسنة للحالة النفسية.

يقول مؤلف كتاب "الطيور البطيئة: فن وعلم النظر إلى الطيور بفنائك الخلفي" - Slow Birding: The Art and Science of Considering the Birds in your Backyard: "

"الجلوس في الخارج والاستماع إلى الطيور والتعرف على أغانيها أمر مهدئ تمامًا، وبالنسبة لي، فإن الشيء المميز فيها أنها تستطيع المغادرة، وليس من الضروري أن تكون هناك، لكن هذه الطيور اختارت أن تكون حيث أنت، وفي وقت ما، سوف تمضي لحالها".

ومع تطور وعي الإنسان، لم يعد يهتم برؤية الطيور والحيوانات في أقفاص وغرف حديدية بحدائق الحيوانات، بل أصبح يذهب إلى رؤيتها في الطبيعة، وانتهت حقبة وضع الحيوان في حدائق مغلقة لرفاهية البشر، وهو ما اهتدى إليه الإنسان أخيرًا، بعد أن أدرك أن هذه الكائنات خلقت لوظيفة صنعها الله سبحانه، لتوازن الحياة وتكاملها على الكوكب، وقد ذكرها "البارئ" في كتابه الكريم: "ومَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ" الأنعام - 38".

وحول فكرة أن الطيور مفيدة للدماغ، وجدت دراسة نُشرت في " Bioscience"، أن وفرة الطيور في الأحياء الحضرية، ينتج عنها انخفاض حالات الاكتئاب والقلق والتوتر، وأظهرت دراسة أخرى، بمجلة " الاقتصاد الإيكولوجي - ecological Economics"، وجود علاقة بين السعادة وعدد أنواع الطيور حول منازل الناس ومدنهم، وأن الطبيعة تساعد على تحسين التركيز بتقليل الإجهاد العقلي وخفض التوتر عن طريق خفض ضغط الدم والهرمونات المسببة للتوتر، ومن ثم فإن الطيور تحرض على جذب الناس إلى الخارج.

في ديسمبر الماضي، وبهدوء، تم إقامة أول مهرجان لمراقبة الطيور محمية "أشتوم الجميل" ديسمبر، لعله الأول فلم يجد الترويج المناسب له، ويتوقع د. حسين رشاد مدير المحمية، نجاحًا للنسخة الجديدة والإعداد الجيد لها، ليصبح حدثًا سنويًا  يتصدر المقاصد السياحية المصرية والعالمية، وينبه مدير التدريب والتوعية بوزارة البيئة محمد مصطفى إلى أهمية التكامل بين الكيانات المعنية بسياحة مراقبة الطيور، مثل البيئة، والسياحة، والبحث العلمي، والتعليم، والزراعة، والمحليات، حتى نرتقي بهذا النوع من السياحة علميًا وثقافيًا واقتصاديًا.

في مصر يوجد 23 نوعًا شائعًا من الطيور، أجملها "الهدهد"، وأخطرها "المينا الشائعة"، فالهدهد رغم شكله المميز، إلا أنه يمتلك تكتيكات دفاعية، وكذلك "اليمامة"، و"الغراب"، و"البلبل الأبيض"، ثم "البط البري"، و"العصفور البلدي - الدويري"، و"اللقالق".

أما "المينا الشائعة"، وهي طائر أسود انتشر في مصر مؤخرًا، ذو منقار أصفر، فقد وضعه الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة "IUCN" على قائمة أكثر 100 نوع عدوانية، لتهديده التنوع البيولوجي، ونلاحظ أنه في الوقت الذي انتشرت فيه المينا حاليًا، تناقص أعداد الطيور المألوفة، وخطورته أنه يأكل كل شيء.

وقبل الصحة النفسية، ومدى أهمية مراقبة الطيور للصحة العقلية، فإنه من العقل أيضًا أن نهتم ونعتني بالطير بشكل عام؛ لأنه أحد أهم الكيانات الحمائية لصحتنا وصحة كوكبنا وتوازنه وتنوعه البيولوجي، فالطير والكائنات الحية الدقيقة، وغير الدقيقة، هي التي تحمينا بشكل مباشر وغير مباشر، ضد تغير المناخ، لكيلا تجف البحيرات، ويستمر صيد الأسماك، وتنتعش الزراعة وتربية الماشية، ويستمر هطول الأمطار لتتوارى حرائق الغابات؛ لأن استدامة الحياة السليمة، من استدامة استضافتنا الكريمة للطير.

[email protected]

كلمات البحث
الأكثر قراءة